Tuesday, October 30, 2012

شندي قبل 5 ألف عام.. تطور من البدائية حتى القرى الزراعية وإختفاء على حافة المدنية

من المتفق عليه في الوسط العلمي الآثاري السوداني أن فترة المدنية ظهرت خلال العصر البرونزي في السودان، مع أواسط الألفية الثانية قبل الميلاد، وهي الفترة التي بلغ فيها الإنسان السوداني درجة التمدن، بالانتقال من مرحلة المجموعات الرعوية – الزراعية إلي مرحلة بناء المدن الصناعية – التجارية - الزراعية والرعي جانباً، عندما اشتد تصحر السهول وجفت سبخاتها المائية ونضب عطائها البيئي، مما أجبر الإنسان ليتحرك نحو ضفاف النيل ويبني مدناً مستقرة ذات مركزية سياسية.
وقد مثلت هذه الفترة من التطور البشري منطقة كرمة بدنقلا كأول مدينة مركزية في السودان، وكأول دولة سودانية – كوشية مستقلة منذ ظهور البشر في السودان، لم تكن شندي بعيدة عن هذه النقلات الثقافية، بل كانت سابقة لكرمة في التطور الثقافي، حيث كشفت الأبحاث الأثرية عن قرى زراعية – رعوية وصلت مرحلة من التطور الثقافي، منها ما كشفته حفريات البعثة الفرنسية في موقعي الكدادة والغابة بالتراجمة وما أسفرت عنه تنقيبات جامعة شندي في موقع قلعة شنان بمدينة شندي.
 أوضحت أعمال الحفر الآثاري أن تلك المواقع كانت قري زراعية على النيل صنع سكانها من الحجر أدوات للصيد البري والنهري منها الفأس الحجري والمكاشط والسكاكين ورؤوس السهام وقد كانت من أميز صناعات العصر الحجري الحديث من الناحية الكمية والكيفية، ومن التربة صنعوا أواني فخارية كانت الأكثر جمالاً وتنوعاً وأظهرت أروع ما صنعته يد سودان ما قبل التاريخ، وكانوا يفلحون الأرض ويذرون الذرة والدخن ويربون الأبقار والماعز بجانب صيد الطيور الصغيرة والكبيرة مثل النعام والحيوانات بشقيها البري والنهري، حيث كشفت عظامها في تلك المواقع ما يذيد عن العشرين نوعاً من الحيوانات المتوحشة، إضافة إلي أنهم تفننوا في صناعة أدوات الزينة 
من الأساور والخرز وزمام الشفاة.

غطت تلك المستوطنات الفترة ما بين 5000 – 3000 ق.م متكيفة مع المحيط البيئي 
 وشكلت مزيج ثقافي يضاهي مثيلاتها في اريحا بفلسطين وشمراء بسوريا وبيضاء بالأردن ويفوق وصيفاتها في السودان من الشهيناب بام درمان وكدركة بدنقلا.
كما كشفت مدافن مستوطنات العصر الحجري الحديث في شندي عن قمة من التطور الفكري، والاعتقاد بحياة ما بعد الموت حيث دفنوا أطفالهم الذين لم تبلغ عمارهم سن السادسة داخل جرار فخارية ووضعوا معهم معالق من الصدف وأواني فخارية صغيرة من الكبابي والكؤوس والخرز والأساور، ودفنوا في حيز منفصل عن بقية المجتمع، فيما دفنوا الأطفال الذين أعمارهم أكبر من السادسة وأقل من العاشرة في حفرة دائرية صغيرة ووضعت من حولهم أواني فخارية وأدوات حجرية وأدوات زينة استعداداً لممارسات طقوسهم الحياتية في الدار الأخرى، وكانت مقابر الراشدين هي الأكثر غرابةً، حيث فصلت حسب النوع، بأن احتوت مقابر الذكور على الأسلحة الحجرية والأواني الفخارية ومقابر الاناث ضمت ألواح سحن الألوان والزينة النسائية، كما دفنت مع البعض الحيوانات والأصداف ولربما الأسماك، وفي الجانب الآخر وجدت بعض المقابر التي تحتوي على شخصين، وهذه دلالة على أن مجتمع شندي في ذلك الحين كانت فيه الزعامات فعندما يتوفى الزعيم يقتل من يخدمه طقساً ويدفن معه، أو في حالة وفاة أحد الزوجين يفضل الآخر الموت ليدفن مع شريك حياته في الدنيا ويشاركه الحياة الأخروية.
وتنوعت في تلك المستوطنات النشاطات البشرية بوجود تقسيمات حرفية مهنية ما بين الصناع – الزراع – الرعاة والسادة، وكانت بيوتهم عبارة عن أكواخ من الطين المكسو بالقش وكانت هناك تنظيمات أسرية وتفاوت في الثروة، ولهم علاقات واسعة المدى الجغرافي مع مستوطنات البحر الأحمر وشمال السودان ووسطه، وساعدهم العطاء البيئي وتوفر الموارد وأريحية المناخ على الاستقرار الاقتصادي وبالتالي تطور ثقافي 
اجتماعي – فكري - عقائدي.

كل هذا وذاك يؤكد أن إنسان شندي خلال العصر الحجري الحديث بلغ قمة من التطورات
 في مجالات عدة، وكون قرى زراعية مستقرة تفوقت على ما عاصرها في الزمان وجاورها في المكان، ومثلت آخر مطاف للعصر الحجري الحديث في السودان، وكانت تلك المستوطنات في حالة نمؤ ثقافي متواصل لما يقارب الألفين عام.
ولكن......................
فجأة...... تلاشت تلك القرى الزراعية واختفت عن الوجود خلال 3000 ق.م بنهاية العصر الحجري الحديث ولم تظهر لها أي اشارات خلال العصر البرونزي وأصبحت شندي في عزلة ثقافية وخلو من البشر حتى ظهور الحضارة المروية في 700م.... ألفي عام من التطور وألفي عام من الانقطاع.
ما السبب   ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟     مازال البحث جاري   !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!  

Monday, October 8, 2012

من كتابات العالم أسامة عبد الرحمن النور في مجلة آركاماني

كوش- النوبة : إشكالية التسمية
أسامة عبدالرحمن النور

تحاول هذه الورقة مناقشة التسميات المختلفة التى أطلقت على السودان في الأزمان التاريخية المتعاقبة. استخدم المصريون القدماء عدداً من الأسماء التى أطلقها الملوك الكوشيون (السودانيون القدماء) أنفسهم على بلادهم. على سبيل المثال تسمية تا سيتى (أرض السهام) التى استخدمت بداية للدلالة على إقليم محدد من الأطراف الشمالية للسودان. من ثم انتشرت التسمية لتشمل القطر بأكمله. أيضاً استخدمت تسمية الواوات للدلالة على الأطراف الشمالية للسودان إلى جانب استخدام تسمية تا نحسى للدلالة على السودان ككل، وكلمة نحسى للإشارة إلى كافة الشعوب التى تعيش إلى الجنوب من مصر. أما الإغريق فإنهم منذ أزمان هوميروس قد أطلقوا على البلاد تسمية  "إثيوبيا" التى تعنى "ذو الشكل المحروق". وقد ثبت الكتاب الإغريق الحدود الشمالية لاثيوبيا في أسوان، في حين ظلت حدودها الجنوبية مجهولة لهم. أما تسمية النوبة التى تستخدم بكثرة أيضاً في الكتابات المتخصصة للدلالة على إثيوبيا النيلية (كوش) فإنها تظهر في فترة متأخرة . أول ذكر لبلاد النوبة نجده في أعمال الكتاب العرب. يحتمل أن يكون أولئك الكتاب قد استخدموا الصفة المصرية الشائعة في تلك الفترة للدلالة على المنطقة الواقعة إلى الجنوب من أسوان.
في القرن السادس عشر قبل الميلاد، واحتمالاً في وقت أسبق، بدأت في التلاحم والتوحد المشيخات الكوشية إلى الجنوب من مصر، تلك العملية التى قدر لها على مدى ثمانمائة عام ليس فقط أن تحكم قبضتها على كل وادي النيل من البطانة جنوباً حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط شمالاً، بل وأن تدخل في تنافس مشهود مع الإمبراطورية الآشورية من أجل السيادة على سوريا وفلسطين يمكن القول بأن كوش ظهرت للمرة الأولى على مسرح السياسة الدوليَّة تحديداً تحت هذا الاسم منذ نهاية النصف الأول للألفية الثانية قبل الميلاد. وقد أطلق ملوك نبتة ومروى على بلادهم اسم كوش وهو ما فعله كل من أسبالتا، وهورسيوتف، ونستاسن. ورغم أن اسم كوش قد استخدمه المصريون إلى جانب أسماء أخرى منذ عهد المملكة الوسطى، وعنهم استخدمه الآشوريون والفرس في مدوناتهم، بل وبهذا الاسم ذكرت البلاد في الكتاب المقدس، فانه وفي أزمان لاحقة صارت الكتابات المتخصصة، بفعل تقليد يعود إلى الإغريق والرومان بداية وإلى الكتاب العرب في القرون الوسطى لاحقاً، تلجأ إلى استخدام تسمية إثيوبيا أوالنوبة للدلالة على كوش. من ثم يرى الكاتب أن تسمية النوبة المستخدمة حالياً للدلالة على اسم البلاد في الفترات التاريخية السابقة للقرن الخامس الميلادي، لا تتطابق مع الواقع الفعلي التاريخي. ويرى الكاتب أن تسمية النوبة تظهر للمرة الأولى فقط في العصور الوسطى، وتم اشتقاقها في الغالب الأعظم من قبائل النوبا أو النوباديين، الذين وصلت أول إشارة عنهم في القرن الثالث الميلادي. بهذا فإن استخدام تسمية النوبة بدلاً عن كوش لا يتطابق مع الواقع التاريخي، بالإضافة إلى أنه يثير بلبلة فيما يتعلق بالحدود الجغرافية ذلك أنه لم يتم إطلاقا إدخال البطانة في مفهوم النوبة. بالتالي فإن تطبيق اسم النوبة على أزمان مملكة مروى غير صحيح إطلاقاً. إنه حتى في أزمان الادريسى، حين أصبحت تسمية النوبة تفهم بمعنى أكثر اتساعا، فإنها كانت تشمل فقط شمال السودان حتى الجندل السادس جنوباً بمجرى النيل وهو ما يعنى استبعاد الصحراء على ضفتيه والجزيرة المرًّوية (البطانة). 


فيما بين ملتقى النيلين الأبيض والأزرق عند الخرطوم في الجنوب، والجندل الأول عند أسوان في الشمال، يجرى النيل عبر أرض نعرفها حالياً "بالنوبة". بين مسافة وأخرى يعكر صفو جريان النيل سلاسل صخور جرانيتية أطلق عليها الكتاب العرب الأوائل نعت الجنادل، لكن شاع نعتها اليوم بالشلالات. يؤلف الجندل الأول منها بالقرب من أسوان حداً طبيعياً وفي الآن نفسه حاجزاً ثقافياً بين مصر والسودان. حالياً فان المنطقة الواقعة بين الجندل الأول وبين بطن الحجر إلى الجنوب مباشرةً منه يطلق عليها تسمية النوبة السفلى أو الشمالية. هنا يشكل نهر النيل وادياً ضيقاً بين تلال ومنحدرات صخرية شاهقة مُتشكلة من حجر رملي أحمر مع وجود رقع صغيرة من الأرض الصالحة للزراعة. أبعد إلى الجنوب، في الجزء المسمى النوبة العليا يتغير المنظر الطبيعي إلى مساحات مفتوحة كبيرة مع أرض مرويَّة تحدها الصحراء. فقط في منطقة الجنادل الثالث والرابع والخامس والسادس يصبح النيل ضيقاً مجدداً  ليتشكل منظر طبيعي أشبه إلى حد ما بأجزاء النوبة السفلى. وقد وصف إميل لودفيغ في كتابه "النيل : حياة نهر"، والذي ترجمه عادل زعيتر بأسلوبه النثري الرائع، منظر الجندل السادس (شلال السبلوقه):"واذا سرت من الخرطوم مرحلتين أو ثلاث مراحل؛ أي مسافة تسعين كيلو متر من مجرى النهر التحتاني؛ وجدت عرض النيل لا يزيد على خمسة وسبعين متراً وأبصرت عامودين من الحجر البركاني للدلالة على مدخل ضيق؛ وهذا هو مدخل الجندل؛ ويسميه الجغرافيون بالجندل السادس وذلك لأنهم عدوا الجنادل بادئين من مصر متوجهين إلى مجرى النهر الفوقاني؛ وأرانا مضطرين لمجاراتهم مع أن النهر يوصف كما توصف حياة الإنسان فلا يبدأ من خاتمتها"  لودفيغ

تتسع الأجزاء الجنوبية الأقصى للنوبة، السودان الأوسط، في الحزام الممطر مما يجعل السكان أقل اعتماداً على النيل وفيضانه السنوي. تسود هنا سافانا عشبية وتكثر أشجار السنط. بفعل هذه الاختلافات الجغرافية والمناخية كان تاريخ النوبة والسودان الأوسط مختلفاً عن تاريخ مصر. ففي حين كانت مصر متجانسة اثنيا وثقافياً على مدى آلاف السنوات؛ فإن أجزاء النوبة المختلفة استوعبت جماعات اثنية متنوعة في أزمان مختلفة. اليوم فإن الحد الجنوبي للجماعات الاثنية المتحدثة باللغة النوبية يقع بالقرب من الدبة في منتصف المسافة بين الجندلين الثالث والرابع. إلا أن هذه الجماعات كانت ممتدة في العصور الوسطى على طول وادي النيل من أسوان حتى الأطراف الشمالية للنيلين الأبيض والأزرق. 

إذا حاولنا العودة إلى مسألة تسمية "النوبة" فإنه يتضح عدم مطابقتها للواقع الفعلي التاريخي في الفترة الممتدة حتى القرن الخامس الميلادي. من ثمَّ نرى ضرورة التوقف لمناقشة هذه التسمية وتحديد المصطلحات بدقة أكثر. ففي نص يعود تاريخه إلى عصر سيادة الهكسوس في مصر ورد :" كيف لى أن أتحقق من سلطتي وهناك ملك يحكم في أفاريس وآخر في كوش وأظل أنا عاجز عن التصرف اذ يشاركني الحكم آسيوي وكوشي وكل منهما يمتلك جزءاً في مصر هذه". هكذا كانت كلمات كامس، آخر فراعنة الأسرة المصرية السابعة عشر، أمام حشدٍ من مستشاريه استعداداً لخوض معركة التحرير ضد الهكسوس. ويبدو أن كوش المشار اليها كانت دولة قوية فرضت على حاكم الهكسوس في أفاريس أن يسعى إلى ملكها طالباً المساندة والدعم له في حربه مع كامس. محتوى رسالة حاكم أفاريس الموجهة إلى حاكم كرمة رأي كامس أن يسجله في النقش الذى يحكى عن مآثره في الكرنك: "التقطت رسالة في جنوبي الواحات أثناء صعود حاملها إلى بلاد كوش واكتشفت أنه خطاب من ملك أفاريس بخط يده يقول فيه: عا اوسر رع أبيبى، ابن رع، يحى ابنه ملك كوش. لمَّ أعلنت نفسك ملكاً دون أن تحيطني علماً؟ وهل بلغك ما فعلته مصر معي؟ فالعاهل القائم عليها-كامس- فليوهب حياة وعمرا ! يشن الهجمات على ممتلكاتي رغم أنني لم أناصبه العداء. لقد عاملني كما عاملك  تماماً ! لقد وقع اختياره على بلدين لينشر فيهما الخراب… بلدي وبلدك. وعاث فيهما فساداً. هيا ! احضر لا تخف ! انه هنا في الوقت الراهن حيث يتعقبني. فلا أحد يترقبك في مصر. ولن أتركه يرحل قبل وصولك". عندئذ توقفت العمليات الحربية بمعنى الكلمة. وعاد كامس إلى عاصمته طيبة لينقش قصة مآثره وبطولاته دون أن يشير إلى إنجاز نصر. أفلا يجوز أنه اكتفي، على أكثر تقدير، بأن أمنَّ لنفسه طريق القوافل قاطعاً الطريق بين الدلتا في الشمال وكوش في الجنوب؟

هكذا فانه وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد، واحتمالاً في وقت أسبق، بدأت في التلاحم والتوحد المشيخات الكوشية إلى الجنوب من مصر O'Connor 1991 ، تلك العملية التى قدر لها على مدى ثمانمائة عام ليس فقط أن تحكم قبضتها على كل وادي النيل من البطانة جنوباً حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط شمالاً، بل وأن تدخل في تنافس مشهود مع الإمبراطورية الآشورية من أجل السيادة على سوريا وفلسطين على نحو ما سنبين لاحقاً (انظر الأسرة الكوشية الخامسة والعشرين).

لذلك يمكن القول بأن كوش ظهرت للمرة الأولى على مسرح السياسة الدولية تحديداً تحت هذا الاسم منذ نهاية النصف الأول للألفية الثانية قبل الميلاد. وقد أطلق ملوك نبتة ومروى على بلادهم اسم كوش وهو ما فعله كل من أسبالتا، وهورسيوتف، ونستاسن. ورغم أن اسم كوش قد استخدمه المصريون إلى جانب أسماء أخرى منذ عهد المملكة الوسطى، وعنهم استخدمه الآشوريون والفرس في مدوناتهم، بل وبهذا الاسم ذكرت البلاد في الكتاب المقدس، فانه وفي أزمان لاحقة صارت الكتابات المتخصصة، بفعل تقليد يعود إلى الإغريق والرومان بداية وإلى الكتاب العرب في القرون الوسطى لاحقاً، تلجأ إلى استخدام تسمية إثيوبيا أوالنوبة للدلالة على كوش. فإلى أي مدى يمكن عد التسميتين مطابقتين للواقع، وما هو المعنى المضمن في كل منهما؟

كما هو معروف فإنَّ أول ذكر لإثيوبيا نجده عند هوميروس. وهناك اتفاق أن هذه التسمية مشتقة من كلمتين إغريقيتين: ايثو بمعنى يحرق، واوبس بمعنى مظهر أو شكل، أي أن معناها يصبح ذو الشكل المحروق. بهذا المعنى وردت إثيوبيا عند هوميروس، أي أنها تسمية أطلقت على البلاد انطلاقاً من معيار لون البشرة، مثلها مثل التسمية العربية للبلاد بالسودان، وهو معيار أنثروبولوجي. أما بلينى الأكبر فقد ربط تسمية إثيوبيا بالبطل الأسطوري إيثوبس ابن الاله زيوس، وفي ذلك إشارة إلى أن بليني احتفظ في تفسيره بعلاقة التسمية بالنار ذلك أن البحث الدقيق يمكن أن يكشف عن علاقة من حيث الدلالة والمعنى بين الشمس والنار الأبدية والناس من ذوي البشرة السمراء. 

شملت المعالجات القديمة لمفهوم إثيوبيا كل من الهند، وكوش، كما شملت أفريقيا والمناطق الأخرى التى عاش فيها الزنوج أو البربر. لكنه معلوم أن احتكاك الإغريق للمرة الأولى مع من هم من ذوي البشرة السمراء كان من خلال التقائهم بالكوشيين وهو ما أدى إلى تثبيت تسمية إثيوبيا على كوش. مع ذلك فانه تمَّ لاحقاً، كما هو الحال في الكتاب الثالث لهيرودوت، التمييز بين إثيوبيتين أو ثلاث. وإذا كانت الحدود الشمالية لإثيوبيا عند معظم الكتاب الإغريق تقع عند أسوان فان حدودها الجنوبية ظلت مجهولة بالنسبة لهم. يقول سترابو في كتابه الجغرافيا "لا نستطيع أن نسمى لا حدود إثيوبيا ولا حدود ليبيا ولا حتى الحدود الفعلية للمناطق المتاخمة لمصر". ومن رواية سترابو عن حملة قمبيز إلى مروى، ومن وصف هيرودوت، وأعمال بطليموس وغيرها من أعمال المؤرخين والجغرافيين الهلنستيين فإن مملكة مروى بالإضافة إلى المناطق الأبعد إلى الجنوب منها شُملت جميعها تحت تسمية إثيوبيا النيلية. من هنا يجوز القول بأن إثيوبيا النيلية تطابقت مع كوش مع أن الإغريق والرومان ضموا إلى التسمية مناطق واقعة إلى الجنوب مثل أدوليس وأكسوم، لكن كان ذلك في وقت متأخر عندما ضعفت العلاقات مع مملكة مروى. 

فيما يخص علماء الدراسات المصرية القديمة فإنهم أشاروا حتى وقت قريب بإثيوبيا إلى المنطقة الواقعة إلى الجنوب من النوبة السفلى الحالية. إلا أن ذلك خلق نوعاً من البلبلة بحيث نجد الكثير من الكتابات التاريخية المعاصرة (بخاصة المصرية) تترجم إثيوبيا بالحبشة. هكذا نجد أن الكثير من الكتب المصرية عن تاريخ مصر القديم تتحدث عن الأسرة الخامسة والعشرين (الكوشية أو الإثيوبية) واصفة إياها بالحبشية. كما تطال البلبلة مفهوم إثيوبي الذى قد يشمل كل من هو أسمر البشرة في أي بلد يقع مابين شمال غرب أفريقيا والهند وهو العالم المعروف للإغريق والرومان حينها. حالياً فإن تسمية إثيوبيا تطلق على أبيسينيا (الحبشة الحالية)، ويعتقد بأن اسم أبيسينيا جاء بنطقه هذا من طريقة النطق الأوربية لتسمية حبشة أوحبيش أوحبشات وهو اسم لقبيلة عربية وصلت إلى المنطقة من اليمن في القرن السادس، ويطلق الأبيسينيون (الأحباش) على أنفسهم اسم الإثيوبيين. لازالت مسألة التمسك بهذه التسمية غامضة. في الغالب ما يكون ذلك مرتبط بتقليد قديم يصعب تحديده بثقة. معروف فقط أن الرهبان، السوريين في الغالب، الذين قاموا بترجمة الكتاب المقدس إلى لغة الجيوز قد طابقوا كوش بابيسينيا وترجموا كوش بإثيوبيا، أما الكتاب العرب فإنهم ميزوا بدقة بين النوبة (كوش) وأبيسينيا…هكذا كتب الادريسى"تجار هذه المنطقة، وأبيسينيا، ومصر".

أما تسمية النوبة التى تستخدم بكثرة أيضاً في الكتابات المتخصصة للدلالة على إثيوبيا النيلية (كوش) فانها تظهر في فترة متأخرة، ففي مقتطف من إراتسفين يقول أنه مأخوذ عن سترابو يرد للمرة الأولى اسم النوباى  [النوباويين] "جزء من الجانب الأيسر للنيل في ليبيا مأهول بقبيلة النوباويين الكبيرة الممتدة من مروى حتى انحناءة النيل. لا يخضع النوباويون للإثيوبيين لكنهم ينقسمون إلى عدة ممالك". إلا أن قول إراتسفين هذا يتناقض مع قول سترابو نفسه: "في الأجزاء الأخرى باتجاه الجنوب (يقصد من مصر) يعيش التروجلوديت، والبليميون، والنوباويون، والميجبارى. ويعيش الإثيوبيون إلى الجنوب من أسوان، وهؤلاء مراحيل". 

اللافت للانتباه أنه في الحالتين إراتسفين وسترابو يوضع النوباويون بمواجهة الإثيوبيين، أي الكوشيين. تتوافق المعلومات المعروفة لبلينى عن النوباويين، والتى أخذها عن أجاثارخيد، مع معلومات سترابو. بهذا يمكن القول بأن النوباويين قد شغلوا المنطقة الواقعة إلى الغرب من النيل حتى انحناءة النيل الكبرى عند الدبة، وهى منطقة تتوافق حالياً مع إقليم الدناقلة الناطقين باللغة النوبية (اللهجة الدنقلاوية). في الوقت الراهن يطلق اسم النوبا على سكان جبال جنوب كردفان الذين يمثلون خليطاً من المجموعات الاثنية تغلب عليها الزنجوية ويتحدثون بلغات مختلفة. في أواسط القرن الثالث الميلادي شغل النوباى، وفق ما سجله بطليموس، الضفة الغربيَّة للنيل وجزره. في الغالب ما يعنيه بطليموس هو منطقة ممتدة من كردفان حتى النوبة السفلى الحالية. ومن إشارات أوردها بروكوبيوس نعرف أن الإمبراطور دوكليتيان استدعى في عام  292 م. النوباديين الذين يعيشون، حسب بروكوبيوس، في الواحة الخارجة وذلك للدفاع عن حدود مصر الجنوبية، وجعلهم يعيشون في الدوديكاسخيونس (الإقليم الثاني عشر لمصر الرومانية). إلا أنإشارات بروكوبيوس أثارت قدراً من التشكك لدى الباحثين الذين أشاروا إلى أن النوباديين قد ورَّد ذكرهم للمرة الأولى في بردية يعود تاريخها إلى عهد فيودوسيا الثاني 425-450 م. وكان ذلك في شكل أنوباديين. ويصف مونير دى فيلارد النوباديين بأنهم جماعة غير كبيرة من البربر من ذوى الأصول الليبية استقروا في النوبة وفقدوا لغتهم الأصلية. إلا أن هناك الكثير من الاعتراضات على مثل تلك الفرضية. فانطلاقاً من معطيات اللغة طرح كل من تسيلارز وهيللسون رأياً يقول بأن النوباديين قدموا من كردفان، واستقر الجزء الأساسي من قبائل النوبا الذين يؤلف النوباديون فرعاً منها هناك حتى القرن الميلادي الرابع حين اجتاحوا العاصمة مروى وتوغلوا جنوباً إلى منطقة الجزيرة، ومن ثم يطابق تسيلارز وهيللسون هؤلاء بالنوبة الزرق الذين أشار اليهم نص عيزانا، إلا أن آركل يرى أن النوباديين (النوباتيين) اسم مشتق من التسمية الجغرافية "نبتة" التى سماها بليني ناباتا.

ويعتقد آركل أن تسمية النوبة إنما تمثل اسماً قبلياً مثلها مثل أسماء أخرى في السودان الحالي: البرتى، والبرتا، والبورجو الخ. تأصلت عن الكلمة النوبية التى تعنى "عبيد"، ويرى أيضاً احتمال أن تكون كلمة نبو المصرية القديمة الدالة على الذهب مرتبطة بتسمية النوبا الذين تحصل المصريون منهم على الذهب للمرة الأولى ومن ثم عدوا من يجلبه لهم عبيداً. إلا أنَّ هذه الفرضية تواجه الكثير من الاعتراضات وذلك لثلاثة أسباب: الأول أن المصريين كانوا قد تعرفوا على الذهب بفترة طويلة سابقة لعصر المملكة المصرية الوسطى، فمنذ عصر المملكة المبكرة تورد النصوص كلمة "نبو" 1963 Kaplony وثانياً فإن تسمية البلاد أو سكانها بالنوبة في الوثائق المصرية لا تقابلنا إطلاقا. كما أشرنا فإن المرة الأولى التى وردت فيها التسمية تعود للقرن الثالث ق.م. مع ملاحظة أن ذلك ورد في أعمال الكاتب الإغريقي. ثالثاً، فإن اللغة المرَّوية المكتوبة نفسها، كما يعترف بذلك آركل نفسه Arkell1961 لم تكن نوبية؛ بالتالي، يستبعد أن تكون التسمية ترجع إلى عصر المملكة الوسطى. كما وتسقط أيضاً الحجة، التى يمكنها أن تدعم فرضيته- أنهم الأحفاد المباشرين لأهل المجموعة الثالثة. 

هناك محاولات أخرى لتفسير أصل تسمية البلاد بـ "النوبة". ذلك عن طريق ربط الكلمة بالفعل المصري "نبد" والذي يعني " ضفر"  "جدل" Erman and Grapow، والذي يظهر للمرة الأولى فقط في اللغة المصرية الحديثة (في القبطية نويبت). في مسلة تحتمس الأول من العام الثاني لحكمه، والتي تتحدث عن انتصارات الملك جاء "وحد (حرفياً جمع) هو الحدود من جانبيها الاثنين، ولم يتبق أي من ذوى الشعور المضفورة" Urkunden . في تلك الأسطر ذاتها سميوا بـ نحسي، وسمي قائدهم بـ "زعيم ستيو"، أي، كما أسمى المصريون سكان كوش. بقدر ما قد يغوينا مثل هذا التفسير إلا انه يستحسن انتظار بينة تثبت أننا نواجه نطقاً صدفياً. نادراً ما استخدم المصريون هذا المصطلح بالنسبة لجيرانهم الجنوبيين، وأن تسمية "النوبة"، كما أشرنا، تظهر في وقت متأخر أكثر.

على كل فان أول ذكر لبلاد النوبة نجده في أعمال الكتاب العرب. يحتمل أن يكون أولئك الكتاب قد استخدموا الصفة المصرية الشائعة في تلك الفترة للدلالة على المنطقة الواقعة إلى الجنوب من أسوان. فكما أشرنا فانه منذ بداية العصر الهلنستى، إن لم يك في وقت أسبق، عاش في إقليم دنقلا النوبا، ومنذ القرن الثالث الميلادي النوباديون...هذا إذا ما كان النوبا والنوباديون مجموعتين اثنتين مختلفتين. أشار الكاتب ابن سليم الأسواني الذى حُفظ جزء من كتابه في "الخطط المقريزية" إلى أنه وفي أزمانه سُميت المنطقة الواقعة على مجرى النيل بين انحناءته الكبرى عند الجندل الخامس ومصر بالنوبة. وبهذا يكون الأسواني، لا الادريسي، كما اعتقد البعض، الأول من بين الجغرافيين العرب الذى استخدم تسمية النوبة وحدد بدقة المناطق الداخلة في تركيبها.

من ثم يجوز التأكيد على أن تسمية النوبة تظهر للمرة الأولى فقط في العصور الوسطى، وتمَّ اشتقاقها في الغالب الأعظم من قبائل النوبا أو النوباديين، الذين وصلت أول إشارة عنهم في القرن الثالث الميلادي. بهذا فإن استخدام تسمية النوبة بدلاً عن كوش لا يتطابق مع الواقع التاريخي، بالإضافة إلى أنه يثير بلبلة فيما يتعلق بالحدود الجغرافية ذلك أنه لم يتم إطلاقا إدخال البطانة في مفهوم النوبة. بالتالي فإن تطبيق اسم النوبة على أزمان مملكة مروى غير صحيح إطلاقاً. إنه حتى في أزمان الادريسي، حين أصبحت تسمية النوبة تفهم بمعنى أكثر اتساعا، فإنها كانت تشمل فقط شمال السودان حتى الجندل السادس جنوباً بمجرى النيل وهو ما يعنى استبعاد الصحراء على ضفتيه والجزيرة المروية (البطانة). 

اقترح دنهام منذ عام 1946 الرجوع إلى استخدام تسمية كوش للدلالة على إثيوبيا النيلية وذلك استبعادا لسؤ الفهم والبلبلة. وكانت شعوب الشرق الأوسط قد أخذت التسمية عن المصريين كما ألمحنا. ففي مكاتبات تل العمارنة ورد الاسم كاشي وكاشا وفي حالات كوش. وقد أسمى الآشوريون مملكة كوش التى خاضوا ضدها حرباً ضروساً "مانتو كوشي"، وورد ذكرها في الكتاب المقدس باسم "كاش". وفي نقوش ملك أكسوم عيزانا تم التمييز بين الكاسو والنوبا. يحتمل أن يكون عيزانا يشير بالكاسو إلى السكان المستقرين في البطانة. وبانتهاء مملكة مروى أخذ اسم كوش في الإندثار ولم يعد يستخدم إلا في كردفان ودارفور. برغم ذلك نجد إصراراً في الكتابات المعاصرة على استخدام اسمي إثيوبيا والنوبة بديلاً عن كوش، وهما اسمان تعرف عليهما الكتاب الأوربيون منذ أزمان سابقة من أعمال الكتاب الإغريق والرومان ومن الكتاب العرب.

يجدر التنويه إلى أن المصريين القدماء استخدموا عدداً من الأسماء التى أطلقها الملوك الكوشيون أنفسهم على بلادهم. على سبيل المثال تسمية "تا سيتي" (أرض السهام) التى استخدمت بداية للدلالة على إقليم محدد من الأطراف الشمالية لكوش. من ثم انتشرت التسمية لتشمل القطر بأكمله. أيضاً استخدمت تسمية "الواوات" للدلالة على الأطراف الشمالية لكوش إلى جانب استخدام تسمية "تا نحسي" للدلالة على كوش ككل، وكلمة "نحسي" للإشارة إلى كافة الشعوب التى تعيش إلى الجنوب من مصر.

Monday, October 1, 2012

كلمة وفاء لا رثاء (وقفة لرجل يستحق) الدكتور الراحل خضر عبد الكريم


إنما   الدنيا  فناء - ليس للدنيا  ثـبـوت -- إنما  الدنيا  كبيت  - نسجته  العنكبوت
-- و لعمري عن قليل - كل من فيها يموت.
وقيل:  لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
     هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان 
   و هذه الدار لا تبقى على احد ولا يدوم على حال لها شان
في بدايات شهر أبريل من هذا العام  رحل عن دنيا علم الآثار الفانية العالم الثبت النحرير الدكتور/ خضر عبد الكريم أحمد بعد ان ملأ صرير قلمه مسامع الزمان ، وسار صيته فى كل صقع وواد، مثل رحيله أفول نجم كان ساطعاَ، غياب أُفقاً رحباً، واختفاء قمة سامقة، ورحيل شخصية فذّة نادرة. فقد السودان والعالم الأوربي آثاري يعتبر بلا جدال موسوعة علم الآثار السودانية والدراسات الإفريقية. 
*** لم نأتي في هذه المساحة لنعدد مناقبه ونرثيه بما لا يتوافق مع سعة المكان وإنما نعي وكلمة وفاء.
نشأ وترعرع الراحل المقيم بمدينة كوستي وتخرج في جامعة الخرطوم – قسم الآثار في سبعينات القرن المنصرم وهو أول من نال درجة الماجستير في الآثار من جامعة الخرطوم، ثم التحق بجامعة كامبرج في انجلترا ونال منها درجة الدكتوراة في الدراسات المروية وراود مكانه في التدريس بقسم الآثار جامعة الخرطوم وكان رئيساً له في العام 1987م – درس في عدد من الجامعات الأوربية مثل جامعة همبولدت الالمانية وبجامعة شندي وأسس قسم الآثار جامعة النيلين في العام 2007م.
كانت وما زالت أبحاثه العلمية هي الرائدة في الدراسات المروية لا سيما رسالته للدكتوراة لم يكتب مقال الا وكانت أول المراجع به، بل كانت فرضياته ونظرياته هي الأساس الذي بنيت عليه العديد من مشاريع الحفريات المروية، وكانت سبباً في جلب الكثير من بعثات التنقيب الآثاري.
 رحم الله روحة الطيبة كان معلماً عندما درسني بشندي 2005م ومرشداً عندما عملت معه 2011م بالنيلين ومدرساً في شتى ضروب المعرفة ومتعمقاً في علم الآثار وكان أنموذجاً للبساطة والعصامية وعدم الحياد.


مواقع الكترونية للطلاب --- روابط

مجلة Archaeology الأمريكية :-  مجلة مصورة مفيدة تنشر مقالات أثرية متنوعة، تنشر بها موضوعات عن الآثار. ومن خلال هذا الموقع يمكن الإطلاع على أعدادها بشكل مباشر.
http://www.archaeology.org/



مجلة Current Archaeology :-  مجلة مفيدة في مجال الآثار بصورة عامة.
http://www.archaeology.co.uk/

مجلة إلكترونية أسمها Internet Archaeology نشرت على الإنترنت منذ عام 1996، بها موضوعات عامة في الآثار.
http://www.intarch.ac.uk/

جمعية علم الآثار الأمريكية.
http://www.saa.org/

أفلام وثائقية بالصوت والصورة عن المواقع الأثرية في العالم.
http://www.archaeologychannel.org/

مجلة علم الآثار الرومانية (JRA) يمكن من خلال هذا الموقع الإطلاع على أعدادها ومحتويات كل عدد وجزء من الدراسات التي تنشر بها.
http://www.journalofromanarch.com/



المتحف الإغريقي الروماني في الإسكندرية.
http://www.grm.gov.eg/

موقع مهم عن الآثار الإسلامية في مصر لاسيما آثار مدينة القاهرة في العصر الإسلامي.
http://www.cim.gov/



موقع مهم للإطلاع على الخزف الإسلامي (صور وشروح)
http://www.cim.gov.eg/

المتحف القبطي في مصر.
http://www.copticmuseum.gov.eg/

شبكة المخطوطات العربية، هناك 54،000 مخطوط عربي متاح على هذا الموقع.
http://www.manu******s.gov.eg/



موقع مهم جدا في داخله الكثير من المواقع التي تختص بجميع أنواع الآثار مثل موقع الآثار والعمارة وموقع لفائف البحر الميت وموقع عن التاريخ بالكربون المشع.
www.educationindex.com/archeol



موقع يهتم بتقنية GIS والخرائط التي تستخدم في علم الآثار.
www.esri.com/industries/archaeology

موقع خاص بطريقة التأريخ بالكربون 14  المشع.
http://www.c14dating.com/


موقع يهتم بالآثار الغارقة في البحر وطريقة الكشف عنها وأهم المكتشفات.
http://www.culture.gouv.fr/

http://www.pophaus.com/

موقع يمكن من خلاله تتبع أخبار الآثار والإكتشافات الأثرية.
http://www.archaeologytoday.net/

موقع يهتم بالكشف عن الآثار ويحوي مواقع مفيدة عن المتاحف، وعن طريقة الإستشعار عن بعد واستعمالها في الكشف عن المواقع الأثرية، وموقع مفيد في الكشف عن الآثار الغارقة وعن استعمال الحاسوب في علم الآثار.
http://www.discoveringarchaeology.com/

موقع مختص باستعمال تقنية الأستشعار عن بعد بواسطة الأقمار الصناعية واستعمالها في الكشف عن المواقع الأثرية.
www.weather.msfs.nasa.gov/archaeology

موقع يهتم بعلم الآثار الأغريقية؛ يوجد داخله أخبار التنقيب عن الآثار والقوانين الأثرية والمعاهد والجامعات التي تعني بعلم الآثار الأغريقي.
http://www.archeodroit.net/

موقع مختص بالتنقيب عن الآثار ويوجد داخله مواقع مفيدة عن التنقيب ويمكن طرح الأسئلة على المختصين من خلاله.
http://www.archaeologyfieldwork.com/

موقع مفيد يختص بآثار حضارات المشرق العربي.
http://www.asor.org/

موقع متحف الشارقة للآثار وهو موقع يقدم معلومات أثرية مفيدة.
http://www.archaeology.gov.ae/

موقع مصر الخالدة. يقدم معلومات عن مفهوم علم الآثار وتاريخ علم آثار المصريات. كما يصف المواقع الأثرية في مصر وبه مقالات في الآثار والحياة المصرية القديمة وعن المتاحف المصرية ومعروضاتها.
http://www.eternalegypt.org/

موقع الموسوعة الحرة Wikipedia. بهذا الموقع معلومات مفيدة تخص مدخل إلى علم الآثار منها تاريخ علم الآثار وطرقه ونشأته ومصادره.
http://www.ar.wikipedia.org/

موقع علم الآثار الشامي (نسبة لبلاد الشام)، موقع علم آثار الشرق الأدنى، يهتم بالتلال الأثرية والتنقيب عنها، كما يهتم بإبراز التقنيات المستخدمة في الكشف عن الآثار مثل المغناطيسية الأرضية وتصوير الآبار.
http://www.eastern-atlas.de/

موقع عام عن ليبيا به بعض المواقع الأثرية والمدن الأثرية في ليبيا.
http://www.libyaninvestment.com/

موقع متحف البحرين الوطني.
http://www.bnmuseum.com/

موقع إبن مريم عن المسيح الحق، مقالات ودراسات عن المسيحية.
http://www.ebnmaryam.com/

موقع يضم مجموعة من المواقع التي تخص الخط العربي والفن الإسلامي وآثار القاهرة الإسلامية والزخارف الإسلامية.
http://www.qassimy.com/

موقع مميز ومهم يعرض مايخص العمارة والفنون الإسلامية باللغة الإنجليزية يركز على العمارة، الخط العربي، العملة الإسلامية، السجاد الشرقي.
http://www.islamicart.com/

مقال عن مقامات الحريري وتصويرها.
http://www.iraqiartist.com/

مقال عن الزخرفة والخط العربي.
http://www.e-resaneh.com/

موقع يعّرف بالفن الإسلامي والعمارة الإسلامية بصورة بسيطة.
http://www.khayma.com/

موقع مفيد في الحضارة الإسلامية والتاريخ والعمارة الإسلامية ومزود بالخرائط والصور.
http://www.islamichistory.net/

موقع مفيد فيه تعريف بالكثير من المواقع الأثرية على الشبكة تخص الآثار في المنطقة العربية، ومواقع مجلات ودراسات عن الآثار.
http://www.assr.org/

أركماني، مجلة الآثار والإنثربيولوجية السودانية. يوجد بداخل هذا الموقع ملخص كتاب علم الآثار الأفريقي الذي ترجمه د. أسامة النور.

به مواقع مفيدة عن آثار السودان من حيث المواقع والمجلات وعرض الكتب والتقارير التي تخص آثار السودان.

به ملخص كتاب "استخدام التناظر الوظيفي والقياس في علم الآثار" الذي ترجمه د. أسامة النور
http://www.arkamani.org/

من المواقع المفيدة في مجال الآثار الكلاسيكية ويعد اشهر مواقع الاثار على النت يمكن البحث فيه والأستفادة منه ،ويحوي داخله مجموعه قيمة من المصادر الكلاسيكية مترجمة الى الإنجليزية ،وهو مربوطبمواقع كلاسيكية اخرى
http://www.persus.tufts.edu/.

موقع مفيد عن المتاحف يعرض محتويات منتقأة (صور) لاكثر من 30 متحفاً موزعة بين قارات العالم .ويمكن من خلاله الدخول الى أشهر مواقع المتاحف العالم والتجول بين بعض معروضاتها ومعرفة معلومات تخص كل متحف
http://www.insecula.com/

موقع المتحف البريطاني
http://www.the/ britishmuseum.ac.uk

موقع المتحف الأشمولي بجامعة أكسفورد في بريطانيا
http://www.ashmol.ox.ac.uk/

دليل المتاحف الأوربية ،يحتوي على قائمة مفصلة بالمتاحف الأثرية في كل دولة ويمكن من خلاله الولوج الى اي متحف
http://www.european/ museum guide.com

اشهر المواقع على النت يخص العملة الكلاسيكية ( الأغريقية / الرومانية /البيزنطية )
http://www.wild/ wind.com

موقع متحف الفنون الجميلة /بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية
http://mfa.org/

موقع متحف اثينا الوطني
http://www.culture.gr/

موقع متحف البرفسور(u re) لعلم الآثار الأغريقي وهو تابعاً لجامعة Reading في بريطانيا 
http://www.rdg.ac.uk/

موقع متحف حامعة مانشيستر
http://www.museum.man.ac.uk/

من أشهر المواقع التي تبحث في مجال الآثار ، وقد قسم من الداخل الى عدة أقسام منها مايختص بالآثار المصرية وآثار الشرق الأدنى ، منطقة بحر ايجه، الآثار الكلاسيكية ،العصور الوسطى ، علم الآثار ، العملة القديمة ، المتاحف ، الجامعات التي لها علاقة بعلم الآثار وكذلك قائمة بالمراجع الأثرية .
http://www.ancientworld.com/

موقع يشم الكثير من المواقع التي تتحدث عن ليبيا
http://www.liii.com/

موقع غني جداً بالمواقع الأثرية في العالم وقدقسم من الداخل وفقاً للحضارات التاريخية ، وكل حضارة يعرض اشهر المواقع المرتبطة بها على الويب
http://faculty.***er.edu/

موقع مفيد عن الآثار المنهوبة
http://www.artloss.com/

موقع مفيد عن الآثار المنهوبة
http://www.saztv.com/

اشهر مواقع النت يخص الفخار الأغريقي
http://www.beazley.ox.ac.uk/

قاعدة بيانات عن الفخار من الناحية الآثرية ،يهتم بدراسة أنواع الفخار وتحليله بالوسائل العلمية
http://venus.unive.it/

عن مصادر الفخار الأغريقي وموضوعاته وكل مايختص به
http://www.ncl.ac.uk/

البوم صور عن منحوتات المتحف البريطاني (بعضها عن ليبيا )
http://icon.stoa.org/

موقع قسم الأثار الكلاسيكية بجامعة ويلز لامبيتير وهو موقع مفيد عن الأثار الرومانية متنوعة على سبيل المثال التوابيت والمصابيح
http://iamp.ac.uk/

موقع عن تماثيل الطين المشوي (التيراكوتا) وغيرها من الموضوعات الأثرية
http://gaulois.org/

موقع البعثة الإيطالية في شحات (جامعة كييتي)
http://www.archeologialcirenaice.it/



موقع البعثة البولنديه في طلميثة
http://www.archeo.uw.edw/

موقع المنظمة العالمية للمتاحف (الأيكوم)
http:/Icom.museum

موقع يعرض قائمة بمواقع متاحف العالم
http://sunsite.wits.ac/

ملخص كتاب الأحجار المزخرفة في المساجد والمباني الإسلامية في مصر قبل العصر العثماني
http://rubens.ann.edu.au/

موقع جمعية الدراسات الليبية في لندن ومجلتها (Libyan Studiy)
http://www.britac.ac.uk/

موقع حفريات مدينة لبدة الأثرية (اشراف حافظ الولدة)
http://www.alnpete.co.uk/

نقوش من المتحف الوطني في المملكة العربية السعودية.

موقع عن نشأة الخط العربي وتطوره مع نماذج من النقوش القديمة.
www.mnh.si.edu/epigraphy/index.htm

وهذه المواقع جميعها توجد بهذا الرابط
http://garyounis.edu/arts/archaeology/sites.html






مواقع أخرى



http://www.icomos.org/


http://www.international.icomos.org/


www.unesco.org/


www.natmus.min.dk/cons/icom_cc/


www.ovpm.org/


www.conservare.be/index.htm


www.eur-heritage.com/index.htm


http://www.heritageconservation.net/


http://www.museum-security.org/


http://www.bafra.org.uk/


http://www.lib.msu.edu/


http://www.nmmonuments.org/


http://www.museumsusa.org/


http://www.artistsonline.biz/


http://www.aarestoration.com/


http://www.antiqueconservation.co.uk/


http://www.conservationsolution.com/


http://www.restorationproduct.com/


http://www.traditional-building.com/


http://www.archaeology.org/


http://www.silversmithing.com/


http://www.website1.com/


http://www.sturgeconservation.co.uk/


http://www.international.icomos.org/

موجز عن حفريات موقع قلعة شنان

الموقع الجغرافي لقلعة شنان:-
يقع موقع قلعة شنان بحوالي 176 كلم شمال الخرطوم وجنوب غرب مدينة شندي بحوالي 1,5 كلم ويبعد ما بين 500 – 800 متر شرق النيل. (خارطة رقم 1). وهو يقع في منطقة بالقرب من نشاطات البعثة الفرنسية التي عملت في منطقة التراجمة بحوالي 8 كلم شمال شندي والتي أسفرت حفرياتها عن جبانة للعصر الحجري الحديث تعتبر من أميز الدلائل الأثرية على طبيعة الدفن والمحتوى الجنائزي لإنسان العصر الحجري الحديث في اقليم النيل الأوسط، إذ حوت تنوعاً في المدافن من ناحية وضعية دفن الراشدين على الشكل القرفصائي ودفن الأطفال داخل جرار فخارية. (Geus. 1984:32) وامتدت أعمال البعثة الفرنسية  لتكشف عن موقع الغابة وسدير والشقالوة وقندتو في ما يمكن أن نسميه منطقة شندي. (خريطة رقم 1) إضافة إلي ذلك فقد كشفت أعمال جامعة ميثودست الجنوبية وجامعة الخرطوم عن مستوطنات للعصر الحجري الحديث في البطانة الغربية حول موقع شق الدود الذي يقع إلي الجنوب الشرقي من موقع قلعة شنان بحوالي (37) كلم. (Marks and Mohammed-Ali.1985:45) وفي غضون تلك النشاطات أسفرت أعمال الباحث خضر عبد الكريم في الكشف عن مستوطنة لهذا العصر غرب النيل في موقع قوز برة. (Ahmed.1984:127) علاوة على ذلك أثمرت حفريات جامعة الخرطوم في العثور على مستوطنة للعصر الحجري الحديث في موقع الصور بالقرب من مروي القديمة. (Sadig.2005) حيث ماثلت مقتنياتها الأثرية موقع الكدادة من خلال دفن الأطفال داخل الجرار بجانب بقايا الاستيطان البشري في موقع واحد، وقد اذدادت المسوحات الأثرية حول منطقة شندي في الأونة الأخيرة حيث تم الكشف عن مستوطنات لهذا العصر بعيداً عن النيل بحوالي 50 كلم إلي الشرق من شندي حول منطقة الباطن في موقع بئر بكوري، جق اللبيت وقليع زمزم. (نصر.126:2011).

كل هذا يقود إلي أن موقع قلعة شنان يتوسط مراكز للفترة التي تسمى بالعصر الحجري الحديث والتي استمرت منذ الألفية السادسة قبل الميلاد وحتى الألفية الثالثة قبل الميلاد، متنوعة هذه المستوطنات من ناحية الحجم والوضعية الجغرافية، مما يشير إلي تباين ثقافاتها الأثرية، ذلك الأمر الذي عكسته نوعية وكمية المحتوى الأثري في كل موقع. ومن خلال التقصي حول نتائج دراسات تلك المواقع يتضح أن موقع قلعة شنان ينفرد عنها بمميزات خاصة تندرج في الآتي:
1-  تدل الوضعية الجغرافية لموقع قلعة شنان على وفرة الموارد الطبيعة خلال حقبة الهولوسين والتي مهدت سبل العيش لإنسان العصر الحجري الحديث، مما انعكس على حجم المستوطنة، إذ يشغل الموقع مساحة تقدر بحوالي (600) متر من الجنوب إلي الشمال وحوالي(400) متر من الغرب إلي الشرق، وهذا ما لم نلاحظه في مواقع العصر الحجري الحديث على النيل في منطقة شندي، حيث يظهر موقع قلعة شنان عبارة عن مرتفع يرتكز على ضفة النيل اليمنى تفصل بينه وبين النيل سهول زراعيه منبسطة ويتكون من ثلاث تلال (كوم أ ، كوم ب ، كوم ج) وتقود وضعيتها الجغرافية إلي أن هذا الموقع من نوع الاستيطان الدائم الذي يخلف بقايا أثرية على مساحة كبيرة أو أنها مستوطنات قامت بالقرب من بعضها البعض في مساحة واحدة، غير أن التجانس في اللقي الأثرية بين وحدات الموقع يشير إلي ظهورها في أزمان متعاصرة، وقد سكنتها شعوب ذات ثقافات متشابهة. (شكل رقم 1).
2-  أسفرت الحفريات الأثرية في موقع قلعة شنان عن عمق طبقي فريد ما بين (100 – 130) سم لا يوجد له مثيل في منطقة شندي عدا موقع شق الدود الذي بلغ حوالي 3 أمتار في منطقة البطانة الغربية. (Mohammed-Ali.1991:75) وهذا ما يشير إلي طول فترة الاستيطان في الموقع من خلال تباين المحتوى الأثري لتلك الطبقات وتراصفها طويل المدى، حيث يشير المنظر الطبيعي لبعض وحدات الموقع وكأنها أكوام من خلال ارتفاع التلال الذي بلغ حوالي 378 متر عن مستوى سطح البحر وما بين (3 – 5) أمتار عن محيطها، وهذا دليل واضح على كثافة اللقي الأثرية التي شكلت تلال من البقايا المادية وتوحي بعمق طبقي طويل للتراكمات الأثرية.
3-  يعكس المنظر الطبيعي في منطقة شندي مدى ارتفاع موقع قلعة شنان عن محيطه، إذ يظهر أعلى المواقع ارتفاعاً ويقع على حافة مصب وادي أم جقيمة الذي ينصف شندي القديمة من الشرق إلي الغرب ليصب في النيل، وهذا دليل على خصوصية الموقع الجغرافية بالقرب من النيل، على حافة وادي مع ارتفاعه وتوسطه للسهول المنبسطة، مما يشير إلي عاملي الجغرافية والطبيعة ودورهما في اختيار إنسان العصر الحجري الحديث لقعلة شنان، وفي غضون اعتماد علم الآثار على مسألة تداخل العلوم والاستفادة من علمي الجغرافيا والبيئة في تفسير الدلائل الأثرية، يصبح لدينا معطيات مادية بالدراسة المتعمقة ستتمخض عنها نتائج علمية لصياغة الخلفية الثقافية – الاقتصادية والاجتماعية لمستوطنة العصر الحجري الحديث في قلعة شنان. (شكل رقم 1).
تاريخ العمل الآثاري في الموقع:-
على الرغم من خصوصية الموقع الجغرافي لقعلة شنان، في منطقة نشطت فيها الأعمال الآثارية، لم تقم فيع أعمال مسوحات أو حفريات ولم يأتي ذكره بصورة رسمية، فقط كانت اشارات لوجود انتشار لبقايا آثار العصر الحجري الحديث في منطقة شندي، والتي ذكرتها أعمال آركل 1940م وفرانسيس جيوس وادوارد وفيركوتيه وميشيل بود (Geus.1984 – Edwards.1989 Boud.2008 and Vercoutter 1962) .
وقد اكتشف الموقع رسمياً من خلال مسوحات الهيئة العامة للآثار والمتاحف مع جامعة شندي في العام 1999م وتم اختباره في العام 2000م. (Alsadig.2004:13). وجرت الحفريات بصورة مستمرة من الأعوام (2000 – 2009م) على يد الأستاذ الراحل صلاح عمر الصادق، بغرض تدريب طلاب السنة الرابعة من قسم الآثار والمتاحف على عمليات التنقيب الآثاري، والتي أسفرت عن مخلفات أثرية لفترة العصر الحجري الحديث في موقع قلعة شنان. وقد درجت الأعمال الآثارية على تقسيم الموقع إلي وحدات أثرية وفق الطبوغرافية وذلك لكبر حجم الموقع وتنوع ملتقاطته السطحية، فسمي الجزء الشمالي من الموقع (الكوم أ) ويشغل مساحة تمتد من سوق القش (شندي القديمة) حتى خور أم جقيمة ويضم موقع بيت شنان وكوم مرتفع على ضفة الخور اليسرى، وسميت المنطقة الجنوبية بالكوم (ب) وهو ذلك المرتفع الذي يرتكز على حافة السهول الزراعية مع مباني البحوث الزراعية ويفصله عن الكوم (أ) فرع من خور أم جقيمة، أما بقية الموقع سمي الكوم (ج) وهي المساحة التي تمتد شرق مباني البحوث الزراعية وسط مربع (8) من الشمال إلي الجنوب. (أنظر الصورة الجوية شكل رقم 1).
جرت الحفريات الأولى على اختبار الكوم (ب) وقد كشفت عن طبقات استيطانية لفترة العصر الحجري الحديث مع العثور على دفنات لهذه الفترة، تميزت وضعية الدفن بالشكل القرفصائي مع الأثاث الجنائزي الذي تكون من الأدوات الحجرية وشقف الفخار، حيث وجد المتوفى وعلى ذراعه سوار من صخر القاشاني وقد ماثلت وضعية الدفن تلك الدفنات التي وجدت في موقع الكدرو. (Krzyzaniak.1992:268).
ومن ثم تركزت الحفريات من موسم 2001م حتى موسم 2009م في الكوم (ج) وقد حفرت حوالي (18) مربع في الجزء الشمالي الغربي من الكوم، وتمثلت البقايا المادية في مستويات متباينة من تراكم مخلفات الاستيطان البشري المماثل لمخلفات العصر الحجري الحديث، حيث أبدت بعض اللقى الأثرية تشابهاً مع تلك الثقافة المادية للعصر الحجري الحديث في اقليم الخرطوم. (Mohammed-Ali.1982:83) وأكثر تطابقاً بمخلفات الفترة المبكرة من العصر الحجري الحديث وفق تقسيمات كريزي زانياك للعصر الحجري الحديث من خلال حفرياته في موقع الكدرو. (Krzyzaniak.1992:162).
واستمرت الحفريات في المواسم (2010 – 2011 A – 2011 B – 2012م) في نفس الكوم (ج) على يد الكاتب مع الأستاذ عبد المنعم أحمد عبد المنعم رئيس القسم، على نهج اختبار الموقع بحفر مربعات في أواسط وأطراف الكوم (ج) وقد بلغت مربعات الحفر حوالي (12) مربع مع أن (موسم 2012م) تركز على اختبار الكوم (أ) بمربع واحد كشف عن دفنة لربما تعود لبدايات العصر الإسلامي وتم تخطيط الكوم (ب) في هذا الموسم مع حفر مربع واحد كشف عن مدفن يعود للعصر الحجري الحديث من خلال وضعية دفن المتوفي والأثاث الجنائزي الذي اشتمل على خرز مصنوع من الصدف أبيض اللون، ومن ثم درج منهجية موسم 2012م على حفر ثلاث مربعات أسفرت عن عن وجود تباين في مدافن العصر الحجري الحديث المتأخر في الموقع ما بين مدافن الراشدين بدون أثاث جنائزي وراشدين تكون أثاثهم الجنائزي من آنية واحدة، وفي الجانب الآخر عدد أربع دفنات لأطفال اختلفت في الوضعية وكمية الأثاث الجنائزي مع التجانس في نوعية الأثاث الجنائزي.
خرجت تلك الحفريات بسلسلة من البقايا الأثرية لفترة العصر الحجري الحديث، ظهرت في شكل ست مستويات استيطانية متراكمة وفق قانون التراكم الطبقي، إذ وجدت الطبقات الوسطى أكثر تشابهاً بمخلفات الفترة المتأخرة من العصر الحجري الحديث تلك الفترة التي ظهرت أدلتها في موقعي الكدادة والصور. (Geus.1984:32).
جدير بالذكر أن تلك الطبقات تعلوها طبقة استيطانية (نعتبرها هنا المستويات العليا) تظهر عليها بقايا جرار وأساسات مباني من الطوب الأخضر أقرب إلي أن تكون تابعة لمستوطنات ما قبل العهد التركي المصري في السودان، وفي المقابل وجدت الطبقات السفلى ذات بقايا استيطانية أعمق زمنياً، إذ أظهرت تشابهاً بالفترة المبكرة للعصر االحجري الحديث، تلك الفترة التي ظهرت أدلتها في موقع الغابة وموقع شق الدود. (Marks.1991:43)، علاوة على ذلك احتوت هذه الطبقات السفلى على بعض الدفنات ذات الوضعية الشبيهة بدفنات الكوم (ب) مع الاختلاف في العمق والأثاث الجنائزي، إذ وجدت الأولى في موسم 2010م في عمق 130 سم والثانية وجدت في موسم 2011 B في عمق 90 سم وهناك اختلاف في شقف الفخار التي وجد في الدفنتين مصاحبة للمتوفى، إضافة إي ذلك أظهرت أعمال الحفر عن كم هائل من المخلفات الأثرية طيلة مواسم الحفر تمثلت في شقف الفخار وبعض الأواني الفخارية المكتملة مع كمية من الصناعات الحجرية المختلفة من ناحية الحجم ودرجات الكشط والتلميع، والعديد من أدوات الزينة مثل الخرز المتعدد الألوان والأشكال وكميات من صدف المحار النيلي والقواقع وأماكن النار من الرماد والفحم، واختلط هذا التراكم الثقافي بكميات من عظام الحيوانات الكبيرة والصغيرة وبعضها متفحم.
اندرج العمل الآثاري لجامعة شندي في الموقع على صورة مواسم متتالية بغرض تدريب الطلاب مع اختبار قضايا علمية لفترة ما قبل التاريخ في الموقع، وقد تركزت الحفريات على طرح فرضيات وتساؤلات قبل البدء في الحفر ومن ثم اختيار المساحة التي لربما حفرها يحقق تلك الفرضيات المطروحة سلفاً، وعليه عكفت منهجية الدراسة على تدريب الطلاب على كل مراحل التنقيب الآثاري باستخدام كل معدات الحفر الآثاري وتسجيل الحفرية الأثرية مع تصنيف وتحليل البقايا المادية وصياغتها في شكل تقارير علمية وجمع المادة الأثرية بعد التحليل في مخزن القسم لحين دراستها بصورة أوسع خصوصاً العظام والتي مازالت تحت الدراسة بغرض التعرف على نوعية الحيوانات التي كانت في منطقة شندي خلال العصر الحجري الحديث والتي لربما كانت المرتكز الاقتصادي لإنسان المنطقة في ذلك الزمن.
وعليه إن المحتوى الثقافي في موقع قلعة شنان يكشف عن مستوطنة للعصر الحجري الحديث في منطقة شندي تميزت بكبر الحجم والعمق الطبقي، واعتمد اقتصادها على المرتكزات المحلية من الصيد البري والنهري وقد دلت بقايا عظام الحيوانات المحروقة الكبيرة منها والصغيرة والفخار إلي مؤشرات لطبيعة المرتكز الاقتصادي الذي لربما كان فيه نوع من ممارسة الرعي والزراعة، على الرغم من عدم وجود الأدلة المباشرة على انتاج الطعام، كما أثمرت الحفريات في الكشف عن ثقافة مادية تشير إلي تغيرات في المناخ أجبرت إنسان العصر الحجري الحديث على الاعتماد على البيئة المحلية وتطويعها لخدمة اقتصاده وامتزجت ثقافته بمظهر الأرض ومكوناته ويظهر ذلك جلياً في تقنيته الثقافية التي تكونت من الفخار والصناعات الحجرية، وقد عكست البنية الأثرية تنوعاً ثقافياً يشير إلي تطور متدرج في ثقافة إنسان المنطقة مع الاستفادة من الهجرة وانتشار الأفكار في تكوين نسيجه الثقافي ومجتمعه. (Renfrew and Bahn.1998:43).
خلاصة:
نستخلص من الوضعية الجغرافية والمخزون الأثري لموقع قلعة شنان، مدى أهمية منطقة شندي لانتشار ثقافة العصر الحجري الحديث واستمراريتها الثقافية، حيث دلت الآثار المادية على جاذبية منطقة شندي من المناخ والبيئة والطبوغرافية لمستوطنات حقبة الهولوسين الأوسط والمتأخر، ويعطي الموقع مؤشرات آثارية على تمدد المستوطنات السكانية وتطور مجتمعاتها وارتباطها ببعض المستوطنات التي ظهرت في البطانة الغربية وحول منطقة التراجمة وكبوشية وشرقها، وانتشرت هذه الثقافة حول نهر عطبرة، تتجانس محتوياتها الأثرية أحياناً وتتباين أحياناً أخرى، كما أظهرت الاختلافات الجغرافية تأثيرها في اختلاف البنية الأثرية ولعبت البيئة والمناخ وطبيعة الأرض الدور الأعظم في نشؤ تلك المستوطنات وانهيارها. (Geus.1984, Marks and Mohammed-Ali.1991, Haaland and Magid.1995 and Sadig.2008 -2010).
على الرغم من وفرة الأدلة الأثرية الداعمة للتكهن بحجم مستوطنة العصر الحجري الحديث وطول عمقها التاريخي في موقع قلعة شنان؛ ما زالت الأسباب التي أدت إلي انهيارها وحجبت تطورها دون أن تصبح مدينة ودولة ذات حضارة، أمر غامض؛ كما أن عدم الامكانيات المعملية في تحليل وتوريخ بعض البقايا الأثرية يمثل عائقاً في تفسير قضايا مهمة لهذه المستوطنة خصوصاً توريخها معملياً والتعرف على نوعية الحيوانات والنباتات التي اعتمد عليها إنسان المنطقة، مدجنة أم برية، وهذه هي المسائل التي تعكف منهجية الدراسة عليها في المواسم القادمة، إضافة إلي محاولة التعرف على الروابط الثقافية للموقع بمثيلاته في بقاع السودان الأخرى وعلاقته بالفترات السابقة واللاحقة له، في محاولة لصياغة رؤية علمية مدعمة بالتحاليل المعملية عن أهمية مستوطنة العصر الحجري الحديث في قلعة شنان ودورها في كشف عجلة التطور الثقافي في تاريخ السودان القديم.