Saturday, September 29, 2012

تقرير عن مؤتمر الآثاريين العرب

بعد التحية والاحترام أود أن أعرض عليكم تقرير موجز عن فعاليات مؤتمر الآثاريين العرب الرابع عشر الذي اقيم بالقاهرة في الفترة من 15 – 16 أكتوبر 2011م والذي جاءت مشاركتي فيه بناءً على رغبتي ورغبة اللجنة العلمية المختصة بالمؤتمر وبعد موافقتكم على ذلك.>نظم هذا المؤتمر بواسطة الاتحاد العام للآثاريين العرب بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة "الألكسو" بجامعة الدول العربية ومركز مؤتمرات جامعة القاهرة تحت رعاية جامعة الدول العربية وأمينها العام الدكتور/ نبيل العربي بالقاهرة.

شاركت في هذا المؤتمر وفود علمية من كل انحاء الوطن العربي كل يمثل دولته وجامعته أو المؤسسة المختصة بالآثار في وطنه، وقد بلغت الأوراق العلمية التي تمت اجازتها 135 ورقة متفردة في جميع تخصصات علم الآثار الدقيقة ومتباينة جغرافياً مع أن هناك فقرات تعريفية بالاتحاد وكلمات رؤسائه التي كانت افتتاحية للجلسات، وقد كانت قضية حماية الآثار والتراث العربي من أولويات أهداف المؤتمر مع محاولة صياغة منهجية علمية للبحث والكشف عن آثار الوطن العربي وترويجها عالمياً لإلقاء الضوء على أهمية هذه الرقعة الجغرافية عالمياً في الكشف عن مجرى الحضارة البشرية، وفي غضون ذلك كانت قضية تهويد آثار القدس من أول القضايا والنقاش فيها لوضع حلول توقف المستعمر الإسرائيلي من تنقيباته حول القدس ومحاولة صياغة آلية تدافع عن حقوق الشعب العربي في جلب مقتنياته الأثرية الموجودة في المتاحف الأوربية مع التطرق لما أحدثته ثورات الربيع العربي من دمار في المواقع الأثرية في كل من (مصر – تونس ليبيا وسوريا) خصوصاً الأعمال العسكرية التي قام بها حلف الناتو، ليست الوقوف عند حصر خسائر تلك الأعمال بل كيفية معالجتها وترميمها والحفاظ عليها وإضافة إلي ذلك كانت قضية توعية المواطن العربي بأهمية موروثه الأثري والثقافي كانت ذات أولوية وتم النقاش حول محاولة وضع مقررات عن الآثار في دراسات ما قبل السلم الجامعي واقامة محاضرات تعريفية وتثقيفية في كل وطن على حداه توضح أهمية الآثار وكيفية استثمارها سياحياً لتضخ في الاقتصاد القومي، وفي هذا كان السودان انموذجاً لتفعيل هذا المنشط خصوصاً حول محاولة وقف تعديات التنقيب العشوائي عن الذهب على المواقع الأثرية واسترجاع القطع الآثرية والغنية الموجودة في المتاحف العالمية ومحاولة استخدامها في دفع مسيرة الاقتصاد السوداني بعد انفصال الجنوب عنه.
على الرغم من أهمية تلك القضايا الأولى ، كانت الأوراق التي تناولت المنهج والنظرية في علم الآثار العربي ذات أهمية قصوى وهي التي بلغت حوالي 135 ورقة علمية كان نصيب السودان فيها ثمانية أوراق علمية مختلفة القضايا ، وقد خصصت لهذه الأوراق جلسات كان اليوم الأول في قاعة الأندلسية بجامعة الدول العربية عرضت الأوراق في ثلاث جلسات واليوم الثاني كان بمركز المؤتمرات جامعة القاهرة وأيضاً في ثلاث جلسات مع زيارات لأهم معالم دولة مصر العربية والمواقع الأثرية والمتحف المصري وأختتمت فعاليات هذا المؤتمر بوضع نقاط جوهرية لسير هذا الاتحاد وكيفية تفعيل ما خرجت به تلك الأوراق العلمية على أرض الواقع.
كانت الاشادة بالأوراق السودانية من قبل اللجنة العلمية المنظمة حول تناولها قضايا منهجية في سير علم الآثار في السودان ومحاولة توطين العمل الأثري ومقارنة البقايا الأثرية الموجودة فيه بما هو موجود في مصر ودول شمال شرق إفريقيا – وجاءت تلك الاشادة من خلال تفرد الوفد السوداني بأعمال آثارية جديدة على الوطن العربي من خلال تنقيبات ومسوحات الجامعات السودانية وخصوصاً أن القائمون على هذا الأمر شباب، حتى كان كلما يذكر الوفد السوداني يذكر (بالشباب السوداني) – جاء هذا من قبل البروفيسور محمد الكحلاوي أمين الاتحاد العام للآثاريين العرب والبروفيسور على رضوان رئيس المؤتمر والبروفيسور يوسف مختار الأمين الأمين المساعد للاتحاد العام للآثاريين العرب السوداني الجنسية والمقيم بالسعودية في جامعة الملك سعود.
جاءت مشاركتي في هذا المحفل العلمي بورقة تحت عنوان منهجية دراسات ما قبل التاريخ في تعريف ثقافة العصر الحجري الحديث في وادي النيل (دراسة حالة موقع قلعة شنان – شندي) وقد ركزت محاولتي الدراسية هذه في إلقاء الضوء على الدراسات السابقة خصوصاً الدراسات التي قامت على إثر تشييد خزان السد العالي وكيف عرف الآثاريون العصر الحجري الحديث في مصر والسودان من خلال نتائج التنقيبات الأثرية وقد خرجت الدراسة هنا إلي أن هناك اختلاف في المفهوم جاء بسبب اختلاف المنهج والنظرية في خلفيات الدارسين لتلك الحفريات الأثرية، ومن ثم تطرقت الدراسة إلي الأعمال التي أجريت في وسط السودان ومصر العليا في تمانينات وسعينات القرن المنصرم وخرجت بأن هناك تجانس في تحديد الفترة الزمنية لهذا العصر مع اختلاف في نوعية الآثار التي تحدده جاء هذا بسبب بعد الدراسات عن بعضها والقصور في نشر النتائج كاملة مع قلة اتباع اسلوب المقارنة والتحليل والجدل الفلسفي، ولجأت هذه المحاولة في الختام إلي التعرف على نتائج الدراسات الأخيرة التي أجريت في بدايات هذا القرن في كل من مصر والسودان واسقاط نتائجها على واقع حفريات جامعة شندي في موقع قلعة شنان لتعريف هوية العصر الحجري الحديث وقد خلصت الدراسة في هذا، إلي أن هناك استمرارية ثقافية ما بين فترة العصر الحجري الوسيط والعصر الحجري الحديث أي في الفترة من 7000 – 3000 قبل الميلاد   تمثلت في تدرج إنسان وادي النيل عبر مراحل تطورية ظهرت في ثقافته من خلال انتاج الفخار وتطور تقنيته على مراحل زمنية طويلة مع صقل الأدوات الحجرية والتحول الذي طرأ على مرتكزاته الاقتصادية من جمع الطعام إلي انتاجه أي من الاعتماد على جمع النبات البري – الصيد البري والنهري إلي تربية الحيوان وزراعة المحاصيل، وقد كانت طبقات موقع قلعة شنان التمرحلية خير ممثل لهذا التطور الثقافي في وادي النيل.   هذا وقد وجدت هذه الدراسة قبولاً واسعاً بين أوساط الآثاريين العرب وأوصوا بالمواصلة في هذه الحفريات وهذا المنهج مع تطوير آليات الحفر الآثاري والاستعانة بالمعامل الحديثة في هذا المجال.

هذا وقد كانت فعاليات هذا المؤتمر أكثر اتحافاً وأكبر آفاقاً وقد جمعتني بمستويات رفيعة في مجال علم الأثار وزادت أفق معرفتي بالعالم العربي وما يكتنزة من موروث ثقافي – وفي هذا أود أن أتقدم إليكم بخالص شكري على هذه الفرصة وأتمنى أن أكون عند حسن الظن بي.


أفول نجم عن سماء علم الآثار السودانية

أفول نجم لامع عن سماء علم الآثار السودانية 
(Michel Boud)
تبارى أعظم شعراء المسلمين العرب في رثاء الشاعر الفذ الروسي تولستوي وبكوه بكل ما عندهم من شعر عذب على أنه فقيد العلم
 والمعرفة والإنسانية وقال عن حافظ ابراهيم بعد أن رثاه أحمد شوقي:
 رَثاكَ أَميرُ الشِعرِ في الشَرقِ وَاِنبَرى لِمَدحِكَ مِن كُتّابِ مِصرَ كَبيرُ
وَلَستُ أُبالي حينَ أَرثيكَ بَعدَهُ إِذا قيلَ عَنّي قَد رَثاهُ صَغيرُ‏
فَقَد كُنتَ عَوناً لِلضَعيفِ وَإِنَّني ضَعيفٌ وَما لي في الحَياةِ نَصيرُ
وَلَستُ أُبالي حينَ أَبكيكَ لِلوَرى حَوَتكَ جِنانٌ أَم حَواكَ سَعيرُ
وعلى هذا الدرب بكامل الحزن والأسى ننعي الدكتور والأستاذ ميشيل بوا (Michel Boud) الفرنسي الجنسية - المروي السودانية الهمة العلمية الذي وافته المنية يوم الخميس 13 سبتمبر 2012م في باريس – ولا نبالي أن نرثيه بحزن عميق ودمع غزير، ذلك الشاب الفرنسي الذي يعشق السوداني ومدينة شندي ويألف شباب الآثار السوداني وقد نظم الفقيد عدد من المحافل العلمية عن السودان القديم والمعارض وهو مسئول عن القسم النوبي في متحف اللوفر وعمل على فصل قسم الآثار السودانية عن القسم المصري في العام السابق وأخرج عن ذلك كتاب وهو أستاذ بجامعة السوربون وله عدد من الحفريات في مصر والسودان وذو اهتمام خاص بآثار النيل الأوسط ومدير حفريات موقع مويس المروي بمنطقة شندي الذي بدأه منذ العام 2006 وكان من أفضل المشاريع الآثارية في السودان ولدينا معه علاقة وطيدة من ناحية أقسام الآثار السودانية وعلاقات شخصية وله صدر رحب ويعشق السودانيين بكل عمق. 
-- رحل ورحلت معه كل تلك الطيبات المستقبلية. وها هو حال الدنيا.