Friday, August 23, 2013

تقرير موجز: التقرير الأول لمسوحات وحفريات قسم الآثار - جامعة النيلين في منطقة السبلوقة

مقدمة:

من المسلم به أن علم الآثار ظهر للوجود بعد مروره بعدد من المراحل التي استغرقت زمناً طويلاً وجهداً مضنياً ، وكانت تطورات ما بعد العام 1960م وظهور التيار الحديث في علم الآثار هي نقطة التحول الرئيسية ليأخذ هذا العلم حيزه الصحيح عندما قال عنه ديفيد كلارك "الآن علم الآثار أصبح هو علم الآثار" . كانت وما زالت الأسباب الرئيسية وراء تبلور أهداف علم الآثار هي الأعمال الميدانيه (المسح الآثاري والتنقيب الآثاري) التي لا معنى لها بدون نشر لنتائجها ، خاصة التنقيب الآثاري الذي وصف بأنه كتاب تضمحل صفحاته بمجرد الإنتهاء منها.
وقد تم منح قسم الآثار – جامعة النيلين منطقة امتياز من قبل الهيئة العامة للآثار والمتاحف تنحصر بين نهر النيل وخط السكة حديد ومن الشمال والجنوب تحت احداثيات خطوط طول ودوائر عرض كالآتي:

 من الجنوب.        618ً   36َ    032ْE              303ً    07َ      16ْ     N
ومن الشمال         251ً   50َ    032ْE               009ً    28َ      16ْ     N

(خارطة رقم 1).


خارطة رقم (1) توضح منطقة العمل الميداني

وبناء على ذلك كان لزاماً علينا وضع خطة محكمة في مشروع السبلوقة لتدريب وتأهيل طلاب قسم الآثار – جامعة النيلين ، تهدف إلي تسجيل وحصر وحماية المواقع الأثرية ووضع خارطة لها (خارطة زمنية – ثقافية – توزيعية) ومن ثم اختيار ما يناسب تدريب الطلاب لإجراء حفريات عليه وطرح اسئلة وفرضيات ومحاولة العمل على الإجابة عليها وإسقاطها على واقع نتائج العمل للخروج بفهم أشمل وأعمق عن البؤر الحضاري لمنطقة السبلوقة وعلاقتها بأقاليم السودان الأخرى.
وعليه درج قسم الآثار على محاولة توزيع العمل في المنطقة موسمياً من أجل التوفيق بين الأهداف العلمية والتدريبية ، وكان الموسم في الجزء الجنوبي من منطقة الامتياز من (الشلال السادس جنوباً وحتى قرية الرتيج شمالاً) في مساحة 25 كلم محصورة بين النيل وجبال هضبة السبلوقة ، بدأ الموسم يوم الجمعة  17/4/2013م واستمر حتى يوم الجمعة 25/4/2013م وتم تقسيم هذه المدة الزمنية على مراحل تدريب الطلاب على منهجية التنقيب الآثاري بكل مراحله من تخطيط وحفر وتوثيق وتصنيف وتحليل، حيث كانت الخطة التي تم اعدادها هي الحفر في الفترة الصباحية والتصنيف في الفترة المسائية حتى يتلقى الطالب كل الجرعات المطلوبة في الحقل الآثاري.
كان الهدف الأساسي من الموسم هو تدريب الطلاب مع اختبار بعض القضايا التي وضعت لها فرضيات وتساؤلات مسبقه.
فريق البعثة: تكون فريق العمل الآثاري في مشروع السبلوقة من مجموعة من الأساتذة المشرفون على الرحلة العلمية الأستاذ/ عبد القادر الخزين – الأستاذة/ رحاب شمبول مصعب مشرفون على المشروع والأستاذ/ أحمد حامد نصر المدير الحقلي للحفريات، مع الإشراف الإداري ممثل في رئيس القسم د/ سيد كباشي والأستاذ/ الحسن أحمد محمد الحسن مدير الكشف الأثري وممثل الهيئة العامة للآثار والمتاحف في المشروع، وبلغ عدد الطلاب 37 طالب وطالبة برفقة مشرفين من الجامعة ممثلين في الحرص الجامعي وسواقين ومدير طبي.
تم تجهيز معدات المسح والتنقيب الآثاري من عدد من الأجهزة (Level – Thoidilite – Total station). جهاز تحديد المستوى لقياس مستويات الحفر الآثاري وجهاز الثيودليت والتوتل استيشن لتخطيط وقياس أبعاد الحفرية والمخططات مع أجهزة حاسب آلي ومعدات الحفر الآثاري والتوثيق والترميم الحقلي.
ونشكر جامعة النيلين ممثلة في إدارة كلية الآداب وقسم الآثار في توفيق أوضاع الرحلة العلمية التي استقرت ثمانية أيام ، ونشكر الهيئة العامة للآثار والمتاحف على منحها لنا فرصة تدريب الطلاب في منطقة الامتياز (السبلوقة) وعلى تعاونها في ذلك ويمتد الشكر لأساتذتنا الأجلاء بالقسم بروفسور عبد القادر محمود ودكتور ابراهيم موسى والبروفسور خضر آدم عيسى على ارشاداتهم وتوصياتهم العلمية واللوجستية والشكر لطلاب الفرقة الرابعة على تحملهم المسئولية الكاملة لفريق عمل آثاري.

منهجية التنقيب في الموسم الأول (2013):
تضمنت المنهجية دراسة ما هو مكتوب عن المنطقة بصفة عامة والوقوف على آخر نشاطات العمل الآثاري فيها خصوصاً وأن المنطقة اجتاحتها العديد من المشاريع وذكرتها كتابات العديد من الآثاريين والتاريخين ، ومن ثم وضع خارطة زمنية لما مكتشف فيها وطرح أسئلة جديدة بمقارنتها باقاليم السودان الأثرية الأخرى وإسقاط فرضيات علمية على واقع المنطقة الجغرافي ، باعتبار أن العمل في منطقة السبلوقة كمشروع يتضمن داخله عدد من المشاريع الصغيرة. وتوفيق ذلك جله في تدريب وتأهيل طلاب الفرقة الرابعة على العمل الميداني الآثاري مع مراعاة الخطة الأساسية لقسم الآثار في المنطقة كمشروع بحثي. وبناء على ذلك ركز العمل على دراسة خطوات التنقيب الآثاري نظرياً ومن ثم تطبيقها خطوة – خطوة مع الوقوف على الظواهر الأثرية ومحاولة التدريب على توثيقها بالصور ورسمها بأبعادها الرئيسية والتمرن على استخدام الأجهزة المساعدة في التنقيب الآثاري ، وقسمت هذه المسئولية على الطلاب مع الاشراف عليهم مباشرة في الحقل – حيث بدأت الخطة باجراء استطلاع على المنطقة بصفة عامة بالاستعانة بالخريطة العامة وزيارة بعض المواقع المعروفة واجراء مسح آثاري في المنطقة ما بين قرية الشلال حتى قرية الرتيج على ضفة النيل الشرقية وتحديد ما فيها من مواقع أثرية واستغرقت اليوم الأول والثاني وبعد مناقشات واختبارات للمجاميع السطحية تم اختيار موقع الرتيج لاجراء الحفريات.
يقوم طلاب كل مجموعة بإدارة نظم الحفر داخل مربعهم مع تقسيمهم على مهام وفق ما هو متعارف عليه آثارياً بأعضاء فريق التنقيب الآثاري وهذه المسألة دورية كل يوم حتى يمر الطالب بكل مهام أعضاء البعثة – توكل مهام العضو الرئيسية على الطالب  ويقوم بكل ما يلزم مهمته ويكون مسئول عنها ، من إدارة مربع الحفر وغربلة نفايات الحفر وفرز البقايا الأثرية في أكياس ووضع ورقة تعريفية في كل كيس تحدد التاريخ والموسم والموقع والمربع والطبقة ومدير المربع ، حيث يقوم مدير المربع بتوجيه بقية الطلاب مع الرجوع للمدير الحقلي ، وهو من يحدد منهجية الحفر داخل المربع وفق ما هو ظاهر من طبقات أفقية متباينة حتى وتسجيل ملاحظاته وملاحظات زملائه لمناقشتها يومياً في يوميات الحفار وعادة ما يتم توثيق الظواهر الأثرية في المربع بعد كل طبقة وهي مسؤولية مشتركة بين أعضاء مربع الحفر الآثاري (شكل رقم 1) وبعد انتهاء اليوم تجمع المادة الأثرية لكل مربع على حدى ليتم غسلها وتنظيفها ومن ثم تصنيفها في مساء اليوم نفسه – وذلك بفرز العظام على جانب ومحاولة تصويرها ومعرفة أنواع الحيوانات إن أمكن مع  تحديد المحروقة والمتحجرة ووضع كل على حدى لحين دراستها بشكل تفصيلي. وكذلك الأدوات الحجرية والفخار مع جمع طبقات بكامل وحداتها لحين اجراء تحليلية حول مكوناتها مثل دراسة أنواع النباتات من خلال بذورها.
           شكل رقم (1) يوضح طريقة توثيق الطلاب للظواهر الأثرية في مربع الحفر الآثاري يومياً


من أهم وأكثر المواد التي يتم تصنيفها هو الفخار حيث يقوم الطلاب يومياً بدراسة ما تم حفره من فخار وفق متغيرات صناعة الفخار المختلفة وذلك حسب الأهداف والاسئلة المطروحة حول الفخار والتي كان من بينها التعرف على نوعية الصناعة والاستخدام ومادة الصنع ودرجة التلميع والزخارف بهدف مقارنة فخار الموقع مع المواقع المدروسة مسبقاً،  وفق الشكل والصناعة واللون والزخرفة والصقل والحريق والسطح بالنسبة المئوية وكتابة تقرير يومي عن ذلك مع التصوير والرسم وكذلك الأدوات الحجرية يتم تصنيفها وفق الصناعة والمادة الخام التي صنعت منها الأداة وتحديد السمات التقنية والنوعية ووظيفة الأداة مع وصف عام لعلامات الطرق والكشط والحدادة والشحذ. هناك بعض البقايا الأثرية الصغيرة التي تظهر أثناء التصنيف وتوضع في أكياس خاصة لرسمها وتصويرها. ومن ثم اختيار عينات من تلك المواد لدراستها بشكل تفصيلي لصياغة الخلفية التاريخية – الاجتماعية – الاقتصادية – الثقافية العامة عن موقع الحفرية ومقارنته بمحيطه الأثري لفهم آثار المنطقة بصفه أشمل.


منطقة السبلوقة (الجغرافيا والجيولوجيا):
عرفت المنطقة مبكراً من خلال مكوناتها الطبيعية خصوصاً الهضبة الصخرية التي تعتبر مخلفات لبركان خامل وهي مجمع ضخم للصخور الزمن الجيولوجي الرابع مع أحواض الخيران المائية، إذ تعتبر منطقة السبلوقة من مناطق وسط السودان ، و تقع شمال الخرطوم على بعد 70 كلم وتمثل المنفذ الوحيد لمنطقة الخرطوم تجاه البطانة وتمثل تلك السهول والمنطقة الصخرية على ضفتي نهر النيل إذ أنها بقايا ورسوبيات لبركان خامل، وتنحصر بين دائرتي عرض  260ً 45َ 15ْ S و 280ً 30َ 16ْN ، وخطي طول 029ً 34َ 32ْ W و 15ً 16َ 33ْ E ، وتحد هذه المنطقة من ناحية الشمال قرى ولاية نهر النيل حول حجر العسل ومن الشرق الجبال المتراصفة والأودية الشرقية التي تنزل من البطانة الجنوبية الغربية وترتكز على نهر النيل من الناحية الغربية ومن الجنوب تحدها منطقة الجيلي.(خارطة رقم 1).
       من أهم المظاهر السطحية في المنطقة هي هضبة السبلوقة البركانية التي ترتفع حوالي 137 متر عن محيطها مع عدد من الجبال أشهرها جبل الملكيت والرويان وجبال الحمر في حجر العسل، وعدد من الأودية أهمها وادي أب قيدوم وأب جداد وديري ويتكون التركيب الجيولوجي للمنطقة من ثلاثة أنواع من الصخور وهي ما تعرف بالصخور القاعدية Basement Complex Rocks، والصخور الرسوبية Sedimentary Rocks، والرسوبيات الحديثةSuperficaia deposites  (Whiteman 1971: 22). ومن أهم أنواع الصخور بها صخور الجرانيت القديم Older Granite، وصخور المجماتيت Migmatities Rocks، ، وصخور الشست Schist، وصخور بورفرايتس Porphrites،     الريولايت الأسفل Lower Ryolites، والريولايت الأعلى Upper Ryolities، وصخور اجنمبرايت Ignimbrites Rocks، وصخور باروكلاستك Pyroclastic،  والجرانيت الدقيق Mecrco Granite، وصخور إجنمبرايت Ignimbrites Rocks. وقد وصفتها الدراسات ما بين الصخور القديمة والحديثة (Dawoud and Sadig 1988: 789).
       كما توجد بالمنطقة عدد من الرسوبيات من أهمها الحجر الرملي النوبي Nubian Sand Stone Formartion، والحصى والحجر الطيني Mude Stone ، والكونجلومرات Conglomerte، وحجارة السلكا، Grits Stone والارجوان والتراكمات (Sadig and Almond 1974: 254) وتوجد داخل تلك الصخور كمية كبيرة من معدن السيلكا الذي يعتبر من أهم مكونات تلك الصخور (Whiteman 1971: 72).
       تساعد هذه التكوينات الجيولوجية على فهم الموارد الطبيعية في المنطقة ومدى جاذبيتها للإنسان القديم ، كيفما تعين على دراسة وتصنيف الأدوات الحجرية ومعرفة ما هو مصنوع من المنطقة وما هو قادم من مناطق خرى.
كما كشفت الدراسات السابقة عن كم هائل من الرسوبيات الحديثة في المنطقة ، تنتشر في منطقة السهول والأحواض الفيضية جول وادي أب قيدوم ووادي أب جداد وعلى السهل الفيضي لنهر النيل، وتتكون من الغرين النيلي Nile Silt، والمراوح الطينية Alluvial Fans، والرمال الريحية Aleolian Sand وحصى التحلق Lag Gravel (Almond and Ahmed 1993: 5).
       أما من ناحية الجغرافية والطبوغرافية فتظهر المنطقة في شكل سهل ممتد، وتتميز المنطقة بنظاف تصريف مياه هو النظام الشجري Dentritic Draing الذي يضم نظام تصريف مياه سريع ومنحدر وهي المجاري القادمة من المرتفعات مع نظاف تصريف سهلي وهي المجاري المائية القادمة من الهضاب الأقل ارتفاعاً وأهم هذه النظم التصريفية وادي ديري، والدهم وأب جداد وأب قيدوم.

الدراسات الآثارية السابقة في منطقة السبلوقة:
لم تقم في المنطقة أعمال بحثية بصورة مركزة مثل ما هو في اقاليم السودان الأوسط الأخرى ، وأول ذكر لها جاء من قبل الرحالة والكتاب في عهد مملكة الفونج حيث ذكرها الرحالة الفرنسي بونسيه (Poncet) وتحدث عن منطقة قري كما زارها الرحالة الألماني كرمب crump حيث عبر "قري" في 22 يونيو 1703م قادماً من سنار لعلاج المانجل ( شيخ قري) وكان معه شخص آخر يحمل رسالة من ملك سنار إلى شيخ العبدلاب ومكث فيها نحو ثلاثة أشهر ، وفي عام 1772م مر بالمنطقة الرحالة جيمس بروس وذكر أنه زار (قري) ووصفها بأنها قرية تتكون من نحو 140 منزلاً ، كذلك أيضاً زار المنطقة الرحالة الفرنسي لينان دي بلفون بعد التحاقه بحملة إسماعيل باشا عام 1821م وذكر أنه في يوم السبت الأول من ديسمبر 1821م جاء قادماً من شندي عن طريق الجمال ومعه ترجمان توقف في عقبة "قري". (Crawford 1963:   66 – 67). (أنظر خالد.أمجد بشير. رسالة ماجستير.2013م).
 وكانت هناك بعض الزيارات من قبل مفتشي الآثار في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وذكرت أن المنطقة لها أهمية في فترات ما قبل التاريخ وأهمها موقع الجيلي الذي عملت فيه بعثة تابعة لجامعة روما الإيطالية بقيادة بروفيسور سلفادور بغليزى (S. Poglizi) ومن بعده ايزابيلا كانيفا (E. Caneva) في الفترة من 1971 – 1983م، وهو موقع عصر حجري حديث أورخ إلى 5570_+100 سنة قبل الحاضر مع مقابر فترة اسلامية وموقع جبل جاري، الذي يقع في تل جرانيتي منعزل عن بقية التلال الأخرى، وأجرى بها الطالب هاشم السنجك عام 1978م مسح آثاري في المنطقة وسجل حول جبل الرويان وجبل جاري 9 مواقع أثرية وبعض البحوث التاريخية عن تاريخ العبدلاب في منطقة قري وسجلت مسوحات هنتزة (Hintze 1959) الأماني عدد من المواقع الأثرية في المنطقة من أهمها ثلاثة مواقع في قرية حجر العسل، سميت بحجر العسل I، II، III، وهي عبارة عن أكوام دائرية الشكل، ومستطيلة، تتباين في أحجامها وارتفاعها. ثم وصل عدد الأكوام في موقع حجر العسل إلى 200 كوم. (خالد.:43-57:2013). ، كما سجلت أعمال الوحدة الفرنسية بقيادة فرانسيس جيوس (Geus 1984) عدد من المواقع على طول الضفة الشرقية لنهر النيل في منطقة السبلوقة أثناء عملهم لمسوحات أثرية ما بين الخرطوم وشندي كان معظمها مقابر دائرية لفترة ما بعد مروي مع مواقع للعصر الحجري الحديث وهناك الحفريات الانقاذية لتشيد خط التحدي الخرطوم – عطبرة التي نقبت عدد من المقابر لفترة ما بعد مروي شرق المنطقة بقيادة ديفيد ادوار (Edwards1997).
وأجريت في المنطقة العديد من الأبحاث الجيولوجية ونشرت العديد من الأوراق العلمية عن مكوناتها الطبقية والسطحية ، ومن أحدث المسوحات الأثرية التي قامت في المنطقة، هو المسح الذي قام به المعهد الشيكي للمصريات، التابع لجامعة تشارلز، ومعهد الجيولوجيا التابع للأكاديمية التشيكية للعلوم في جمهورية الشيك عام 2009م بقيادة (Sukoua 2011) ، بين  جبل الرويان والجزيرة "الوعرابية" في منطقة "قري"، وقد ركزت أعماله على دراسة الأرض واستخداماتها بهدف التعرف على انماط الاستيطان البشري في المنطقة ، وكذلك لمعرفة الطبيعة الجيولوجية للمنطقة حيث سجلت دراساته 30 موقعاً أثرياً، اضافتها أعمال الهيئة العامة للآثار والمتاحف إلي الخارطة التوزيعية للمواقع الأثرية بالمنطقة بعد إعادة مسحها في العام 2011م، في الفترة من أبريل – مايو على الضفة الشرقية والغربية للنيل، في المنطقة المتأثرة بقيام سد السبلوقة المقترح، ، حيث اعتمد نظام تسجيل المواقع الأثرية المكتشفة على وظيفة الموقع كواحدة من المعايير الأساسية في عملية التسجيل، ولذلك فقد كانت المواقع المسجلة متمثلة في المواقع الاستيطانية والجنائزية والعسكرية، ومواقع المحاجر والرسوم الصخرية والطبول الصخرية ، بلغت في مجملها (56) موقع محصورة في المنطقة ما بين الجيلي ووادي أب جداد مختلفة من ناحية الحجم ونوع البقايا الأثرية فيها ما بين الكمية والنوعية حيث كان بعضها مواقع استيطانية وأخرى مقابر ومحاجر معظمها لفترات ما قبل التاريخ والبعض الآخر يعود لفترة ما بعد مروي. (أرجع تقارير الهيئة العامة للآثار والمتاحف).
 كذلك سجلت أعمال الباحث (طالب ما جستير) أمجد بشير على خالد عدد يقارب الخمسين موقعاً في المنطقة بين (الجيلي) وحجر العسل ، مع الوقوف على بعض المواقع الأثرية التي تم تسجيلها من قبل الهيئة العامة للآثار والمتاحف ، معظم هذه المواقع وجدت على ضفة النيل الشرقية والبعض الآخر حول الأودية والخيران التي تأتي من الشرق إلي الغرب وكانت معظم هذه المواقع تعود للفترة المتأخرة من ما قبل التاريخ (ثقافة الخرطوم القديمة وثقافة الشهيناب) والبعض الآخر مواقع مقابر دائرية ومواقع فترات اسلامية. (أرجع رسالة ما جستير . أمجد بشير على خالد. 2013م).

الموسم الأول: موسم (2013) الأهداف والفرضيات:
        من خلال الدراسات السابقة يتضح أن منطقة السبلوقة بها كم هائل من المواقع الأثرية متباينة في سياقها الأثري، كما أن تعدد الدراسات في المنطقة زاد الأمر تعقيداً في تباين الأهداف ، وعليه كان الهدف الأساسي من الموسم الأول هو التعرف عل منطقة السبلوقة بصفة عامة ، ومحاولة تقصي نتائج الأعمال السابقة في المنطقة بحصر المواقع الأثرية وترتيبها وفق نوع المادة الأثرية واسقاط ما هو على الخريطة على أرض الواقع بزيارة ومسح ما يمكن تغطيته في الموسم الأول ومن ثم التركيز على موقع واحد بهدف تدريب الطلاب واختباره كعينة من مواقع الآثار في المنطقة.
فعليه كان التركيز على المنطقة الواقعة شمال هضبة السبلوقة في مساحة بطول عشرين كيلو متر ما بين ضفة النيل الشرقية وسلسلة جبال أم مراحيك وذلك بهدف التخطيط للعمل في المنطقة وفق قطاعات وبهدف تدريب الطلاب على ممارسة العمل الميداني في علم الآثار وتطبيق الدراسات النظرية السابقة في مرحلة البكلاريوس، علاوة على ذلك إن الأعمال السابقة وفرت لنا مادة أثرية طيبة لتتبع نوعية الثقافة، التي نشأت في منطقة السبلوقة، كما دفعت المشاريع الآثارية التي ركزت على دراسة الفترات المتأخرة من ما قبل التاريخ بمداخل ومنافذ للنقاش حول طبيعة الانتشار الثقافي لهذه الفترات في السودان الأوسط أو ما يسمى بمنطقة الخرطوم بثقافاتها المشهورة (الخرطوم الباكرة – الشهيناب ونيوليثيك الخرطوم) وعلاقتها بالاقاليم الأخرى ودور هذه المنطقة في ذلك ، خصوصاً أن المشاريع البحثية في منطقة الخرطوم وفرت مادة علميه أزالت الكثير من الغموض عن فترة العصر الحجري الحديث وطرحت أسئلة أخرى.
يكمن الهدف من هذا الموسم إضافة لتدريب الطلاب، في فرضيات وتساؤلات نأمل في الإجابة عليها من خلال الموسم الأول وهي:-
1-   الاستطلاع في المنطقة بغرض التعرف على عمقها الثقافي لوضعها في اطار زماني مع اقاليم السودان الأخرى.
2-  أسفرت الدراسات السابقة عن وجود عدد هائل من مستوطنات الفترات المتأخرة من ما قبل التاريخ في منطقة الخرطوم ووجدت مثيلات لها في منطقة شندي فالتقصي حول المناطق الوسطي بين الاقليمين (منطقة السبلوقة) يوضح الروابط الثقافية بين تلك الاقاليم والانتشار الثقافي ويكمل حلقة من الانتشار الثقافي لما قبل التاريخ في السودان الأوسط.
3-  على الرغم من وجود مواقع ذات تراصف طبقي عميق في وسط السودان لفترة العصر الحجري القديم الأسفل وبعض المؤشرات لوجود عصر حجري قديم أوسط غابت مواقع العصر الحجري القديم الأعلى في الوقت الذي سجلت فيه أقدم مستوطنات للعصر الحجري الوسيط في افريقيا بوسط السودان!
4-                         بالرغم من وجود دلائل لاستمرارية ثقافية ما بين العصر الحجري الوسيط والعصر الحجري الحديث في السودان قلت المواقع التي تمثل الحقبتين!
5-  تختلف مواقع ما قبل التاريخ في وسط السودان في ثقافتها حسب تكيفها البيئي وهو ما جعل هناك سمات ثقافية محلية تحلى بها كل اقليم.
6- لا يعرف حتى الآن مواقع استيطانية واضحة لفترة ما بعد مروي على الرغم من العثور على كميات كثيرة من مقابرها ، في نفس الوقت ما زالت هناك اشكالية في تحديد قبر فترة ما بعد مروي من الخارج وهناك غموض فيما بينه وبين المقابر المروية ومقابر الفترة المسيحية.
7-  على الرغم من الانتشار الواسع للحضارة المروية في السودان لم تسجل الدراسات وجود واضح لهذه الحضارة في منطقة الخرطوم وشمالها ، ولا يعرف هل هذا قصور في الدراسات أم لم تشكل المنطقة أهمية للإنسان المروي!
وعلى هذا الأساس درجت فعاليات هذا الموسم على اجراء مسح استطلاعي شمال الهضبة تم من خلاله التعرف على مواقع كثيرة كان من أميزها موقع المسيكتاب  شرق الذي وجدت به كومات ترابية منتشرة على طول السلسلة الجبلية تختلف فيما بينها من ناحية الحجم والشكل ، بعضها يتراصف في حيز ضيق والبعض الآخر في رقعة واسعة ومتباعدة في ما بينها وشكلها العام كومة ترابية من الحصي والطين مسورة بسياج من الصخر الرملي النوبي بعضها دائري الشكل والغالب كروي الشكل ، ترفع عن محيطها ما بين متر ونصف المتر في البناء الفوقي ، في الجانب الآخر تم تسجيل عدد من التلال وسط قرية المسيكتاب عبارة عن مرتفعات عليها عليها بعض انتشار شقف الفخار ، يبدو من خلال الدراسة الأولية أن هذه التلال والمقابر التلية تماثل ما هو معروف للفترة المتأخرة من الحضارة المروية وفترة ما بعد مروي ولها علاقة بتلك المقابر التلية التي تم تسجيلها في منطقة السبلوقة شرق النيل. (Edwards.1989:76).
كما تم تسجيل عدد من المواقع الأثرية شمال قرية المسيكتاب معظمها مواقع فترة اسلامية من أميزها قباب فترة اسلامية في جبانتين الأولى في الجهة الشرقية وهي عبارة عن بنية من الطوب والحجر في شكل دائري بها فتحات نوافذ على شكال مثلثة (صورة رقم 1) ، وفي الجبانة الغربية توجد جبانة لفترة اسلامية بها عدد من القباب الصغيرة والضرايح مع قبة ذات شكل مسلوب ومبنية على طراز اسطواني الشكل (صورة رقم 2).

            صورة رقم (1) ضريح دائري الشكل                       صورة رقم (2) قبة
        
وقد استمرت أعمال المسح الآثاري حول المنطقة بين قرية المسيكتاب ووادي أب جداد حيث تم التعرف على ظواهر المنطقة العامة مع الوقوف على بعض مظاهر المنطقة الأثرية من همها تمت زيارة موقع رتيج الذي يقع على حافة وادي أب جداد الشمالية عند التقائه مع نهر النيل ، الموقع الذي تم التعرف عليه مسبقاً أثناء المسح الآثاري لبحث الزميل أمجد خالد وهو عبارة عن مرتفع على حافة الوادي يمتد في مساحة مرتفعة تغطي سطحه المخلفات الأثرية لآثار الفترة المتأخرة من ما قبل التاريخ وتم اختياره كموقع تدريب للطلاب واختبار بعض فرضيات الموسم الأول لما يتميز به من مكونات طبيعية وأثرية.

طبوغرافية موقع الرتيج:-    37.8ً  42َ  032ْ    E    25.1ً   20َ  16ْ   N
عبارة عن مرتفع تكثر على سطحه الكتل الصخرية الكبيرة المنتشرة في مساحة مرتفعه على حافة وادي أب جداد اليمنى بالقرب من منصبه من النيل ، تنشر البقايا الأثرية على سطحه من شقف الفخار والأدوات الحجرية وبقايا الأصداف والعظام. يبدو المظهر العام للموقع في شكل تل مسطح يبعد من النيل (2.875) متر يتوسط منطقة منخفضة على بعد أمتار قليلة من الوادي عندما يشكل منحنى من الجنوب إلي الشمال ليصب في نهر النيل ، حيث تظهر المنطقة المحيطة بالموقع من جهة الشمال كسهل منبسط في منظرها العام والجهة الجنوبية هي حافة وادي أب جداد الذي يأتي مندفعاً من الشرق ، أما الجهة الشرقية من الموقع فهي أكثر انخفاضاً ومنبسطة تحفها جبال تسمى سلسلة جبال أم مراحيك والجبيلات الحمر تابعة لهضبة السبلوقة وتشكل منحنى من الجبال يحجب الموقع من جهتين شمالية وشرقية. (شكل رقم 2).
                         شكل رقم (2) المظهر العام لموقع رتيج ومحيطه
 
يبدو من خلال هذه الوضعية ومظهر الأرض الطبيعي أن موقع الرتيج يتخذ موقعاً وسط لمجموعة من لموارد الطبيعة النيل ووادي أب جداد والجبال والسهول مما يجعل منه منطقة أنسب للتكيف البشري عليها وتشكيل مستوطنة دائمة ، حيث خرجت الدراسات الأولية من المسح الآثاري على سطح الموقع أنه يضم كمية هائلة من البقايا الأثرية التي تنتشر على سطح الموقع في مساحة (405) متر من الجنوب إلي الشمال و(200) متر من الشرق إلي الغرب (شكل رقم 3) وهي تتكون من شقف الفخار ذو الزخارف المثيلة بزخارف الخرطوم الباكرة من الخطوط المموجة والنقاط المموجة والفخار ذو السطح الخشن بجانب نماذج متعددة لفخار ثقافة الشهيناب ذو السطح الأملس والزخارف المعقدة التركيب كما وجدت أدوات حجرية على السطح يمكن اعتبارها بأنها تمثل الصناعات الدقيقة المعروفة بصناعات فترة الخرطوم الباكرة والتي مثلتها المكاشط الجانبية والنصال المشحوذة والصناعات المصقولة التي تمثل صناعات العصر الحجري الحديث المتأخر والتي مثلتها الفؤوس المصقولة. 

                                 شكل رقم (3) طبوغرافية موقع رتيج


 
في الجانب الآخر وجد انتشار كثيف لأدوات الرحى الكبيرة والصغيرة ، كما وجدت مراحيك على الصخور بكميات كثيرة ومختلفة من ناحية الحجم والعمق على طول مرتفع الموقع. (لوحة رقم 1).

لوحة رقم (1) توضح نموذج للمراحيك الصخرية في الموقع

وعلى هذا الأساس تم مسح الموقع الأثري من قبل الطلاب مع الوقوف على انتشار وتمدد اللقى الأثرية ومدى تمركزها فوق قمة التل وعلى جوانبه ومنها تم تحديد واختيار مربعات الحفر الآثاري بعد اختيار نقطة استرشادية (Datum Point) تمكن من توزيع مربعات الحفر الآثاري في الموقع مستقبلياً وتم اختيارها في الجهة الشرقية من الموقع على الاحداثيات

37.8ً     42َ     032ْ      E       25.1ً      20َ      16ْ      N
ومنها تم تحديد الخط القاعدي (Base Line) الخط الرأسي (Datum Line) ومنها تم تدريب الطلاب على استخدام الأجهزة المساعدة في الحفر الآثاري وعمل المخطط الشبكي واختيار مربعات الحفر الآثاري. (لوحة رقم 2).


لوحة رقم (2) تجهيز المخطط الشبكي

مربعات الحفر الآثاري

بعد عمل المخطط الشبكي العام للموقع الأثري تم توزيع الطلاب على مربعات الحفر الآثاري التي تم تخطيطها وفق نظرية فيثاغورت وجاءت نتائجها كالآتي:

درج الطلاب في اليوم الأول على محاولة وضع مربعات هذا الموسم في الخريطة العامة للموقع الأثري  وهذه الخطوة استغرت اليوم الأول للتدريب عليها كالآتي:

1- عمل الطلاب على تحديد النقطة الاسترشادية (Datum Point) للموقع والتي تم تحديدها بناءً على حجم الموقع وانتشار البقايا الأثرية عليه ، واختيار مكان حفريات هذا الموسم  بتحديد (Fix Point) والخط القاعدي (Base line) والخط الرأسي (Datum line) وتم تحديد هذين الخطين عبر الشواخص وجهاز تحديد المستوى كذلك تم تحديد خطين متوازيين بعرض (2) متر موازياً لخط الطول الرأسي في المكان الذي نريد فيه حفر المربعات بتوزيع المربعات على الموقع لاختبار فرضياتنا السابقة، ومن خلال هذين الخطين تم تحديد مربعات الحفر، وذلك عبر نظرية فيثاغورث مربع الوتر= مجموع مربعي الضلعين الآخرين ÷ 2 لتحديد مربع الوتر وذلك لتسهيل عملية اختبار التراصف الطبقي للموقع.

وتم تجهيز معدات الحفر الآثاري من جهاز (G.P.S) وجهاز (level) الذي يلازم عملية التنقيب طول الموسم مع إعداد مسطرينات الحفر الصغيرة والمتوسطة الحجم وفرش لنظافة اللقي الأثرية داخل المربع ولإخراجها بصورة سليمة، وخيوط لتخطيط المربعات وللرسم الآثاري مع خيط الثقل الرصاصي للرسم، وطورية وكوريك وعربة درداقة لنقل الأتربة وغربال، إضافة إلي كاميرات التصوير وطرابيز الرسم الآثاري وأوراق الرسم البياني وأقلام الرسم ودفتر اليوميات.

مربع (ZD 41 ):
تم اختيار هذا المربع في قمة المرتفع لاختبار التراصف الطبقي في المرتفع  ، حيث كشف المربع في طبقاته العليا عن كم هائل من طبقات الحريق والشقف الفخارية الداله على استيطان لمدة زمنية طويلة ويظهر تباين في لون التربة ما بين تلك الطبقات أشار إلي تعاقب زمني للاستيطان في هذه المساحة حيث كانت الطبقات العليا هشة تتخللها كميات هائلة من الشقف الفخارية والأدوات الحجرية ووجدت على الجانب كتل حجرية أصلية نسبة لطبيعة الموقع الصخرية في القمة حيث كانت الطبقة الأصلية على عمق (40) سم ، مما أشار إلي أن الاستيطان في المرتفع لم يكن عميق وفي المقابل تأثر بعوامل جرف الرياح والسيول لبعض الطبقات العليا – بلغت عدد الشقف الفخارية التي جمعت من المربع حوالي (353) قطعة بعضها كبير الحجم والبعض الآخر صغير وجدت متباينة ما بين الفخار ذو الزخارف الهندسية وهو ناعم الملمس في الطبقات العليا وهو أكثر تماثلاً مع فخار الفترة المتأخرة العصر الحجري الحديث المتأخر في موقع الكدادة وفخار موقع قلعة شنان. (Geus.1984:28 - 32). مع أن الطبقات العليا كشفت عن فخار خشن عليه بعض الزخارف لخطوط مموجة كما كشفت الصناعات الحجرية عن حوالي (186) أداة حجرية بعضها مكتمل الصنع والبعض الآخر شظايا من أدوات غير مكتملة الصنع معظم الصناعات كانت دقيقة الحجم من تقنية الصنال وسماتها النوعية معظمها تنحصر ما بين المكاشط والمثاقب والأهلة والمسننات. كذلك وجدت كميات كبيرة من الفحم ورماد الحريق والعظام بشقيها المحروق وغير المحروق. (لوحة رقم 3).
 

             لوحة رقم (3) توضح طريقة تخطيط المربع وحفره وتباين الطبقات فيه
 


البقايا الأثرية

الطبقة

شقف الفخار

الأدوات الحجرية

الأدوات العظمية

البقايا الخشبية

الخرز

العظام

القواقع

الطوب

طبقات الحريق

الأولى

113

36

6

0

0

عامة

5

0

عامة

الثانية

215

16

3

0

1

عامة

10

3

عامة

الثالثة

64

41

0

0

0

عامة

8

3

عامة

الرابعة

6

21

0

0

1

نادرة

3

0

نادرة
جدول رقم (1) يوضح محتويات مربع (ZD 41)
مربع (ZI 25):
تم اختيار هذا المربع في مساحة موازية للمربع السابق في الاتجاه الشرقي لاختبار مدى تمدد وانتشار البقايا الأثرية في المنخفض ، حيث كشف عن عمق طبقي كبير (50) سم احتوى على كميات هائلة ومتباينة من البقايا الأثرية ضمت الطبقات العليا قطع فخار كبيرة الحجم وكثيرة العدد معظمها يمثل فخار العصر الحجري الحديث المتأخر من الفخار ناعم الملمس وعليه زخارف المشط وبعض الزخارف الهندسية على الحافة وهو مثيل بفخار موقع قلعة شنان. (Nassr.2012:11) مع ذلك كشفت الطبقات السفلى عن فخار متدرج من الناعم للخشن والذي يحوي نماذج مختلفة من الزخارف والسطح المتدرج من الناعم إلي الخشن (لوحة رقم 4. مع ذلك كانت الصناعات الحجرية متعددة ما بين صناعة النصال المشحوذة والمكاشط الجانبية وبعض الأدوات المصقولة والمطروقة مثل أداة الفأس الحجري والقاوج. جمعت حوالي (621) قطعة فخارية و (345) أداة حجرية وعدد كبير من الفحم والعظام المحروقة وبعض الكتل الحجرية وكانت معظم المادة الأثرية متدرجة ما بين مثيلات الخرطوم الباكرة والشهيناب والكداة (Arkell. 1949-1953. Reinold.2008).



                    لوحة رقم (4) توضح نماذج متباينة لفخار المربع
 


البقايا الأثرية

الطبقة

شقف الفخار

الأدوات الحجرية

الأدوات العظمية

البقايا الخشبية

الخرز

العظام

القواقع

الطوب

طبقات الحريق

الأولى

187

47

2

0

0

نادرة

0

0

غياب

الثانية

264

168

3

0

2

عامة

2

0

عامة

الثالثة

82

72

1

0

0

عامة

5

0

عامة

الرابعة

54

38

0

0

1

نادرة

7

0

عامة

الخامسة

34

20

1

0

0

غياب

9

0

غياب
جدول رقم (2) يوضح محتويات مربع (ZI 25)
مربع (ZP 25):
في الجزء الجنوبي من المربع السابق في مساحة أكثر ارتفاعاً ، كشفت عمليات الحفر الآثاري فيه عن طبقات استيطانية حوت كميات كثيرة من مخلفات الاستيطان تمثلت في طبقات رديم الحرق والفحم والكتل الصخرية الكبيرة مع بقايا كثيرة لشقف الفخار الكبيرة والصغيرة والمتباينة من حيث مادة الصنع ما بين القابل الكسر والصلب ، فيما كانت الطبقات العليا قد ضمت فخار ناعم الملمس وعليه زخارف العصر الحجري الحديث المتأخر وكشفت الطبقات السفلى عن شقف فخار خشن وعليه زخارف الخطوط المموجة مع نقاط متراكمة ، وفي عمق (40) سم كشفت الحفريات عن امتداد كبير لمقابر دائرية حفرة الدفن بها ثلاث أشخاص على وضعية القرفصاء حيث وجدت الأولى في الجزء الشمالي من المربع وهي عبارة عن شخص مدفون على وضعية قرفصائية كاملة بدون أثاث جنائزي وجد الرأس جهة الغرب والوجهة جهة الجنوب والأرجل معكوفة قرب البطن وجدت العظام في حالة حفظ سيئة للغاية . (لوحة رقم 5).


 

لوحة رقم (5) توضح وضعية دفن المقبرة جنوب المربع
 وكذلك في الجزء الشمالي وقرب الوسط ظهر هيكل عظمي آخر وعند الحفر تبين أن هذه المقبرة تضم هيكلين الأول كامل القرفصائي الرأس جهة الغرب والهيكل العظمي الثاني قريب من الأول ويبدو أن الدفن كان على مراحل متعاقبة ، حيث لم يوجد أثاث جنائزي ظاهر فقط كميات من الخرز المصنوع من قشر بيض النعام على نوعين الأول دائري وغير سميك والثاني على شكل أسطواني وذو ألوان متباينة ما بين الأبيض والأخضر ‘ بعض الخرز صنع من الصخور.
وجدت الطبقة الأصلية بعد هذه الدفنات على عمق (50) سم ، حيث جمع من المربع حوالي (890) قطعة فخار وحوالي (370) أداة حجرية مع عدد من الخرز والعظام وعظام الأسماك التي يبدو أنها استخدمت في بعض الأغراض.


البقايا الأثرية

الطبقة

شقف الفخار

الأدوات الحجرية

الأدوات العظمية

البقايا الخشبية

الخرز

العظام

القواقع

الطوب

طبقات الحريق

الأولى

120

45

6

0

0

نادرة

0

0

غياب

الثانية

240

142

3

0

1

عامة

0

0

عامة

الثالثة

315

98

4

0

4

عامة

7

0

عامة

الرابعة

51

60

2

0

15

عامة

13

0

عامة

الخامسة

2

50

0

0

1

غياب

7

0

عامة

جدول رقم (3) يوضح محتويات مربع (ZP 25)

مربع (ZA 25):
يقع في الاتجاه الشمالي من المربعات السابقة تم اختياره بناء على أن بالموقع تنوع في الآثار والمخلفات الأثرية يشير إلي تنوع في الأنشطة الاقتصادية وذلك أن النظرة الطبوغرافية للمربع توحي بأنه على مساحة عالية ، خصوصاً وأن الموقع يحتوي على عدد من الكومات الترابية على السطح بعضها في شكل مقابر والأخرى على شكل بقايا استيطانية فكانت الأهداف الرئيسية لحفر هذا المربع هي اختبار الكومة الترابية والتعرف عليها كنموذج لتلك الكومات الترابية ومن ثم التعرف على مدى انتشار وعمق البقايا الأثرية في الجزء الشمالي من الموقع الأثري. هذا وقد أسفرت الحفريات فيه عن طبقات عليا ضمت بقايا طبقات سكنية وأماكن ايقاد النار مع العديد من الشقف الفخارية حيث بدأ الحفريات فيه بتنظيف الشكل الخارجي للصخور المتراصفة واتضح نها عبارة عن بناء فوقي لقبر رصت عليه صخور كبيرة من الصخر الرملي النوبي على شكل كروي. (لوحة رقم 6) ، وبعد توثيق هذا الشكل تمت ازالة الصخور حيث وجدت تربة طينية متماسكة وعلى عمق (50) سم من السطح بدأت تظهر صخور أخرى متراكمة بصورة منتظمة على شكل دائري في مساحة صغيرة قطرها حوالي (120) سم ، حيث تم رسمها وتوثيقها ومن ثم كشطها.


لوحة رقم (6) توضح البناء الفوقي للقبر
 وبعدها بدأت تظهر غرفة الدفن من خلال عدم تماسك تربتها وهي عبارة عن حفرة بيضاوية بطول حوالي (150) سم وعرض (70) سم واستمرت حتى عمق (130) سم حيث بدأت تظهر حفرة جانبية شبه دائرية صغيرة وجد بها الهيكل العظمي في الجانب الجنوبي الغربي وأمامه لطخات من الطين في شكل حماية ووجد الهيكل غير مكتمل حيث وجدت فقط الجمجمة والضلوع والأيدي وقليل من السلسلة الفقرية ولم يتم العثور على بقية الجسد ، حيث تم حفر المساحة من حوله ووجدت كلها طبقة أصلية في عمق (160) سم. (لوحة رقم 7).




لوحة رقم (7) توضح الهيكل العظمي وحفر الدفن

أسفرت عمليات الحفر الآثاري في المربع عن عدد هائل من البقايا الأثرية حيث بلغت الشقف الفخارية التي تم جمعها من طبقات المربع حتى عمق (160) سم حوالي (750) شقفة فخار وحوالي (356) أداة حجرية وكان أكثر ما يميز هذا المربع تعدد وتنوع العظام وطبقات الحريق مما يشير إلي مستويين من الأنشطة الاقتصادية الأول في الطبقات السفلى وهو مبكر وتكثر فيه عظام الحيوانات الكبيرة وقشر بيض النعام وعظام الأسماك والأدوات الحجرية من المكاشط مما يدل على التركيز على الصيد البري والنهري ، والثاني وجد في الطبقات العليا وكانت الأكثر ظهوراً فيه عظام صغيرة وعظام أسماك ووفرة في القطع الفخارية والأدوت العظمية مما يشير إلي تنوع في الصيد البري والنهري ولربما الرعي والزراعة لوجود أدوات الرحى بكثرة.
البقايا الأثرية
الطبقة
شقف الفخار
الأدوات الحجرية
الأدوات العظمية
البقايا الخشبية
الخرز
العظام
القواقع
الطوب
أو
الصخور
طبقات الحريق
الأولى
120
37
2
0
0
عامة
0
بناء فوقي
غياب
الثانية
78
58
3
0
1
عامة
0
بناء فوقي
عامة
الثالثة
230
113
5
0
0
عامة
0
غياب
عامة
الرابعة
280
128
7
0
1
عامة
3
عريشة
عامة
الخامسة
42
20
1
0
1
غياب
7
0
عامة
السادسة
0
0
0
0
16
هيكل عظمي
15
مبني من الطوب
عامة

جدول رقم (4) يوضح محتويات مربع (HH26) 

التراصف الطبقي لمستويات الكوم (ب) من خلال نتائج موسم (2013 B).
من خلال النظر للطبقات ومستويات تباين البقايا الأثرية في مربعات هذا الموسم الأول تبين أن موقع رتيج  يضم ثلاث مستويات أثرية تختلف فيما بينها زمنياً وأثرياً وهي  كالآتي:-
*ملحوظة: تتباين هذه المستويات بين كل مربع عن الآخر في العمق والمحتويات، وهذه خلاصة لمجمل الملاحظات عليها، كما أن المستوى لا يمثل طبقة استيطانية تختلف زمنياً عن الأخرى، في حين أنه قد يكون تراصفها يشير إلي تعاقب زمني، ولكن الواضح أن المستوى يمثل اختلافات في السياق الأثري رأسياً.
المستوى الأول: من السطح  - 20 سم هو عبارة عن تربة رسوبية مختلطة بالبقايا الأثرية تشتمل على بعض المخلفات الأثرية من شقف الفخار غير المزخرف وبعض زخارف النقاط  والزخارف الهندسية والفخار ناعم الملمس مع القليل من الأدوات الحجرية معظمها مصقول والصدف. (شكل رقم 4). وقد أثرت على هذا المستوى النشاطات الحالية وأزالت الكثير من السطح، كما اختلطت ببعض مخلفات الأهالي في المنطقة. ومن خلال مكونات هذا المستوى يمكننا اعتباره يمثل الفترة المتأخرة من العصر الحجري الحديث لتماثلة مع مخلفات مستوطنات العصر الحجري الحديث المتأخر في كل من الكدادة والصور وقلعة شنان (Reinold.2008, Sadsig.2008 – 2012, Nassr 2012).
المستوى الثاني: (20 – 40) سم  يختلف هذا المستوى بين مربعات الحفر الآثاري حيث يمثل هذا المستوى في بعض المربعات طبقة استيطانية من بقايا طبقات حريق ورديم من الرماد والعظام المحروقة وهو مستوى لآثار معظمها ترجع للفترة المبكرة من العصر الحجري الحديث دلت عليها الأدوات الحجرية كبيرة الحجم وأدوات الرحى والقطع الكثيرة من القاوج والفخار المثيل بفخار الشهيناب في السطح والزخارف وبه بعض المقابر الفقيرة الشبيه بمقابر موقع الطبقة الفقيرة من مقابر موقع الكدرو. (شكل رقم 4). (Arkell.1953, Krzyzaniak.1992).
المستوى الثالث: (40 – 50) يبدو هذا المستوى أكثر اختلافاً من المستويات حيث دلت عليه بعض البقايا الأثرية على السطح وهو عبارة عن طبقة خفيفة تكثر بهاش قف الفخار غير المزخرف والبعض مزخرف بخطوط مموجة ونقاط مموجة ويتسم الفخار عموماً بخشونة الملمس والسمك مع ذلك تكثر عظام الحيوانات الكبيرة في هذا المستوى وعظام الأسمال والأصداف على ثلاث أشكال وتمثلت الأدوات الحجرية في صناعة الأدوات الحجرية الدقيقة وتكثر بهذا المستوى المسننات والنصال والأدوات الصغيرة (Microlithic) المتمثلة في الأهلة والمؤشر والنصال ذات الظهر وبه بعض الدفنات الفقيرة وغير منتظمة الوضعية، وبصورة عامة يماثل هذا المستوى ثقافة الخرطوم الباكرة ومواقع العصر الحجري الوسيط في السودان الأوسط الخرطوم القديمة ومواقع عنيبس والدامر على نهر عطبرة. (Arkell.1949, Haaland and Magid.1995). (شكل رقم 4).
                  شكل رقم (4) يوضح التراصف الطبقي للمستويات الأثرية

الأدوات الحجرية في موقع رتيج:
وجدت بالموقع كميات هائلة من الأدوات الحجرية اختلفت من ناحية السمات التقنية والنوعية ، حيث كانت سمة تقنية النصال والأدوات الدقيقة السمة العامة فيما كانت تقنية الأدوات المصقولة نادرة الوجود ، في الجانب الآخر تنوعت الأدوات الحجرية من ناحية المادة الخام نسبة توفر الصخور بمنطقة السبلوقة حيت كانت معظم الأدوات مصنوعة من صخر البازلت وصخور الكوارتز والرويلت وتندر الأدوات المصنوعة من الكوارتز.
إلي جانب ذلك تنوعت الأدوات الحجرية من ناحية النوع حيث كانت المكاشط هي الأكثر وجوداً حيث وجدت منها المكاشط الجانبية والكروية مطروقة الجوانب وبعضها مشحوذة ومحدبة الظهر ووجدت الأدوات الدقيقة بكثرة من الأدوات الهلالية والمسننات ، وغلبت على معظم الأدوات وظيفة القطع فيما كانت ادوات الحفر نادرة الوجود ووجدت أدوات الرحى بشقيها أدوات الرحى السفلى وأدوات الرحي العليا.
بصورة عامة يمكننا تقسيم الأدوات الحجرية في موقع رتيج إلي أربعة مستويات متجانسة مع مستويات الموقع الأثري الثلاث منها أدوات الرحى والتي وجدت في كل مستويات الموقع الأثري ، والأدوات المصقولة والتي وجدت في المستوى الأول ووجدت منها الفؤوس المصقولة (Polish axes) (لوحة رقم 8) بعضها مصنوع من الصخر الرملي النوبي والبعض من الصوان بجانب الأدوات الحلقية المثقوبة (Stone Ring) والسوار المصقول (لوحة رقم 9). وهي مثيلة بصناعات العصر الحجري الحديث المتأخر في كل من الكدادة وقلعة شنان. (نصر.2011).


لوحة رقم (8) نموذج للفؤوس المصقولة    لوحة رقم (9) الأدوات الحلقية المثقوبة

 
في الجانب الآخر وجدت أدوات المستوى الثاني معظمها من الأدوات المشحوذة الجوانب والمسننة غلبت عليها أدوات القاوج (لوحة رقم 10) وكانت نسبة المسننات والأدوات الهلالية أقل وهي شبيه بصناعات العصر الحجري الحديث المبكر في كل من الشهيناب والكدرو . (Krzyzaniak.1992). بجانب ذلك وجدت نوع من المكاشط كبيرة الحجم ونصال مثلت الطور الثالث الأخير في الموقع (لوحة رقم 11) وهي شبيه بصناعت الخرطوم الباكرة. (Arkell.1949).


 
                  لوحة رقم (10) نماذج من القاوج               لوحة رقم (11) مكاشط جانبية
فخار موقع رتيج:
من المسلم به أن الفخار من أخصب البقايا الأثرية للدراسة خصوصاً في المواقع التي تعود لما قبل التاريخ كما من المتعارف عليه أن دراسة الفخار ذات أهمية قصوى وجوانب دراستها متعددة، ونكتفي في هذا المجال بمناقشة المحاور الأساسية للوصول إلي التطور التقني في صناعة الفخار في موقع رتيج، حتى نستخلص السمات المماثلة للمواقع الأخرى، والتي تعيننا في توريخ الموقع ، ومحاولة التعرف على السمات الفريدة وتتبع دلائل ظهورها بأنها ثقافة محلية في الموقع.( Mohammed-Ali & Susan. 1989:334)
يبدو من خلال دراسة الأدوات الحجرية أن موقع رتيج يضم تراصف طبقي عميق يشير إلي تعاقب زمني للنشاطات البشرية فيه ، وقد أكدت ذلك دراسة الفخار التي اعتمدنا فيها على دراسة بنية الشقف الفخارية وسطحها وزخارفها في محاولة لوضعها في قوالب زمنية.
كشفت الدراسة التحليلية عن فوارق كبيرة في فخار موقع رتيج يمكن حصرها في ثلاث أنواع الأول: فخار ذو سطح خشن وتطفو عليه زخارف الخطوط والنقاط المموجة مع سمك وخشونة في الملمس وكثرة في شقف الفخار غير المزخرف وهو الفخار الذي كان أكثر وجوداً في الطبقات السفلى وعلى السطح (لوحة رقم 12) وهذا النوع مثيل بقخار الخرطوم الباكرة ، وهناك الفخار ناعم الملمس الذي يمثل النوع الثاني والثالث. النوع الثاني  وجد أكثر انتشاراً في الطبقات الوسطى وتكثر عليه زخارف النقاط المتراكمة – المتعرجة والمستقيمة وهو ناعم الملمس وسميك الحواف مع أن الرسم الآثاري  أن معظم الأواني لهذا النوع من السلطانيات كبيرة و(لوحة رقم 13).

    لوحة رقم (12) توضح فخار النوع الأول         لوحة رقم (13) توضح فخار النوع الثاني

فيما كان النوع الثالث ناعم الملمس ونحيف السمك وطفت عليه الزخارف الهندسية وزخارف المشط والخطوط الناعمة وبعض النقاط المتعرجة على أشكال هندسية وتميز بصفة عامة بالملمس الناعم والسطح الملمع وظهرت فيه السلطانيات صغيرة الحجم وذات الفم المفتوح (لوحة رقم 14) وهو شبيه بفخار مواقع العصر الحجري الحديث المتأخر مواقع الكدادة والصور وقلعة شنان في منطقة شندي ، حيث وجدت عليه بعض الزخارف من الخطوط المموجة وزخرفة الحافة السوداء التي تبدي تماثلاً لهذا الموقع بمواقع فترة المجموعة (أ) وما قبل كرمة في شمال السودان. (Nordstroum.1972, Hongger.2004) بجانب ذلك وجدت بعض الصناعات الفخارية متمثلة في أدوات زخرفة الفخار المصنوعة من الطين المحروق (لوحة رقم 15) وكان هذا النوع من الفخار أكثر تواجداً في الطبقات العليا وبعض الأواني الفخارية المكتملة التي وجدوها السكان عن طريق الصدفة حول الموقع. (لوحة رقم 14).
         لوحة رقم (14) نموذج لفخار النوع الثالث      لوحة رقم (15) أداة زخرفة الفخار
 علاوة على ذلك ركزت الدراسة التحليلية للفخار في الموقع على السطح ودرجة الحريق فقد كشفت عن تطور هذه الصناعة حيث تعددت أنواع الفخار على النحو التالي:-
1-   الفخار الصلب (Hard Coarse Ware) – وهو أكثر الأنواع انتشاراً، ويشابه فخار موقع شق الدود، فقط الاختلاف في درجة الصلابة، إذ يعتبر فخار موقع شق الدود أشد صلابة نسبة لوجود حبيبات حصوية في تركيبة العجينة التي صنع منها الفخار. (Mohammed-Ali.1991:76). حيث تندر هذه الحبيبات في فخار موقع رتيج فقط بعض الحبيبات الرملية التي مزجت مع طينة سوداء، كما يقل في موقع رتيج الفخار المزركش الذي اشتهر في مواقع اقليم الخرطوم (Canneva.1993:77).
2-  الفخار الهش أو القابل للكسر (Friable Coarse Ware)- ووجد على نوعين أحدهما ناعم (Fine) وغير سميك وليست عليه صلابة واضحة وهو فخار النوع الثالث والثاني السميك الهش ويمثل فخار النوع الثاني، ويعتبر هذا النوع من الفخار أكثر انتشاراً في الطبقات العليا من موقع شق الدود وموقع الكدادة، ووجد في المستوى الأول والثاني في موقع رتيج مما يعتبر دليل على ظهور بعض السمات التي لم تظهر في تلك المواقع، وهذا ما يشير إلي تغير في تقنيته المحلية. (Mohammed-Ali.1991:74).
3-  وجد نوع من الفخار متوسط السمك وملمع على السطح الخارجي وهو فخار أحمر اللون وبعضه بني وتندر فيه الشقف السوداء وهو نادر وجد في المستوى الأول ووجدت له بعض النماذج في المستوى الثاني وكانت خشنة الملمس وسميكة.
4-                        هناك نوع من الفخار سميك وقابل للكسر ومعظمه غير مزخرف وجد أغلبه في المستوى الثالث الأسفل وهو مصنوع من الرمل الخشن وغير متماسك.
يدل التنوع في تركيبة الفخار وزخارفه وسطحه إلي أن هناك مستويات في التقنية، تشير إلي تسلسل زمني للنشاطات البشرية في صنع الفخار في الموقع، يمكن الاشارة إليها بفخار مبكر وفخار فترة وسطى فخار متأخر وفق ما هو متعارف عليه من فخار الفترة المتأخرة من ما قبل التاريخ في السودان الأوسط فخار الخرطوم الباكرة وفخار الشهيناب وفخار العصر الحجري الحديث المتأخر. (Sadig.2009:43).
المخلفات البيئية:
كانت أكثر أنواع السياق الأثري في الموقع يمكن حصرها في العظام الكبيرة بعضها محروق والبعض الآخر غير محروق تشير إلي عظام حيوانات برية كبيرة ، كما وجدت عظام حيوانات صغيرة بعضها عظام حيوانات مستألفة والبعض الآخر كانت عظام حيوانات برية حيث مثلت عظام الأسماك أكثر العظام تواجداً في المستويات الثلاث ، بجانب ذلك مثلت القواقع ثلاث أنواع منها الأصداف ذات الشكل الحلزوني (Pila Ouata) والأصداف ذات الشكل الكروي كبيرة الحجم (Etheria Elliptica) والأصداف ذات الشكل اللولبي (Limocoloria) (لوحة رقم 16) استخدمت تلك الأصداف في الغالب العام في الغذاء ، حيث وجدت منها بعض أنواع أدوات الزينة مثل الخرز المصنوع من الأصداف وقشر بيض النعام.
كما وجدت بعض العظام الصغيرة التي تشير إلي أنها لربما عظام طيور ، كما وجدت بعض الأدوات التي صنعت من العظام ومثلتها نوع من المخارز العظمية طويلة ومحددة على الجانبين (لوحة رقم (17) وهي شبيه ببعض الأدوات التي عثر عليها آركل في الخرطوم القديمة ، بجانب ذلك وجد عدد كبير من عظام الأسماك المحددة من الأمام والتي يبدو أنها استخدمت في بعض الأغراض مثل الصنانير العظمية.
لم توجد دلائل واضحة لبقايا نباتية فقط تمثلت في بعض الطبعات التي وجدت على الشقف الفخارية وأدوات الرحى بكميات كبيرة مما يدل على وجود جمع للنبات ولربما زراعة.
  لوحة رقم (16) توضح نماذج من الأصداف    لوحة رقم (17) الأداة العظمية محددة الجانبين
 
تمخضت عن دراسة المخلفات البيئية في موقع رتيج، أن الصيد البري كان يمثل دعامة اقتصادية كبرى لسكان الموقع مع الصيد النهري الذي يمثل دعامة ثانية، وذلك ما أشار إليه التنوع في العظام ما بين عظام الأسماك الكبيرة والصغيرة مع عظام الحيوانات الصغيرة (لوحة رقم 18) في الجانب الآخر كانت عظام الحيوانات الكبيرة أكثر وجوداً مثل قرون الأبقار وعظامها ولا يمكن التكهن بأنها عظام أبقار برية أم مدجنة (لوحة رقم 19) ، غير أن أدوات الصيد النهري من الصنانير والأدوات العظمية أي تلك الأدوات التي عثر عليها في أغلب مواقع العصر الحجري الحديث في منطقة الخرطوم. (Haaland.1978:34) تندر في موقع رتيج مع أنه تظهر بقايا عظام الأسماك في طبقات الحفر وعلى السطح يشير إلي ممارسة إنسان المنطقة لهذا النمط من الصيد خصوصاً وأن الموقع قريب من النيل.
      لوحة رقم (18) عظام حيوانات صغيرة وأسماك   لوحة رقم (19) عظام وقرون أبقار
 
إضافة إلي ذلك فقد وجدت أدوات الزينة في موقع رتيج بصورة كبيرة  حول المستويات الوسطى من طبقات الموقع وبعضها مرافق للدفنات ووجدت أكثر تنوعاً ما بين الخرز المتعدد الألوان والأشكال منه القطع الدائرية والاسطوانية والمتدرج في الحجم وبعض الخرز المصنوع من الأصداف، وأظهرت الحفريات بعض قطع أداة الشفة التي وجدت بصورة شائعة في مواقع الفترة المتأخرة من العصر الحجري الحديث في وسط السودان.

المقابر:
كشفت حفريات هذا الموسم عن أربع مقابر تنحصر في نوعين من عادات وتقاليد الدفن ، النوع الأول هي المقبرة التي وجدت أسفل الكوم الدائري وهي بالطبع لا تعود لما قبل التاريخ ، بل مثيله بمقابر الفترة المتأخرة من الحضارة المروية أو فترة ما بعد مروي ، من خلال البناء الفوقي وحفرة الدفن (شكل رقم 4)، غير أن وجود الهيكل العظمي غير مكتمل هو أمر يحتاج لوقفة وتقصي ما بين من أنها نوع من طقوس الدفن في تلك الفترة أو أنها حالة خاصة لشخص محارب أو لقي حتفه أثر صراع مع بشر أو حيوانات مفترسة ، في كل الأحوال يبقى الأمر قيد الدراسة والتقصي.
شكل رقم (4) يوضح الشكل الداخلي للقبر الدائري
أما النوع الثاني من المقابر تمثل في ثلاث هياكل عظمية غلبت عليها سمة الدفن في حفرة دائرية أو بيضاوية والمتوفى على وضعية القرفصاء مع اختلاف في اتجاه المتوفى ما بين الغرب والجنوب ، ووجدت وضعية القرفصاء كاملة وتمثل الأثاث الجنائزي فقط أنواع من الخرز الدائري والأسطواني ووجد معظمه حول العنق ، وجدت هذه الهياكل بحالة حفظ سيئة وفي مستويات سفلى ما بين (35 – 45) سم وبعض الهياكل تم دفنها بصورة غير منتظمة وفوق بعضها البعض كما تأثرت باستيطان المجموعات اللاحقة ونشاطاتهم ويبدو أنها مثيلة بدفنات الخرطوم الباكرة وبعض المقابر التي وجدت للعصر الحجري الحديث المبكر في موقع الكدرو. (شكل رقم 5).
أشار تراكم المقابر الثلاث في مربع واحد إلي أن الموقع استغل في السكن بجانب الدفن معاً ويبدو أن المقابر تركزت في الجزء الجنوبي من الموقع أو أن الموقع استخدم كمستوطنة وفي فترات لاحقة تم دفن الموتى بجانب الاستيطان وفي حيز منفصل.

شكل رقم (5) نموذج لمقابر موقع رتيج ذات الدفن القرفصائي
يشير ضم الموقع للمقابر بجانب الاستيطان إلي مستوطنة دائمة تكيفت مع المحيط البيئي واستغل سكانها الموارد النهرية بجانب الأودية والسهول والجبال لفترة زمنية طويلة ونسبة لضيق حيز تنقيبات هذا الموسم جاءت النتائج مقتصرة على الفهم العام للموقع ولربما تسفر المواسم الآتية عن نتائج أكثر توسعاً تسمح بالفهم العام لهذه المستوطنة وعلاقتها بمستوطنات ما قبل التاريخ المتأخر في السودان.
 
خلاصة:
بناء على هذه نتائج للموسم الأول خلصت الدراسة الأولية إلي أن موقع رتيج من مواقع ما قبل التاريخ المتأخر التي شهدت تمدد زمني لفترة طويلة كون سجل ثقافي عميق البؤر الثقافي مكون حلقات في شكل ثلاث أطور ثقافية الخرطوم الباكرة (العصر الحجري الوسيط) وثقافة الشهيناب (العصر الحجري الحديث) وثقافة نهايات العصر الحجري الحديث ، إذ يحتوى الموقع على آثار لمستوطنة عمرت في منطقة السبلوقة لفترات زمنية طويلة من بدايات الهولوسين المبكر وحتى المتأخر ، وتكيفت مع البيئة المحيطة التي وفرت لها مناخاً طيباً في المرتكزات الاقتصادية والموارد الطبيعية ، حيث اعتمد سكان هذا الموقع على الصيد النهري متمثلاً في صيد الأسماك مع الصيد البري للحيوانات الكبيرة والصغيرة واستغلت هذه المجموعة السهول المحيطة بالموقع مع الأودية في الحبوب للغذاء مع رعي الحيوانات الأليفة المتمثلة في الضان والماعز والأبقار وهذا ما دلت عليه البينة الأثرية التي أسفرت عنها تنقيبات هذا الموسم.
إن أكثر ما يميز السياق الأثري لهذا الموقع عن وصيفاته من مواقع ما قبل التاريخ المتأخر في السودان الأوسط هو احتوائه على فخار الخطوط المموجة بنوعين الأول خشن الملمس وهو ما يمثل فخار الخرطوم الباكرة والثاني عليه خطوط مموجة في شكل هندسي مع إنه ناعم الملمس وهو ما يشير إلي فخار عصر حجري حديث حيث تم مزج سمتين في صناعة فخارية واحدة زخرفة الخطوط وتلميع السطح بجانب ذلك ضم الموقع نوع من الفخار الناعم ونحيف السمك وذو حواف منحية وفم مفتوح وهو فخار كثير الوجود في طبقات الفترة المتأخرة من العصر الحجري الحديث في وسط السودان والعصر النحاسي في شمال السودان ، وما يشد من قوة افتراض استمرار الموقع بثلاث أطوار ثقافية هي نتائج دراسة الأدوات الحجرية التي يمكن أن نستخلص منها أن هناك ثلاث سمات تقنية مع عدد من السمات النوعية تنحصر في تقنية الأدوات الدقيقة المبكرة والتي صاحبت ثقافات الخرطوم الباكرة وتقنية النصال المشحوذة والمسننة الهندسية والتي وجدت منها أدوات القاوج وهي بالطبع تمثل فترة العصر الحجري الحديث (ثقافة الشهيناب) وكانت تقنية الأدوات المصقولة هي مؤشر لنهايات العصر الحجري الحديث والتي مثلتها الفؤوس المصقولة.
 
وقد أوضحت حفريات هذا الموسم الطابع الثقافي أن سكان موقع رتيج خلال هذه الأطوار الثقافية قد صنعوا فخار بصورة رائعة وتفننوا في صنع الأدوات الحجرية وعكسوا ذلك في أثارهم وعلى وجه الخصوص في في الطور الثاني والثالث الذي وصلت فيه ثقافتهم مرحلة من التعقيد ، حيث أشارت محتوياتها إلي اختلافاً في كمية ونوعية المادة الأثرية ما الثقافة المبكرة والمتأخرة. كما أشارت هذه الحفريات إلي مدى التطور الثقافي الذي وصلت إليه هذه المستوطنة في الاقتصاد.
تجانست آثار هذه المجموعة السكانية مع بعض مجموعات العصر الحجري الحديث في السودان الأوسط ، الأمر الذي أشار إلي وجود علاقات وتبادل ثقافي بين مجموعات هذا العصر كما أن تباين آثار هذا الموقع مع تلك المواقع عكس نوعاً من التكيفات الاقليمية لمنطقة السبلوقة عن بقية أنحاء السودان خلال مراحل الهولوسين الوسطى والمتأخرة.
وفي المقابل طرحت هذه الحفريات بعض الأسئلة التي يجب على الدراسات التالية الحفر من أجل الأجابة عليها ، وهي تكمن في مدى تمدد ثقافة هذه الأطوار الثلاث في الموقع كماً لتعكس تقديراً للكثافة السكانية بالموقع مع التقصي حول السمات العامة للأوجه المفصلية ما بين كل طور ولماذا ؟ ، أما أن قلة الأدوات العظمية وعدم ظهور التماثيل الأنثوية هو أمر غامض هل لم تكن هذه المجموعة تمارس هذا النوع من الصناعات أم أن قلة الحفريات هو سبب في عدم العثور عليها. وهناك سؤال ما زال يراود مكانه ما هو السبب الذي حجب هذه القرية دون أن تصل إلي مدينة وحجمها عن التطور خلال العصر البرونزي وإلي أين اتجهت هذه المجموعة بعد العصر الحجري الحديث وما علاقتها بتلك المجموعات التي كونت العصر النحاسي في شمال السودان والعصر البرونزي.
كما أن مسألة الاستمرار الثقافي لهذه المجموعة من الطور الأول حتى الطور الأخير هو أمر غامض ولا يمكن الاصفاح عنه الا بالتواريخ الراديوكربونية ، للإجابة على سؤال الاستقرار في الموقع منذ العصر الحجري الوسيط وحتى نهايات الحديث وإن وجدت استمرارية يصبح البحث عن لماذا الاستمرارية وهل كانت فترات تحركات إلي مناطق بعينها ثم العودة فيما يعني استيطان موسمي والبحث عن علاقات التبادل الثقافي وكيف كان ما بين غرب النيل وشرقه ومنطقة الخرطوم وشندي وهو ما يحتاج لمسوحات بصورة أوسع وأشمل في سبيل الكشف عن الغموض الذي كان وما زال يلازم أبحاث الفترة المتأخرة من ما قبل التاريخ في وسط السودان.

 
المراجع والمصادر:
1.    خالد. أمجد بشير على . 2013م. أنماط الاستيطان البشري القديم في المنطقة ما بين الجيلي وحجر العسل. رسالة ماجستير غير منشورة. جامعة شندي.
2.    نصر. أحمد حامد. 2011م نتائج حفريات جامعة شندي في موقع قلعة شنان. مجلة جامعة شندي – العدد العاشر يناير 2011م. ص 85 – 113. 
3.    Almond, D. and Ahmed, F, 1993. Field Guids to the Geology of the Sabalka inlier, central Sudan. First Published. Khartoum University. Sudan.
4.    Arkell, A.j. 1949 . Early Khartoum. London: Oxford University press.
5.    Arkell, A. J. 1953. Shaheinab. London: Oxford University press.
6.    Caneva, I. 1993. Report on the 1991 Campaign of Excavation. The Italian Mission for Prehistoric Research in Egypt and the Sudan: surveys and Excavation in the Khartoum province 1970 – 1989. Kush, Vol xvi. Khartoum. PP 74 – 97.
7.    Crawford, J.W. 1964. the Fung king Dom of Sennar, Oxford University, Oxford.
8.    Edwards, N. 1989. Archaeology and Settlement in Upper Nubia in the 1 st Millennium A.D. Cambridge Monographs in African Archaeology 36. B,A.R . SA 537.
9.    Dawoud, A. S. and Sadig, A. 1988, “Structural and Gravity Evidence for an Uplifted Pan – African granite Teurain in the Sabloka Inlier, Sudan”, Journal of African Earth Sciences. 516. 7: 789 – 794.
10.                       Geus, F. 1984. Recuing Sudan’s Ancient Culture. Khartoum: French Unit of the Directorate General of Antiq uities and National Museums of the Sudan.
11.                       Haaland. R. 1987. “Problems in the Mesolithic and Neolithic Culture-history in the Central Nile Valley, Sudan”. In: Hagg. T. (ed.). Nubian Culture Past and Present. Main papers presented at the Sixth International Conference for Nubian Studies in Uppsala 11-16 August 1986. Uppsala. 47-74.
12.                       Haaland, R. & Anwer. M. 1995. aqualithic sites along the River Nile and Atbara. Sudan. Bergin: Alma Mater Press.
13.                       Hinze, F. 1959. “Preliminary Report of the Butana Expedition”, 1958, Kush, 7: 96 – 171.
14.                       Honegger. M. 2004. “The Pre-Kerma: a cultural group from Upper Nubia prior to the Kerma civilisatoin. Sudan and Nubia. The Sudan Archaeological Research Society, Bulletin 8. 38-46.
15.                       Krzyzaniak. L. 1992. «The Later Prehistory of the Upper (Main) Nile: Comments on the Current State of the Research». In: Klees F.and Kuper R. (eds): New Light on the Northeast African Past, Köln: Heinrich-Barth Institut. 241-248.
16.                       Marks. A.E. and Mohammed-Ali. A. 1991. The Mesolithic and Neolithic of Shaqadud, Sudan. Dallas: Southern Methodist University Press.
17.                       Mohammed-Ali & Susan. E. J. 1989, The early ceramics of the Eastern Butana (Sudan) ‘ late prehistory of the Nile Basin and the Sahara poznan. 232 – 247.
18.                       Nassr. H. Ahmed. 2012.”Qalaat Shanan: large Neolithic site in Shendi Town. Sudan & Nubia. The Sudan Archaeological Research Society, Bulletin No. 16: 8-13.
19.                       Nordström. H.A. 1972. Neolithic and A-group Sites. The Scandinavian Joint Expedition to Sudanese Nubia. Upsalla: Scandinavian University Books.
20.                       Reinold. J. 2008. La nécropole néolithique d’el-Kadada au Soudan Central - Volume I Les cimetières A et B (NE-36-O/3-V-2 et NE-36-O/3-V-3) du kôm principal. Editions Recherche sur les Civilisations (ERC) ; CULTURESFRANCE (ex ADPF et AFAA).
21.                       Sadig. A.M. 2005. “Es-Sour: a Late Neolithic site near Meroe”. Sudan and Nubia. The Sudan Archaeological Research Society, Bulletin No. 9: 40-46.
22.                       Sadig, M. A. 2010. The Neolithic of the Middle Nile Region, An Archaeology of central Sudan and Nubia. Kampala.
23.                       Sadig, M. A. 2012. Chronology and Cultural development of the Sudanese Neolithic. In Wein.2012 .BEITRÄGE ZUR SUDANFORSCHUNG 11. 137- 184.
24.                       Sadig, A. And Almound, D. C 1974. “A Gravity study of the Sabloka Igneuous Compex, Sudan”, Journal of the Geological Society. 130 – 3.
25.                       Sukova, L. V 2011. Gearchaeological Resarch in the area of sablaoka andsixth nile cataract (ferbruary 17 – 26, 2011) Detailed Archacology report”, Unpublished filed work report for NCAM.