Monday, September 30, 2013

ملخص لمواضيع مقرر العصر الحجري الحديث في السودان- الفرقة الثانية - الفصل الدراسي الأول - قسم الآثار - جامعة النيلين

يحتوي هذا الملخص على عرض لمعلومات تم جمعها من عدد المراجع والمصادر موجوده في آخر الملخص. يشتمل الملخص على مواضيع مختلفة عن فترة العصر الحجري الحديث - فعلى الطلاب الاستعانة به مع ما تم جمعه من معلومات في شكل نقاط أثناء المحاضرة لتكوين ملف عن مقرر العصر الحجري الحديث في السودان - كما يستلزم الأمر الاطلاع على عدد من المراجع المرفقة في نهاية بمكتبة الكلية - والمواقع الالكترونية المختصة وجمع بعض المقال التي سيتم ترجمتها لأعمال سنة أثناء فترة التدريس: والله ولي التوفيق.

مفـــــــــــــردات المقـــــــــــــــرر
1-  مفهوم العصر الحجري  الحديث.
2-  السمات العامة للعصر الحجري الحديث.
3-  نماذج لثقافات العصر الحجري الحديث في العالم.
4-  العصر الحجري الحديث في وادي النيل (مصر والسودان).
5-  تاريخ الكشف الآثاري عن العصر الحجري الحديث في السودان.
6-  البيئة في الفترات المتأخرة من ما قبل التاريخ.
7-  العصر الحجري الوسيط في السودان.
أ‌-        موقع مستشفى الخرطوم.
ب‌-   موقع القوز والتطور من العصر الحجري الوسيط إلي العصر الحجري الحديث
8-  التسلسل الكرنولوجي لمواقع العصر الحجري الحديث.
9-  السمات التقنية والمميزات الثقافية للعصر الحجري الحديث في السودان.
10-                      الانتشار الجغرافي لمواقع العصر الحجري الحديث.
أ‌-      إقليم الخرطوم :(Khartown Region).
ب‌-  مواقع الضفة اليسري لنهر النيل.
ت‌-  مواقع الضفة اليمني لنهر النيل.
ث‌-  مواقع الضفة الغربية للنيل الأبيض.
ج‌-   مواقع النيل الأزرق.
ح‌-   مواقع غرب السودان.
خ‌-   مواقع البطانة.
د‌-     مواقع منطقة شندى.
ذ‌-     المواقع بين الشلال الرابع والثالث (قطاع دنقلا).
ر‌-    العصر الحجري الحديث في النوبة السفلى (ثقافة نوع الخرطوم)
11-                      أنماط الإستيطان البشري للعصر الحجري الحديث.
12-                      التطور الاقتصادي لإنسان العصر الحجري الحديث في السودان.
13-                      المجتمع وعادات الدفن خلال العصر الحجري الحديث.
14-                      نهايات العصر الحجري الحديث.
15-                      المراجع والمصادر.




بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم العصر الحجري الحديث  (Neolithic Age Definition)

العصر الحجري الحديث = العصر الحجري الجديد = Neolithic  = New stone Age = Niolitic Era
= ثقافة الشاهيناب = ثقافة القاوج

يعد ظهور علم الآثار الحالي نتاج لعملية مخاض متعسرة جاءت خلاصتها بعد اجتهادات كثيرة حتى توصلوا إلي فهم عدد من عصور تطور البشر، وقد ساقوا تسميات لتلك العصور من أجل تسهيل عرض الحوادث عرضاً زمنياً استناداً على المعطيات الأثرية وقد  راعو التغير الثقافي من فترة إلي أخرى ومن منطقه إلى أخرى باعتبار آليات التغير هي محطات فصل للأوجه الحضارية عن بعضها البعض مثل اكتشاف النار واكتشاف الزراعة والاستقرار واستئناس الحيوان وصناعه الفخار والمعادن وعلى هذا الأساس تم تقسيم العصور القديمة التي شغلها الإنسان إلى عصور ما قبل التاريخ (Prehistory) والمعنى اللغوي لهذا المصطلح يقصد به العصور التي سبقت الكتابة ويعني تلك الفترة الطويلة منذ ظهور الإنسان الأول قبل اختراع الكتابة التدوين وحتى فترة ظهور الكتابة والعصور التاريخية (Historical period) وهى الفترة التي ظهرت فيها الكتابة ويرادف هذا المصطلح بداية نشؤ الحضارة والمعمار في مراكز الحضارات القديمة الأولى وأقدمها حضارة وادي النيل وبلاد الرافدين.
     تمثل فترة ما قبل التاريخ الجزء الأعظم من حياة الإنسان وقد ابتدع هذا المصطلح (Prehistory) تورنال أمين متحف ناربون عام 1833م وعممه دانيال دلسون عام 1851م في كتابه (أثار وحوليات ما قبل التاريخ في اسكتدلندا ) وهو يتكون من مقطعين (Pre) بمعنى قبل و(History) بمعنى التاريخ، وعليه درج الباحثون على تقسيم  العصور علي حسب الأنشطة البشرية إلى عصور حجريه، برونزية وحديدية، ذلك التقسيم الذي ذكره لوكريتيوس (Lucretuis) (96-55 ق م) في قصيدته (De  Rerum Nature ).
 إن فكره العصور الثلاث هذه كانت هي الأساس الذي بنى عليه العالم فيدل سايمونسين (Redel Simonseen) افتراضاته في تاريخ سكان اسكندنافيا في العقد الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي وقد تطور هذا التصنيف علي يد الدنماركي كريستيان طومسون (Thomson)  عندما نشر نظريته التي سميت بنظام العصور الثلاثة (Three Ages System) في العام 1836م كما طور جنزورسا (Jen Wor Soae)1821 -1885م تصنيف طومسون وأثبت صحة هذا التصنيف بأنه تصنيفاً تقنياً.
  أول من أستخدم مصطلح عصر حجري حديث (Neolithic) هو البريطاني جون لوبك ((John Lubbock1865 م عندما طرح ذلك في كتابه (أزمان ما قبل التاريخ) وقسمها إلي عصر حجري قديم (Paleolithic) وعصر حجري حديث (Neolithic) بعد أن لاحظ تبايناً واضحاً في تلك الأدوات التي ترجع إلى العصر الحجري بوجه عام ، وعقبه وستروب بتعديل آخر وهو إضافة عصر حجري وسيط (Mesolithic age) ليسد الفراق بين العصرين القديم والحديث ، وليستوعب تلك المخلفات الحضارية الاسكندنافيه التي أعقبت نهاية العصر الجليدي.
كذلك من الباحثين الذين ناقشوا مفهوم العصر الحجري الحديث، أمثال (Childe 1952)، الذي عرفه  بأنه العصر الذي حدثت فيه الثورة (revolution) والذي تمتع فيه الإنسان بإنتاج الطعام بواسطة زراعة النبات (plant cultivation) وتربية الحيوان (Animal  breeding) كما عرفه رينفرو وبالم بأنه (Renfrew and Balm 1998 ) بأنه فترة الكرنولوجيا الحجرية القديمة التي تميزت بظهور الزراعة وازدياد حالات الاستقرار في المجتمع والعالم توماس (Thomas 1999) يشير للعصر الحجري الحديث بالتطور وفق فترات زمنية على حسب التطور في الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والظواهر الثقافية.
ونلاحظ أن تقسيم العصور الحجرية إلي ثلاثة قد استند علي الأساليب الخاصة لإنسان تلك العصور في المعيشة والحياة الاقتصادية، وتبدل الحياة من الجمع والصيد (Hunter and gather ) إلى إنتاج الإنسان لطعامه بالزراعة واستئناس الحيوان (Domestication) ولذا سمي هذا العصر بعصر إنتاج الطعام (Food Production)  أي فترة الانتقال من جمع الطعام إلي إنتاجه ولذلك نجد أن العصر الحجري الحديث لم يعقب العصر الحجري القديم مباشرة بل توجد بينهما فترة تختلف في قصرها وطولها من قطر إلى آخر، وهي فترة العصر الحجري الوسيط وكما توجد فترة حضارية مهمة تفصل ما بين نهاية العصر الحجري الحديث وبداية العصور التاريخية في معظم أقطار الشرق الأدنى أطلق عليها مصطلح الحجري المعدني (Chalcolithic) والتي تمت فيها جملة من الاختراعات  ومنجزات حضارية مهمة كانت بمثابة فجر الحضارة والتي مهدت لظهور الفترة التاريخية في مطلع الألف الرابع والثالث قبل الميلاد.
 وقد أصبحت بدايات العصر الحجري الحديث مرهونة ببداية التحول إلى الزراعة والرعي أو كليهما. وتشير بعض الدراسات إلى اختلاف في ظهوره في العالم كالآتي:-
1-     في الشرق الأوسط منذ الألفية العاشرة قبل الميلاد --- وتميز بظهور القرى الزراعية.
2-     في شمال ووسط أوربا ما بين الألفية السادسة  - الألفية الرابعة قبل الميلاد ---- ويعتبر ظهور الفخار مميز للعصر الحجري الحديث في أوربا الشرقية وفي أوربا الغربية ارتبط بالتحول في الاقتصاد.
3-     في سواحل البحر الأبيض المتوسط ظهر الفخار واستئناس الحيوان قبل زراعة الحبوب.
4-     في المناطق الأخرى من العالم صاحب الصيد والجمع المجموعات المستقرة قبل الزراعة أو أنهم استخدموا الفخار والصناعات الحجرية بدون تطور في نمط الزراعة والرعي.
وفي السودان قد شاب مفهوم العصر الحجري الحديث بعض الغموض والاختلاف بين الباحثين في تحديده، فقد ظهر الفخار في موقع مستشفي الخرطوم حوالي 7000ق م، واعتبرها بعض الدارسين بداية العصر الحجري الحديث لما ظهر فيها من فخار ودلائل الاستقرار علي الرغم من عدم العثور علي دلائل الاستئناس وقد ظهر الاختلاف  بينها وبين تلك الثقافة التي ظهرت في الشاهيناب ومثيلاتها في الأدوات المصقولة ونوع الفخار والبنية الاقتصادية بظهور عظام الماعز القزمي (Dwarf goat ) في موقع الشاهيناب وعظام الأبقار وبذور النباتات في المواقع الأخرى، كما أطلق بعض الدارسين مفهوم العصر الحجري الحديث، علي بعض المواقع التي اشتملت علي الفخار والاستيطان الدائم وشبه الدائم ودلائل الاقتصاد المستقر. ووجدت أكثر مواقع هذا العصر في أواسط السودان وأغلبها احتوت علي كميات من شقف الفخار والأدوات الحجرية إضافة إلي المدافن وأدوات الزينة مع ارتباط الإنسان بالجمع والصيد قبل ظهور المستوطنات الزراعية.                                                                                                      وأصبح هذا المفهوم يطلق تقليدياً علي المواقع التي اشتملت علي حجارة الرحى (Ground stone) والأدوات المصقولة التي صنعت منها الأسلحة وهي أدوات ذات الخصوصية في الاستخدام والتعددية. ، ويمكن أن نعرف هذا العصر و خصوصيته في السودان بالعصر الذي تطورت فيه المجتمعات من ناحية الاقتصاد والأيديولوجيا  الفكرية أكثر من التطور في التقنية الحجرية وهنالك  اختلافات بين تحديد هذا المفهوم من خلال المدى الزمني والامتداد الجغرافي .

السمات العامة للعصر الحجري الحديث
تميز فترة العصر الحجري الحديث في العالم بالتطور الملموس ومحافظة الإنسان علي الأساليب السابقة لتصنيع الحجر والعظم واستطاع أن يحقق قفزه جديدة في مسار تطور تقنيته باختراع الأساليب التي واكبت النقلة التطورية والتغير البيئي  ووفرة الموارد الطبيعية وهناك أربعة عناصر ثقافية تحدد العصر الحجري الحديث في العالم :-
1-   ظهور الفخار. 2- الأدوات المصقولة . 3-أدوات الطحن .4- استئناس الحيوان والنبات


 فؤوس حجرية توضح ظهور الأدوات المصقولة في العصر الحجري الحديث من جزيرة أردوان في شمال السودان

 فأس حجري توضح ظهور الأدوات المصقولة في العصر الحجري الحديث من موقع قلعة شنان بمنطقة شندي
وقد ربط الباحثين ظهور هذه التقنيات بقضيتين هما:-
إنتاج الطعام وتلك المميزات السابقة
أطلق تشايلد تعبير ثورة العصر الحجري الحديث(Neolithic Revolution) في كتابه ((Man Makes Him Self حينما قام بتقسيم حياه الإنسان إلي مراحل أطلق عليها تعبير ثورات علي أساس أن المراحل الحاسمة في حياة الإنسان تعتبر بمثابة انقلابات وتغيرات رئيسية وقد ركز اهتمامه علي ثورة إنتاج الطعام والتواصل إلي المرحلة الحضرية أو المدنية وأيضاً إلي الثورة الصناعية ويقصد جايلد بذلك أن تبدل أساليب الصيد إلي الزراعة وتربية الحيوان هو إنقلاب اقتصادي قاد إلي الحضارة والمدنية ومع ذلك أي هذا التعبير(ثوره) يستوجب الحذر في استخدامه، وذلك لما تحمله كلمة ثورة من معاني لتغيرات فجائية ويبين الواقع أن مرحلة إنتاج الطعام قد مرت بعدد من التطورات الثقافية الممهدة للإنتاج وهذا ما أشار إليه (ري رد فيلد) (R.redfield)، والذي يري أن ما يسمي بثوره العصر الحجري الحديث أو ثورة إنتاج الطعام ما هو إلا تحول ((Transition من مرحلة إلتقاط الطعام إلي مرحلة إنتاجه ويعتبر هذه المرحلة ليست ثوره في حياة الإنسان ويشير إلي أنه من الممكن نشأة  قري دون التوصل إلي الزراعة مثل قري الهنود الحمر الصيادين في شمال غرب الولايات المتحدة الأمريكية وقري الصيادين علي مداخل اسكندنافية .
وقد أشار كل من رالف بيلز (Ralph,l Beels) وهاري هويجر (Hary Hoijer) أن جايلد لايعني بالثورة تغيراً عنيفاً في أساليب حياة الناس وإنما كان يعني ممارسة الزراعة ما أن بدأت حتى أدت في النهاية إلي حدوث، اختلاف جزري في اسلوب حياة الناس.
ويلاحظ أن هناك سؤال يطرح نفسه عند استخدام تعبير ثورة، وهو إلي أي مدى كانت فترة العصر الحجري الحديث ثورة،؟ فهي يمكن أن تكون ثورة إذا اعتبرنا أن الثورة هي التغيير الجزري ، الذي حدث في مظاهر حياة الناس من التغييرات الصناعية والاقتصادية التي أثرت في حياة الإنسان ودفعته إلي الأمام بسرعة، ومعنى ذلك أن كل مرحلة ثقافية يمكن أن تعتبر (كثورة)، ولكن إذا اعتبرنا أن الثورة هي تغيير مفاجئ وسريع فستقابلنا مشكلة حقيقية عند التعامل مع مميزات العصر الحجري الحديث، والتي لم تظهر فجأة ولم تظهر كثورة وإنما كانت لها بدايات في العصر الحجري القديم، وأن تلك المميزات السابقة التي تميز العصر الحجري الحديث، لا ينطبق عليها تعبير الثورة الذي أشار إليه جايلد، غير أنها مميزات ليست خاصة بالعصر الحجري الحديث، حيث أن لها جذور عميقة في العصرين السابقين، حيث يبدو أن صناعة الفخار والأدوات المصقولة واستئناس الحيوان والنبات هي ابتكارات لم يصلها الإنسان في فترة أو زمن محدد ولم تظهر بشكل مفاجئ، وهي تطور تدريجي بلغ قمته في العصر الحجري الحديث، ويظهر ذلك من استخدام الطين وتصنيع أشكال منه في العصر الحجري القديم، وظهر الفخار في العصر الحجري الوسيط، أما الأدوات المصقولة فقد كانت في البداية أدوات خشنة ثم خضعت لتقدم تدريجي حتى وصلت إلي مستوى عال من الكفاءة وفي الجانب الآخر لم يظهر إنتاج الطعام من غير وجود مراحل تطور سابقة له، وهذا ما قاد بريدوود (R.J Braid wood) إلي تقسيم مرحلة إنتاج الطعام إلي عدة مراحل ممهدة لها حتى وصلت قمتها خلال العصر الحجري الحديث، وهي تشمل مرحلة أسماها (المستوى النهائي لجمع الطعام) (The Terminal level of food Collection) وهي مرحلة سابقة لما أسماه (المستوى الأول للزراعة والاستئناس) (The level of Incipient Cultivation and Domestication).
والدليل على أن هذه المميزات لم تظهر بصورة مفاجئة، يتضح من خلال دراسات بعض الباحثين في العصر الحجر الحديث في نهر النيل، فالمميزات التي وضعت لوصف العصر الحجري الحديث في أوربا، ليست ملائمة كلها وادي النيل وذلك للأسباب الآتية:-
1-   لا يمكن أن يكون الفخار هو مميز رئيسي لثقافات العصر الحجري الحديث في نهر النيل نسبة لظهوره خلال العصر الحجري الوسيط وهي ثقافة الخرطوم القديمة (Early Khartoum) الذي أرخه آركل إلي 9500 م سنة مضت (7000 ق.م) بينما أقدم تاريخ لظهور العصر الحجري الحديث في نهر النيل هو 6200 م سنة مضت (4500 ق.م)، وهذا يعنى ان الفخار قد ظهر قبل بداية العصر الحجري الحديث بحوالي 3000 سنة، وعلية لا يمكن اعتبار الفخار كمميز للعصر الحجري الحديث فى السودان.
2-   تم العثور على أدوات الطحن في مواقع سابقة للعصر الحجري الحديث حيث وجدت في مواقع العصر الحجري القديم – ومواقع في اقليم النيل الأوسط تعود 12000 – 4000 سنة مضت وهي أقدم أدوات طحن معروفه، كما أنها وجدت في مواقع العصر الحجري الوسيط (موقع الخرطوم الباكرة) وكذلك في مواقع العصر الحجري الحديث، بالتالي لم تعد مميزاً لثقافة العصر الحجري الحديث.
3-    لم توضح الدراسات والبحوث بشكل كامل حتى الآن، دليل إنتاج الطعام في السودان  فمعظم الدلائل تشير إلي وجود حيوانات مستأنسة خلال العصر الحجري الحديث في وسط السودان. بينما يظل دليل وجود نباتات مستأنسة أمر لن تؤكده الأبحاث والدراسات التي أجريت حول هذا العصر- كما أن عظام الحيوانات المستأنسة وبقايا بذور النباتات المستأنسة لم تظهر في موقع واحد.
* وهناك بعض القضايا المهمة في تحديد السمات العامة لهذا العصر وهي ظهور بعض المواقع الأثرية بدلائل لإستئناس الحيوان والنبات مع غياب الفخار، وظهور تطور في صناعة الفخار والأدوات الحجرية في بعض المواقع مع الاعتماد على الصيد والجمع والاختلاف في شكل المدافن بين مواقع هذا العصر .


نماذج لثقافات العصر الحجري الحديث في العالم
من المتعارف علية أن ثقافة العصر الحجري الحديث تختلف من منطقة إلي أخرى باختلاف عمق المواقع الأثرية وتباين موادها الأثرية من ناحية الكمية والنوعية – لهذا نحاول استعراض بعض نماذج ثقافات العصر الحجري الحديث التي نالت حظاً أوفر من الدراسة  .
1| ثقافات العصر الحجري الحديث في جنوب غرب أوربا :-
يعود ظهور الأدوات المصقولة وصناعة الفخار في أوربا إلى الإلف السادسة قبل الميلاد وقد مثلها موقع كريت الذي وجدت فيه قطع الفخار ذات الأشكال الهندسية المتعددة، و الفؤوس المصقولة ورؤوس السهام والحراب ولم توجد فيه دلائل للزراعة. وفي المناطق الساحلية فقد دلت المقتنيات الأثرية على ممارسة صيد الأسماك وأكدت المصنوعات الفخارية لما يسمي بالعصر الحجري الحديث الأوسط الكريتي إلي تطور في تلك التقنية وظهور الزخرفة ذات الخطوط المتعرجة ورسومات الأشجار وتماثيل تصور المراءاة والطيور والحيوانات وفي أواخر هذا العصر في كريت ظهرت المساكن التي تشير إلي الاستقرار وعلامات صهر النحاس وقد عثر علي رسومات للثيران وكميات من المغازل تدل علي أن أهل كريت في أواخر عهدهم عرفوا استئناس الحيوان.
أما في شمال جزيرة كريت تم الكشف عن بقايا أواني خشبية وأدوات صوانية وفؤوس حجرية تشبه ما تم الكشف عنه في ترسبات الطبقات المبكرة في جزيرة كريت وهو ما دلل علي ظهور العصر الحجري الحديث في المنطقة مبكراً. وقد أوضح موقع كامبيني أن العصر الحجري الحديث قد ظهر في ايطاليا وفرنسا مبكراً، من خلال ظهور تقنية صقل الحجر وتجهيز الأواني الفخارية البدائية وقد مارس أهل كامبيني جمع الثمار والحبوب البرية إلي جانب ممارسة الصيد البري والأسماك، ويعتقد العلماء أن بقايا العظام وحجارة الرحى تشير إلي أن جمع الطعام المنتظم لمجتمع كامبيني أدى بهم إلي الزراعة مع عدم العثور علي دلائل لتدجين الحيوان غير الكلب .
 فؤوس حجرية من جنوب غرب أوربا


2| ثقافة أرتبول:
غلبت على الساحل الأوربي مواقع صيادي الأسماك، حيث شكلت ثقافة البلطيق وأرتبولي في الدنمارك نموذج لظهور الفؤوس الحجرية مع الفؤوس السابقة، خصوصاً الكشف لأول مرة عن الفؤوس المصنوعة من الحجارة الكريستال، التي تتميز بالموس المصقولة بخشونة، وعثر فيها علي أقدم الأواني الفخارية التي تتكون من أواني خشنة مخصصة لطبخ الطعام والكؤوس البيضاوية العميقة، وتحمل بعض الزخارف البسيطة وقد أخذ أسلوب صيد الأسماك يتطور بظهور السنارات، وتم الكشف عن مدافن وأكدت  الدراسات الانثربولوجية أنهم سكان من السلالات المختلطة وهذه النتائج هي ما ضحدت الآراء العنصرية التي كان يتبناها بعض الدارسين عن الشعوب القديمة لشمال أوربا .
3| الثقافة النطوفية:                                                             
تعتبر القبائل التي قطنت أرض الرافدين ووادي النيل وفلسطين وإيران وجنوب أواسط أسيا هي أول المجموعات التي تحولت من الصيد إلي الرعي ومن الجمع إلي الزراعة في الألفية السادسة والخامسة قبل الميلاد، وقد وصل في هذه الثقافة العصر الحجري والحديث إلي نهاياته في الألف الرابع والثالث قبل الميلاد، كما تعتبر الثقافة النطوفية من الثقافات المبكرة التي تعرفت على الزراعة في غضون الالفية السابعة والسادسة قبل الميلاد، وظهور إنسان النياندرتال بها، وقد شكلت المصنوعات المادية للثقافة النطوفية من المصنوعات الصوانية واستخدمت المدافن في المغارات والأدوات المبكرة والميكروليثيكية ذات الشكل الأقرب للفلقات، واكدت المعطيات الأثرية أن الإنسان النطوفي كان يرتدي غطاء للرأس مزخرفة بالأصداف وزخرف الملابس وإرتدى العقود الصدفية وكان فنهم مشابه لفن الثقافة الاريناسية والمجلدلينية، وقد ابتدعوا فن النحت وقد أبدت مخلفاتهم سمات جديدة مبدئية للاقتصاد ونمط الحياة.
وقد دلت المؤشرات الأثرية من أدوات الطحن والأسطوانات المسننة والمشذبة لطرح فرضية تقول بأن النطوفيين تمكنوا من جمع المحصول الطبيعي دون الوصول للزراعة أي أنهم كانوا جامعيين متطورين لا مزارعين بدائيين.
   4/ المزارعين الأوائل في وادي النيل:
لقد جذب المناخ في مصر الحيوانات خلال العصر الحجري الحديث بسبب توفر موارد المياه، في الصخر وارتفاع منسوب النيل مما وفر النبات والحيوان، حيث دلت الكشوفات الآثارية انه خلال الألف السادسة قبل الميلاد قد استقرت قبائل وادي النيل وأنشأت القرى الزراعية التي بدورها وضعت أساس الحضارة المصرية . وتعتبر ثقافة البداري في جنوب مصر خير ممثل لهذه المرحلة، لاسيما أنها تحتوي علي جبانة وموقع سكني وبقايا مخلفات أثرية ترجع إلي الفترات المبكرة من العصر الحجري الحديث. وقد تمكن إنسان البداري من السكن علي ضفاف النيل وصناعة الفؤوس اليدوية المصقولة ومارس الصيد البري وصيد الأسماك بجانب صناعة الحلي الصوانية، وقد أشارت بعض البذور إلي معرفة إنسان البداري بالزراعة ولا تؤكد الدلائل بعمليات حصد للحبوب، وإنما زراعة مباشرة كما دلت علي ذلك المناشير الصوانية .
كشفت الحفريات عن أن طبيعة سكن إنسان البداري يتكون من كوخ مشيد من الأغصان وغطي بطبقة من الطين مع انه مجتمع قد وصل إلي مستوي راقي في تصنيع الحجر والأخشاب والعظام وغزل الكتان والحظائر وتطورت صناعة الأواني الفخارية وتميز فخارهم بنحافة الجدران وتعدد الأشكال وكانت لهم علاقات واسعة مع الحضارات المجاورة والتبادل التجاري وهو ما ساعد علي النمؤ السريع الذي شهدته مصر في العصر الحجري الحديث وعلي الرغم من ذلك لم يحدث تحول جذري في حياة مجتمع البداري والتركيبة الاجتماعية وذلك مادل عليه التطابق والتشابه في مدافنهم .
وتشير التماثيل الأنثوية لوجود التصورات المرتبطة بعبادة الخصوبة ولقد تم الكشف عن تمثالين احداهما من الطين المغطي بلون احمر والآخر من العاج يصوران امرأتين عاريتين علي هيئة الأم المرضعة إلي جانب ظهور عبادة الحيوانات المفترسة ذات الطابع الطوطمي أخذت في الظهور عبادة الحيوانات المستأنسة مثل البقرة والكلب والنعجة والشاة.
وخلال الألفية الخامسة قبل الميلاد شهد وادي النيل ثقافات متعددة من أواسط السودان والصحراء الغربية والتي تشابه ثقافة العصر الحجري الحديث في مصر من حيث شكل الأدوات والمواد المستعملة في صناعاتها .
وهناك تشابة في المصنوعات الفخارية لإنسان البداري بثقافة الفيوم وقد مارس إنسان الفيوم الزراعة بجانب الصيد وشكل الدفن وزراعة القمح كمصدر أساسي  في الحياة، وأيضاً نشأت ثقافة مرمره بني سلامة التي تشكل مجموعة من المزارعين الأوائل في وادي النيل، والتي تميزت ثقافتهم بصناعة الأكواخ البدائية من الطين (الجالوص) وصناعة الفخار وغلال تخزين الحبوب وقد تميزت هذه المجموعة بدفن النساء داخل الموقع السكني.
5/القبائل الزراعية في شمال العراق:-
لقد تم الكشف علي أقدم آثار للثقافات الزراعية في منطقة شمال العراق في شمال شرق أعالي دجلة، حيث تم العثور علي ثلاثة مواقع أثرية واعتمد الباحثين في تحليلها علي تطور أشكال الأدوات الحجرية ، وقد مثلت ثقافة الموقع الأول (كهف بالي – كورا) في مجموعة من الصيادين وجامعي الثمار، الذين لم يتوصلوا إلي الاستئناس وتميزت ثقافة هذا الموقع بالأدوات المسماة بالأزاميل، وأطلق عليها البرادوستية لأنها سلسلة من الثقافات، أما الموقع الثاني (موقع كهف كريم- شهر) يعود للإلف السادسة ق.م، قد أشارت فيه الكميات الهائلة للبلاط إلي بقايا جدران محطمة تشهد بوجود مساكن، كما عثر فيه علي الأدوات الخشنة والأساور المصقولة وأدوات الزينة المصنوعة من الأصداف ذات الثقوب، ولم يتمكن سكان كريم شهر من صناعة الفخار وقد تمكنوا من تربية الحيوانات المستألفة من الكباش والأغنام وقد وجدت بقايا أدوات زراعية مثل المناجل المصنوعة من نصال الصوان والمعادن إلا انه لا يمكن الجزم بان سكان هذا الموقع عرفوا الصناعة المنتظمة.
ويشير ما تم الكشف عنه في الموقع الثالث في (جرمو) الذي يرجع للألف الخامسة قبل الميلاد، أن هذه المجموعات قد حافظت علي صناعة الحجر السابقة ولم يتعرفوا في تلك الفترة علي صناعة الفخار ومن الملاحظ أن عظام الحيوانات المستألفة شكلت 90% من مجمل المخلفات العظمية التي عثر عليها في موقع كريم – شهر، وقد أدت الاكتشافات الأثرية إلى تعدد في أنواع الحبوب البرية الأمر الذي صاغ المجتمع إلى النمط الاقتصادي الزراعي وأصبحوا بمثابة قرية فلاحيه، شيدت مساكنها من الأكواخ البدائية المستديرة ودفنوا موتاهم تحت أرضية المسكن واحتوت تلك المساكن على ظهور بعض التصورات الدينية من التماثيل الأنثوية .

العصر الحجري الحديث في وادي النيل
سميت مجموعات العصر الحجري الحديث في وادي النيل بمجموعات إنتاج القوت إشارة إلي الانتقال من اقتصاد معيشي يعتمد على الصيد والجمع والالتقاط وحياة التنقل المستمر --- إلى اقتصاد معيشي عماده الزراعة وتربية الحيوانات كما أن توفر موارد الرزق أدت إلي استقرار الصيادين في مستوطنات شبه دائمة في البداية ثم تحولت إلى قرى دائمة تكونت بموجبها أنظمة اجتماعية وثقافية واقتصادية جديدة، وبالتالي تطورت الصناعات الحرفية بأنواعها لتواكب تلك النقلة الاقتصادية من الأدوات الحجرية المصقولة والفخار وأدوات الزينة وحجارة الرحى.
 لم تظهر هذه السمات الحضارية كلها في وقت واحد في وادي النيل حيث ظهرت صناعة الفخار في أواسط السودان والصحراء الكبرى قبل أن يتمكن الإنسان من الزراعة واستئناس الحيوان، أما في مصر وشمال السودان فلم تظهر حضارات العصر الحجري الحديث إلا ما بين الألف السابع والخامس قبل الميلاد، ففي حضارة الخرطوم المبكرة تمت صناعة الفخار خلال الألف الثامن قبل الميلاد، ولم يصحبها إنتاج قوت، كما نجد شمال السودان مستوطنات شبه دائمة أقام أصحابها لأواخر العصر الحجري القديم مثل وادي الكبانية ومنخفض نبتة ولكنها لم تحقق الزراعة في ذلك الوقت.
نحاول أن نناقش مفهوم العصر الحجري الحديث في وادي النيل من خلال الوقوف على ماهية الثقافة المادية في كل قطر على حده :ـ
العصر الحجري الحديث في مصر:ـ
تعتبر دراسة العصر الحجري الحديث من أهم أهداف علم الآثار المصرية لأنه يمثل العصر الحضاري الذي انبثقت منه أقدم نظام دولة مركزية في الشرق الأدنى في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد، كذلك إن البحث في آثار هذه الدولة في الأودية والمنخفضات الواقعة في طرق الصحراء كشف أن هناك مجتمعات تعتمد على الحبوب البرية في الغذاء والصيد المكثف وتطورت بإقامة مستوطنات شبه دائمة وإنتاج القوت، فتم توريخ بعض المكتشفات في وادي الكبانية 6850 ق.م وقد احتوت على بقايا بذور شملت 40 نوعاً من أنواع الحبوب الدرنية وحفر تخزين للحبوب وأساسات أكواخ ، كما احتوت الصحراء على بقايا تشير إلى الاستئناس المبكر وصناعة الفخار الأولى في وادي النيل وتعتبر الفيوم من الأمثلة الحقيقية لمستوطنات العصر الحجري الحديث في أواسط مصر، وتحدث كاتون طومسون عن مستوين من طبقات موقع الفيوم وصف الأولى بأنها عصر حجري حديث مبكر والثانية تمثل جماعات من الصيادين لم يتمكنوا من إنجاز مرحلة إنتاج القوت، ووصفهم بأنهم جماعة معزولة وقد وضحت الدراسات الحديثة أن مرحلة إنتاج القوت الكامل قد حدثت فجأة في موقع الفيوم في نهاية الألف السادسة وبداية الألف الخامسة قبل الميلاد وقد تمكن إنسان الفيوم من تشييد أكواخاً من القصب وحفر المخازن تحت الأرض في الأجزاء المرتفعة وقد وجدت فيها بقايا القمح والشعير، وعظام الأغنام والماعز والفيل والتمساح وفرس البحر وتمثلت الأدوات في الرؤوس والسهام والخطاطيف العظمية والمناجل وصنع فخار الفيوم من الصلصال الخشن وعكس تقنية متقدمة ربما جاءت إلى مصر من فلسطين، ويعد موقع مرمرة بني سلامة دليلاً مبكراً على حياة الاستقرار الكامل في القرى على ضفاف وادي النيل يؤرخ للفترة مابين 5200ـ - 3500 ق.م ولوحظ أن هناك تشابه مابين مرمرة والفيوم في الأدوات الحجرية والفخار ويكمن الاختلاف في أن فخار مرمرة زخارفه أكثر إتقاناً، وقد تميز موقع مرمرة بتشييد الأكواخ ذات الجدران ودفن موتاهم داخل المستوطنة التي فاقت الآلاف من البشر، كما تعكس المباني المشيدة في موقع العمري عن استيطاناً لفترة زمنية طويلة من 4200 - 400 ق.م وقد غطت جنوب الدلتا وأواسط مصر نوعاً من ثقافات العصر الحجري الحديث المتأخر أطلق عليها ما قبل الأسرات (Predynastic) وأشهرها البداري ونقادة الأولي ونقادة الثانية، تلك الثقافات التي تمكن أصحابها من استغلال المعادن وتطورت مجتمعاتهم إلي مستويات اقتصادية واجتماعية وفنية، حيث تعد أوانيهم الفخارية من أجمل ما عرف في مصر وهي الأشكال الرفيعة المزخرفة بأنماط نباتية رائعة وتحوي مدافنهم على أثاث جنائزي ذو معتقدات روحية.
العصر الحجري الحديث في السودان :-
وصف آركل موقع مستشفي الخرطوم بأنه عبارة عن مستوطنة شبه دائمة كبيرة الحجم وقد شكل أصحابها أدواتهم الحجرية من الأنواع صغيرة الحجم مثل الأهله والمكاشط والمثاقب وصنعوا الخطاطيق العظمية وتدل حجارة الرحى على استخدام الحبوب البرية وتميز فخارهم بالفخار غير المصقول الذي تميزه خطوط متصلة مموجة وأخري متقطعة مموجة أو متعرجة ودفنوا موتاهم داخل المستوطنة واضعين المتوفى علي الشكل القرفصائى، واعتبرها بعض الدارسين بداية العصر الحجري الحديث في السودان والذي يكتمل تطوره في موقع الشاهيناب الذي يحتوي على مستوطنة كبيرة على ضفة النهر الغربية، اعتمد أصحابه في غذائهم على صيد الحيوانات البرية والأسماك واستأنسوا الأغنام والماعز والأبقار ولم يتوصلوا إلى ممارسة الزراعة وقد كشفت أدواتهم الحجرية والفخار تطوراً تقنياً من خلال خصوصية الاستخدام وتعدد أنواع الزخارف والصقل في الفخار كما استخدموا الصنانير (الخطاف) المسننة من جانبين واستشهد آركل على أن ثقافة الشاهيناب هي تطور طبيعي لثقافة الخرطوم من خلال ما وجده في موقع القوز جنوب الخرطوم من تعاقب طبقي لمخلفات كلتا الحضارتين .
عرف العصر الحجري الحديث في السودان بالمستوطنات المستقرة والتي استغلت الاقتصاد المستقر وصنعت الفخار وأصبح تقليدياً يعرف بظهور حجارة الرحى والأدوات المصقولة التي شكلت منها الأسلحة، والجدير بالذكر أن آركل استخدم مصطلح العصر الحجري الحديث على ثقافة الخرطوم الباكرة وقد ظهرت بعض الارآء المنتقدة لذلك، بيد أن هذا المصطلح أصبح واسع الاستخدام وأن المؤشرات التي وضعها اركل لتحديد هذا المصطلح من الأدوات المصنوعة من العظم وزخرفة الخطوط المموجه والنقاط المموجه قد ظهرت في عدد من الكتابات(Caneva 1983, Frenandez 1989, Clark 1989, Haaland and Magid 1995, Marks and Mohammed-Ali 1991  and Sadig 2010).
ودللت بعض تلك الدراسات بظهور الفخار حوالي 4500 ق.م في أواخر الثقافة الشمركية، وقد ظهر الاتساع الجغرافي لزخرفة الخطوط المموجة في كل من السقاي والسروراب وأم رحى حول مدينة الخرطوم وكذلك في الدامر وعنيبس وابودربين عن التقاء نهر عطبره بنهر النيل، وتشير الأدلة الأثرية إلي أن هذه المواقع كانت عبارة عن قري صغيره عاش فيها الناس بصفه دائمة أو شبه دائمة مع أنهم لم يشيدوا بيوتاً تحمل صفات معمارية وأنما شيدوا الأكواخ المصنوعة من ألواح الخشب والجلد، واعتمدوا في اقتصادهم علي صيد الأسماك والحيوانات البرية ويري بعض الباحثين أن ظهور الفخار وحجارة الرحى وتعدد أنواع الأدوات الحجرية في هذه المستوطنات هو مدخلاً طبيعياً لظهور الزراعة .                         
وقد أصبحت الدراسات تصف ثقافة العصر الحجري الحديث بثقافة الشاهيناب (ثقافة القاوج) والمواقع التي لا يظهر عليها دليلاً لانتاج الطعام تصفها بأنها مواقع شبيه بالخرطوم الباكرة (ثقافة الخطوط المموجة)  بالتالي مواقع عصر حجري وسيط --- وقد وجدت الاستمرارية الثقافية بين المرحلتين قدر من الأهمية في كتابات البدارسين.
  تميزت فترة العصر الحجري الحديث بالانتشار الواسع في أنحاء السودان المختلفة فقد ظهرت علي امتداد النيل الأبيض حتى مدينة كوستي جنوباً والنيل الأزرق وفي سهل البطانة وشرق السودان، ويعتبر موقع شق الدود في البطانة الغربية ذو تسلسل عميق لفترة العصر الحجري الحديث من الألف السادسة قبل الميلاد مع اعتماد اقتصاده علي الصيد والجمع، ويعتبر هذا الموقع نموزجاً لمواقع هذا العصر البعيدة عن النيل والتي لم يتعرف فيه الإنسان علي الاستئناس، ويماثل فخاره بعض المواقع التي اكتشفت علي النيل الأزرق مثل مواقع الشيخ الأمين والمحلب ومواقع خشم القربة علي نهر عطبرة وقد كشفت الدراسات الاثارية عن انشار واسع لهذا العصر حول أقليم دنقلا في موقع كدركه وحول منطقة الشلال الثاني وأطلق عليها الباحثين ثقافة وادي حلفا نوع الخرطوم (صناعة الشمركي4500 ق.م)  وتميزت بالتعددية الكبيرة للتقنية الفخارية واستخدام الأدوات الحجرية، كما وجدت حول منطقة الشلال الثالث وقد أطلق علي بعض المواقع ثقافة الشاهيناب المحلية. وتشير الأدلة الأثرية إلي انها مجموعات رعوية مارست رعي الأبقار واستخدمت بعض الفخار المحلي وأطلق عليها ثقافة عبكة النيوليثية . ووجدت بالقرب من وادي حلفا تجمعات لمدافن مجموعات رعوية أطلق عليها الدارسين المجموعة النوبية (أ) واعتبروها مجموعات أعقبت العصر الحجري الحديث وعاصرت ما قبل الأسرات في مصر.                  
ونلاحظ أن استخدام مصطلح العصر الحجري الحديث بسماته علي المواقع الأثرية قد واجه عدداً من الاعتراضات فنجد البر فسيور عباس سيد احمد 1973م يعتقد أن ثقافة الخرطوم تتبع للعصر الحجري الحديث عندما يشير إلي أنها اشتملت على صناعة الفخار والأدوات الدقيقة المصقولة  ومرتكز الاقتصاد الثابت والاستيطان الدائم، ولكن نجد أن الاستيطان الدائم لا يحدد بالاقتصاد المستقر وإنما يتم تحديده بوجود المدافن مثل ما هو موجود في الشرق الأدنى وجنوب غرب أسيا والتي استخدم سكانها الكهوف في الاستيطان الدائم (Permanent settlement).
 وعليه يمكننا اعتقاد أن سكان الخرطوم القديمة استخدموا الاستيطان شبه الدائم باعتمادهم على الصيد والجمع، كيفما أن هذا المرتكز يجبرهم على التحركات الموسمية، ويمكن أن نستخلص أن مواقع مستشفى الخرطوم و السقاي وعنيبس ليست بمواقع عصر حجري حديث وأن العصر الحجري الوسيط في السودان يطلق علي المواقع التي لا تحتوي علي دلائل لإنتاج الطعام مع تطور في تقنية الفخار والأدوات الحجرية – وما زال هناك غموض في تحديد السمة الثقافية الفاصلة بين مواقع المرحلتين.
                   
تاريخ الكشف الآثاري عن العصر الحجري الحديث في السودان
لم تجد آثار ما قبل التاريخ الاهتمام في السودان مقارنة بآثار الحضارة الكوشية ولاحقاتها وجاءت الدراسات الأولى لآثار العصور الحجرية من خلال وصف بعض الملتقطات السطحية مثل ما ذكره ساندفورد وآركل 1928 – 1935م  وجود أدوات حجرية حول منطقة نهر عطبرة والشلال الخامس وما ذكره رايزنر عن آثار تعود لما قبل الألف الثالث في شمال السودان 1907م. ويعود الفضل في اكتشاف مواقع العصر الحجري الحديث للباحث أنطوني آركل في 1949م الذي قام بالتنقيب في موقعي مستشفي الخرطوم والشاهيناب ونشر نتائج أبحاثه في الفترة ما بين (1949م_1953م ) والذي لفت انتباه الباحثين إلي أهمية السودان لكشف مجري الحضارة الانسانبة عن فترة العصر الحجري الحديث وقد أشار اركل نفسه إلي انه حتى تلك اللحظة كان الاهتمام بالآثار في السودان منصباً علي الفترات التاريخية .
وقد قادت نتائج دراسات اركل إلي ظهور بعض البعثات الأثرية مثل البعثة الإيطالية التي عملت في موقع الجيلي والسقاي في العام 1983م والبعثة البولندية التي عملت في مواقع الكدرو في العام 1972م وأصبحت بالتالي هناك عدد من الدراسات لفترة العصر الحجري الحديث في إقليم الخرطوم ومنها حفريات موقع السروراب الذي اجري فيه التنقيبات الباحث عباس سيد احمد في العام 1975م.
وقد أعطت حملات إنقاذ أثار النوبة الثلاثة خلال السنوات من (1907م_1911م) والثانية (1929م_1931م) والثالثة (1959م_1965م) جانب آخر لهذا العصر في شمال السودان وقد جاء ذكر مواقع ما قبل التاريخ في الحملة الثالثة حيث أشارت إلي ما يسمي بثقافة الشمركية نوع الخرطوم حول وادي حلفا 1972م وثقافة عبكه 1985م، وخلال العقد الأخير من القرن العشرين، كثرت الحفريات والبعثات الاثارية وأصبحت هناك فرضيات وأهداف علمية سامية وقد كشفت عن المزيد من المواقع الأثرية فقد تم تنقيب مواقع الحاج يوسف وأم ضريوه خلال الأعوام 1986م_1988م وأجريت بعض الحفريات علي الجانب الغربي للنيل في النوفلاب والجزيرة اسلا نج.
وقامت البعثة النرويجية السودانية في عام 1982م بحفريات حول نهر عطبره وكشف عن مواقع ابودربين والدامر وعنيبس، وكانت لها حفريات مع جامعة الخرطوم في الزاكياب وام ضريوه والشاهيناب 1983م وتوسعت تلك الحفريات بقيام البعثة الفرنسية في عام 1977م_1987م بحفرياتها في موقع الغابة و الكداده وحفريات البعثة الفرنسية في موقع كدركه ووادي الخوي في العام 1989م ، ومن ثم اتجه الكشف عن مواقع العصر الحجري الحديث إلي المناطق البعيدة عن إقليم الخرطوم واخذ البحث منحي تكوين المشاريع للبحث عن مواقع ما قبل التاريخ فنذكر منها:-
1-       حفريات البعثة الأسبانية في بداية الثمانينات علي الضفة الشرقية للنيل الأزرق والتي كشفت عن عدد كبير من مواقع هذا العصر المماثلة لمواقع إقليم الخرطوم.
2-       حفريات البعثة الامريكية من الخرطوم جنوباً حتى كوستي في بداية التسعينات والتي كشفت عن تردد هائل للمواقع المميزة للعصر الحجري الحديث على النيل الأبيض.
3-       حفريات جامعة الخرطوم 1973م بين خور الد شينات ووادي سيدنا .
4-       حفريات مشروع البطانة الأثري بين البعثة الأمريكية وجامعة الخرطوم في 1980م .
5-       حفريات البعثة الأسبانية التابعة لجامعة مدريد 1983م .
6-       حفريات البعثة الأمريكية بقيادة فاتوفيتش في البطانة الشرقية حول خشم القربة 1984م، ودراسات الباحث كريم صدر حول الصحراء الشرقية ومنطقة كسلا 1980 – 1984 م.
7-       حفريات البعثة الألمانية في وادي هور 1980 – 1985م .
8-       حفريات نوردستروم ومايرس وهايس حول مواقع الشلال الثاني والثالث 1972م.
9-       حفريات البعثة الفرنسية حول الشلال الثاني في صاي – وحفريات البعثة السويسرية حول كرمة.
10-  مسوحات الهيئة القومية للآثار والمتاحف حول منطقة سد مروي 2003 – 2006 م وحول منطقة كسلا 2010 م وأعمال البروفيسور خبير - جامعة جوبا في منطقة جنوب السودان 2009 - 2010
11-  حفريات جامعة شندي في موقع قلعة شنان في العام 2001م ومازالت مستمرة .
12-  حفريات جامعة الخرطوم في موقع الصور 2004م ومازالت مستمرة .ومنطقة الشال الثالث ووادي العقب 2008 – 2010 وما زالت مستمرة.
 إضافة إلي أن هناك عدد من البحوث والدراسات التي كشفت عن بعض المواقع التي تعود للعصر الحجري الحديث حول منطقة ربك وجبل مويه التي عملت بها حفريات بعثة ول كم في العام 1904م ومواقع حول المنطقة بين الجيلي وشندي مثال مشروع البطانة الذي اجري مسحه الباحث هنتزه في العام 1959م وكشفت بعض الحفريات الإنقاذية لسد مروي من العام 2005م_2008م عن بعض مواقع العصر الحجري الحديث حول منطقة الشلال الرابع، كما كشفت أعمال متحف قدانسك البولندي عن بعض المواقع الكبيرة  وذات المحتوي الثقافي الهائل للعصر الحجري الحديث حول منطقة دنقلا والصحراء الشرقية والغربية ومازالت بعض البعثات العاملة في مواقع الفترات الحضارية تكشف عن طبقات سفلية تتميز بالمحتوي الثقافي للعصر الحجري الحديث ويوجد انتشار واسع لبقايا مخلفات هذا العصر علي السطح في العديد من بقاع السودان المختلفة .
الانتشار الجغرافي لآثار العصر الحجري الحديث في السودان


البيئة في الفترات المتأخرة من ما قبل التاريخ
تعتبر البيئة ومكوناتها من العوامل الرئيسية فب انهيار وتطور الثقافات القديمة وقد ارتبطت دراسات ما قبل التاريخ بدراسة التغيرات البيئية للتعرف على التحولات الثقافية وذلك لما لها من معطيات تفسيرية لنمط الاقتصاد وتطور المجتمعات البدائية ، فقد تميز السودان القديم بتقلب في المناخ أدي في الكثير من المواقع إلي التغير الثقافي فكشفت الدراسات عن أن فترة العصر الحجري الوسيط والعصر الحجري الحديث ظهرت مع الطور المناخي الذي سمي نهاية البلايستوسين وبداية الهولوسين، تلك الفترة التي ظهرت بتحول في غزارة هطول الأمطار وجرت الأودية والبحيرات وارتفع منسوب المياه تحت السطح وتراكمت طبقات الطمي في القيعان وتقاربت خطوط المطر الشمالية والجنوبية مما أدي إلي بيئة غنية بالغطاء النباتي والحيواني وانحصرت الصحراء في شريط ضيق.
 عاصرت الفترات المتأخرة من ما قبل التاريخ ثلاث مراحل بيئية :-
1-        المرحلة الأولي (10800-8900 قبل الآن) وتركزت فيها المواقع الأثرية علي التلال واعتمد فيها الإنسان علي الأدوات الحجرية من المكاشط والشفرات والأدوات الهندسية والقليل من الفخار وقد نمت فيها بعض النباتات التي اعتمد عليها الانسان في غذائه من الذرة والدخن البري وظهرت فيها الأبقار ويمثلها موقع الخرطوم المبكرة، ويري الباحثين أن هذه الجماعة قد وفدت إلي وسط السودان من مكان ما بعد تحول مناخ الصحراء ولربما من المنطقة بين الشلال الأول والثاني . (الهولوسين الأسفل).
2-        المرحلة الثانية (8300-7600 قبل الآن) وهي الفترة التي أعقبت فترة جفاف نسبي قصيرة سادت فيها الأبقار المستأنسة وقد ظل الدخن البري (Sorghum) أحد النباتات المستغلة في الغذاء ليشكل في هذه المرحلة أكثر أنواع البذور استقلالاً وتمثلها مواقع (الشاهيناب والكدرو) والنيل الأبيض وبعض مواقع الثقافة الشمركية في شمال السودان وهي الفترة التي ظهرت علي مواقعها أساسات لمخازن وعظام الضان والماعز المستأنسة. (الهولوسين الأوسط)
3-        المرحلة الثالثة (7500-6200 قبل الآن) وهي الفترة التي ظهرت مواقعها على النيل في كل من منطقة الخرطوم وشندي والبطانة وهي الفترة التي سادها مناخ رطب وتوفر في الموارد البيئية مما شكل ثقافة معقدة التركيب لتلك المواقع حيث ظهر التطور في صناعة الفخار وتنوع الأدوات الحجرية وتدجين الحيوان . (الهولوسين الأعلى)
يظهر تأثير التغير المناخي من البلايستوسين إلي الهولوسين في نهر النيل الذي ارتفع منسوبه وتوسعت منابعه وروافده نتيجة الزيادة الهائلة في هطول الأمطار وأدت إلي زيادة منسوب النيل إلي ثلاث أضعاف ما هو علية اليوم وتشير الدلائل من مواقع إقليم الخرطوم إلي حدوث إمطار غزيرة وارتفاع في منسوب النيل، مما أجبر السكان للاستيطان حول الأماكن العالية خلال الهولوسين، ويظهر التأثير البيئي في توزيع مواقع النيل الأوسط حول نهر النيل نفسه وحول نهر عطبرة (6000-5000 ق.م) و إقليم الخرطوم (7000-3500 ق.م) ، ويبدو أن بيئة الهولوسين المطيرة لم يقتصر تأثيرها على إقليم الخرطوم فقط، بل المنطقة إلى الجنوب من الخرطوم على النيل الأبيض حتى كوستي وعلى النيل الأزرق حيث شهدت ظهور جماعات بشرية خلال العصر الحجري الحديث إعتمدت في اقتصادها على صيد حيوانات السافنا التي كانت متوفرة والتي أرخت للفترة مابين (4000-2500 ق.م) وأظهرت تلك الموارد البيئية ثقافات البطانة الغربية والشرقية وخشم القربة التي شغلت حيزاً مناسباً من الهولوسين الأسفل والهولوسين الأعلى مثل موقع شق الدود، وتؤكد ذلك الأدلة من النيل الأبيض الذي جدد سريانه وعاود اتصاله ببحيرة فكتوريا مع بداية الهولوسين، وغطي الطمي الكثبان الرملية التي تراكمت علي ضفتي النهر وتشير بعض الأدلة الاثارية إلي أن وادي هور كان أحد فروع النيل والذي يتغذى من مصادره العليا من دارفور وتشاد إلي جانب الأمطار التي تهطل عليه مشكلاً شريطاً نباتياً جذب حيوانات السافنا من البقر الوحشي والأفيال ووحيد القرن والزراف وفرس البحر  إلي جانب البقر المستأنس وأرخت مواقع العصر الحجري الحديث على وادي هور (6000 – 5000 ق.م) وقد كشفت الدراسات الاثارية عن مواقع في الشلال الثاني ظهرت خلال الهولوسين الأسفل ولم توجد في مواقعها أدله علي الاستئناس، علي الرغم من أن مثيلاتها زمنياً في الصحراء قد عرفت استئناس الأبقار وصناعة الفخار. وقد أدى ذلك التقلب المناخي في الهولوسين الأوسط والأعلى إلي غياب المواقع الأثرية بين الشلال الأول وحتى الشلال الثاني ولم تشهد ازدهار إلا خلال فترة عبكة التي سميت بثقافة وادي حلفا نوع الخرطوم (khartoum variants ) والتي أرخت إلى (4000-3000 ق.م)،.
وفي نحو (3000 ق.م) بدأت منطقة السودان القديم تدخل في جفاف نسبي وأخذ حزام السافنا يتحول إلى حزام الساحل، أي أخذت خطوط المطر تتراجع جنوباً وباتت الواحات الصحراوية تجف تدريجياً وخفت مصادر المياه السطحية الدائمة واقتصرت المياه على الآبار قرب الأودية والمنخفضات وتقلص الغطاء النباتي والحيواني.
وأخذت مواقع العصر الحجري الحديث المتأخر تتركز حول النيل والأودية الكبيرة ومع تقهقر خطوط المطر جنوباً أصبح وادي هور يتغذى فقط من مصادر المياه الجنوبية في الجبال، مما أدى إلي تحول المجرى إلى سلسلة من الميعات (السبخات) التي غطتها الكثبان الرملية وانقطع اتصاله بالنيل كما انحسر منسوب النيل وقلت حركة الترحال من النيل إلى الساحل (البطانة والصحراء الغربية ) وأخذت المجموعات الصحراوية تبحث عن أماكن تؤمن لها مصادر غذائها ومرتكزاتها الاقتصادية فزحفت نحو مصادر المياه الدائمة وشبه الدائمة وقد كان نزوح تلك الموجات الصحراوية هو آخر سلسلة من التأثيرات الثقافية بين النيل والصحراء وقد أخذ بعدها كل إقليم يسير في اتجاه تطوري يختلف عن الآخر وانعكست تلك التغيرات المناخية على حضارة المجموعات النوبية وكرمه، ويظهر تأثير هذا التحول المناخي أيضاً في الحضارات من الشرق إلى النيل بتحول في منطقة البطانة التي برزت فيها مستوطنات كبيرة بشكل مفاجئ في منتصف الثالث قبل الميلاد ودل انحسارها على جفاف السهل بعيداً عن النهر، ويبدوا الغموض في العامل الذي منع تلك المستوطنات من التطور حتى الفترات الحضارية، ويظل السبب البيئي هو المأخوذ به حتى الآن.
  هناك بعض الأدلة الأثرية علي البيئة جاءت من نتائج التقنيات الاثارية تشير إلي دفء المناخ خلال حضارة الخرطوم المبكرة (العصر الحجري الوسيط) والذي دلت عليه عظام التمساح والسحالي  وبعض حيوانات السافنا في مواقع إقليم الخرطوم كما أشارت إلي الرسوم الصخرية في شمال السودان إلي كثافة الأمطار بحوالي 300 ملم في السنة خلال أواسط الهولوسين، والتي سمحت بوجود الأبقار بكميات كبيرة في شمال السودان عكس ما نراه اليوم، كما وضحت تلك الرسومات الأغنام والكلاب – الفيل –الماموث – الزراف – وغزال الأنتلوب وغيرها من الحيوانات التي لا نجدها اليوم في منطقة النوبة ولا في أواسط السودان .
وقد تناولت دراسات ما قبل التاريخ تأثير البيئة على التحول السكاني بعدة فرضيات من أمثالها دراسات عباس سيد احمد حول التحول الاستيطاني في اقليم النيل الأوسط وقد وضع عدة فرضيات لذلك الضغط البيئي الذي نزحت بموجبة مجموعات العصر الحجري الحديث من منطقة الخرطوم:ـ
1-     عدم وجود موانع بيئية أو طبيعية، ساعد على التحرك من وسط النيل إلى سهل البطانة.
2-     وفرت التضاريس والمرتفعات في جنوب البطانة وإثيوبيا مناخ بيئي غير طارد .
3-     يوفر سهل البطانة اتساعاً جغرافياً يسع كل المجموعات الرعوية .
وهكذا قد ركزت دراسات العصري الحجري الحديث في التعرف على البيئة وتغيراتها التي بدلت الاستيطان لإنسان ذلك العصر جغرافياً وشكلت أنماط الاستيطان البشري المتعددة.


التسلسل الكرنولوجي لمواقع العصر الحجري الحديث (5500 – 2500 ق.م)
ليست هناك توريخ واضح لتسلسل انتشار ثقافة العصر الحجري الحديث في السودان، وتشير الدراسات إلي أن المواقع الأثرية في اقليم الخرطوم كانت متطورة من ثقافة الخرطوم المبكرة حيث وضع آركل أساس ذلك التتابع الثقافي من الألفية السابعة حتى الألفية الثالثة، وركزت الدراسات التالية لآركل علي التوريخ الرايدكريوني (Radio Carbon date) من المواقع الأثرية،  فيتضح أن أقدم مواقع العصر الحجري الحديث في وسط السودان تعود إلي نهاية الألف الخامسة قبل الميلاد متمثلة في موقع ربك وفي الجانب الآخر يعود موقع الكداده في منطقة شندي إلي الألف الرابعة قبل الميلاد  ويوافق هذا التاريخ موقع الغابة في شندي  ومواقع منطقة الخرطوم في كل من الشهيناب والكدرو والزاكياب ، وام ضريوه . وقد كشفت الدراسات الآثارية عن عدد من التواريخ الرايديوكربونية لفترة العصر الحجري الحديث اندرجت ما بين (4890 + 142 – 1988 + 126 قبل الميلاد، وقد غطت هذه المواقع حوالي 3000 ألف سنة وكانت تواريخها على النحو التالي:-
الموقع الأثري
التاريخ المبكر ق.م
التاريخ المتأخر ق.م
التاريخ المبكر ق.ح
التاريخ المتأخر ق.ح
أم ضريوة (1)
4890 + 110
3765 + 120
6010 + 90
4950 + 80
أم ضريوة (2)
3825 + 320

5000 + 300

الغابة
4540 + 215
3810 + 150
5660 + 120
4990 + 110
اسلانج
4750 + 140

5870 + 110

ربك
4915 + 115
3245 + 135
6050 + 100
4490 + 100
الشهيناب
4560 + 20
3890 + 460
5720 + 80
5060 + 450
الكدرو (1)
4555 + 85
3855 + 130
5700 + 100
5030 + 70
الكدرو (2)
4535 + 55
4220 + 140
5670 + 60
5360 + 70
الزاكياب
4850 + 160
4220 + 160
5970 + 80
5360 + 90
النوفلاب
4390 + 220
4145 + 160
5520 + 130
5290 + 100
جبل تومات
؟

4140 + 100

شق الدود (أ)
4460 + 195

5584 + 195

شق الدود (ب)
2755 + 135
2095 + 155
4123 + 86
3615 + 88
الكدادة
4507 + 120
3390 + 120
5170 + 110
4370 + 80
الجيلي


5570 + 100

الصور
4240 + 405
4045
5330 + 54
5180 + 48
كدركة (1)
4170
3990
5290 + 80

كدركة (13)
4950
4580
5990 + 60
5810 + 60
الملتقى
4530
4255
4840 + 40
4480 + 35
ثقافة نوع الخرطوم
5410 + 140
2185 + 90
6540 + 110
3885 + 90
ثقافة عبكة
4830 + 400
3190 + 320
5960 + 400
4470 + 300
المجموعة (أ)
3550
2660
4660 + 100
4160 + 65
فترة ما قبل كرمة
3100
2560
4400 + 55
4085 + 50

يتضح من خلال تلك التواريخ فترة العصر الحجري الحديث تقسم إلي مرحلة مبكرة ومرحلة متأخرة ، كما أن التماثل الزمني بين كل مجموعة من المواقع على حدا يكشف أن العصر الحجري الحديث في السودان قد بست مراحل تميزت مواقع كل مرحلة بسمات تختلف عن الأخرى على النحو التالي:-
       مواقع تعود لبدايات الألفية الخامسة قبل الميلاد (ربك – الشيخ مصطفى – شق الدود – المستويات السفلى من موقع قلعة شنان)
       مواقع الألفية الخامسة قبل الميلاد (شق الدود- الجيلي – أم ضريوة– الكدرو2 – الشاهيناب – الزاكياب – الشاهيناب – اسلانج – النوفلاب – الشيخ الأمين – الشيخ مصطفى – العشرة – جبل موية - الصور).
       مواقع من الألفية الخامسة – نهايات الرابعة قبل الميلاد (الشاهيناب – اسلانج – الكدرو1 – أم ضريوة1 - أم ضريوة2 – الغابة –قلعة شنان).
       مواقع أرخت من المدافن لبدايات الألفية الخامسة – نهايات الرابعة (الغابة – الكدرو1 والكدادة).
       هناك مواقع أرخت لنهايات الألف الثالثة قبل الميلاد  (شق الدود (ب) – النوفلاب وجبل موية).
       مواقع أرخت لما بعد العصر الحجري الحديث (الكدادة – ربك وجبل تومات).

                     
السمات التقنية والمميزات الثقافية للعصر الحجري الحديث في السودان
 من خلال دراسة السمات العامة للعصر الحجري الحديث في العالم يتضح أن هناك اختلاف واضح بين المميزات الثقافية لهذه في منطقة عن الأخرى، وقد أجمعت أغلب الدراسات على أن موقع العصر الحجري الحديث يتم تحديده من خلال أربع سمات ثقافية وهي: (سمات العصر الحجري الحديث في أوربا)
1-     ظهور الفخار 2- الأدوات المصقولة 3- أدوات الطحن والحفر  4- استئناس الحيوان والنبات .
وقد وجدت هذه السمات نقداً شديداً خارج أوربا باعتبارها ليست مميزات رئيسية للعصر الحجري الحديث، خاصة في أفريقيا. وعلى سبيل المثال في السودان نجد أن اغلب هذه المميزات ظهرت قبل العصر الحجري الحديث خصوصاً في ثقافة الخرطوم المبكرة، التي اشتهرت بصناعة الفخار والأدوات المصقولة وأدوات الطحن ولم يظهر فيها الاستئناس . ولكن إن السمات الثقافية الأساسية للعصر الحجري الحديث في السودان جاءت من حفريات آركل في موقع الشاهيناب وأصبحت الأساس الذي يبني عليه تصنيف المواقع الشبيه به ويمكننا تخليص بعض المميزات التقنية لهذا الموقع وبعض المواقع الشبيه به في الأتي:-
1-     الأداة الحجرية المسماة بالمقور ( Gouge) (المظفار) وهي أداه شبيه بالفأس أو الأزميل، اعتبرها آركل العلامة المميزة لمواقع العصر الحجري الحديث في منطقة الخرطوم ، بل أطلق علي موقع الشاهيناب ومخلفاته ثقافة المقور(Gouge Culture) ويعتقد آركل أن هذه الآداة كانت تستخدم في صناعة القوارب عن طريق حفر جزوع الأشجار،  وعلى الرغم من صحة افتراض آركل في تسمية ثقافة العصر الحجري الحديث بثقافة المقور لكن لم يتم العثور على هذه الآداة في مواقع العصر الحجري الحديث الأخرى في وسط السودان.
2-     الأزميل ثنائي الوجه (Bifacial Celt) ويمثل تقنية جديدة من الأدوات الحجرية القاطعة وهناك أداة شبيه به مصنوعة من العظم ( ( Bone Celt ويعتقد آركل أنها استخدمت في تقطيع اللحم من الحيوانات الكبيرة.    
3- يبدو أن هناك استمرارية في أدوات العصر الحجري الوسيط مثل الرمح العظمي (Barbed bone) وهو يختلف عن الرمح العظمي في العصر الحجري الوسيط ، حيث يتميز النوع الجديد بثقب قرب القاعدة ، إضافة إلي ذلك فقد ظهرت الأدوات المشظاة ومنا المكاشط (Scrapers) بانواعها والنصال (Blades) والأدوات الهلالية (Crescent) والمخارز (Burins) والمثاقب (Borers) والشظايا (Flakes) ........... الخ.
 بالإضافة إلي أن هناك نسب متفاوتة من الفؤوس الحجرية المصقولة (Hand axes) والأنوية والكتل (Cores)التي تصنع منها الأدوات. وقد شكلت أدوات الطحن (Grinder stone) بأشكال صغيرة مختلفة وأغلبها من الحجر الرملي وهي كالأتي :-
أ-الحلقات الحجرية (Stone Ring) والتي يعتقد آركل في أنها كانت تستخدم تقاله للهراوة في الصيد .
ب- المطاحن (Sand stone Disk grinders) وهي الأدوات الكبيرة التي تشكل بها أدوات السحن .
ج- المساحن الاسطوانية أوالعمودية (Tapering Cylindrical sand Rubbers stone ) وقد وجدت منها أعداد هائلة وهي سفلية (Lower) وعلوية (Upper) .
د- المطارق (Hummer Stone) وجدت من الصخور الرملية والأشجار المتحجرة وتستخدم في طرق الأدوات الحجرية .
هـ- المطاحن الحصوية (Pebble-Grinder) وهي عبارة عن مطاحن من الحصى صغيرة الحجم .
وقد ظهرت بعض الأدوات الحجرية ذات الخصوصية والدقيقة تختلف من منطقة إقليم الخرطوم عن مواقع شمال السودان والبطانة ومنطقة شندي ومنها المؤشر (Points) وهو عبارة عن أداة علي شكل سهم تستخدم كقذيفة في صيد الحيوانات البرية والأدوات ذات الظهر (النصال) (Backed blade) وغيرها ولاشك أن الأدوات العظمية مثلث مميزات ثقافية لمواقع العصر الحجري الحديث ومن اشهرها الخطاف العظمي (Pone har bone) والرمح العظمي وبعض الصنانير (Fish sinker) .
أدوات من العظم (الخطاف العظمي – والصنانير)
و- استمرار صناعة الفخار ليصبح من السمات التقنية الواضحة في العصر الحجري الحديث ، لكنه يختلف عن فخار الخرطوم القديمة في أنه دائماً ما يكون مصقولاً وتعددت أشكال الزخارف، ويعتبر فخار العصر الحجري الحديث من أجود أنواع الفخار التي صنعت باليد (Hand made pottery) واختلفت من ناحية اللون والشكل فظهرت الأواني الحمراء والسوداء، كما اختلفت من ناحية الشكل فمنها الطاسة (Bawl) وجرار التخزين (beer jars) والكأس المزخرف (Cup) ولقد وجدت بكثرة في المواقع الأثرية ، كما يختلف من ناحية الصنع إلى الفخار الصلب (Hard coarse ware) والفخار الناعم  (fine coarse ware) والفخار القابل للكسر (friable coarse ware) 1-     وقد أظهرت الزخارف تطوراً من الخطوط  والنقاط. {أنظر الجدول أدناه}.

  

ر-      ظهرت لأول مره في العصر الحجري الحديث سنارات مصنوعة من القواقع وهي تدل علي استمرار صيد الأسماك كما وجدت القواقع علي ثلاث أنواع (Vila – Limocoloria - Bivalve) اعتبرها الباحثين مؤشر علي التغير المناحي.
ز-     في مجال الزينة الشخصية استخدمت القواقع والحجر الأمازوني (Amazonite) نوع من الحجارة ويعتقد اركل انه قد تم استجلابه من منطقة تبستي واستخدم صناعة الخرز، وهناك زينة شبية بالدبابيس صنعت من الرايولايت يعتقد اركل أنها استخدمت كأزمة للشفاة (Lip plug) كما ظهرت الأساور الحجرية وخرز من قشر بيض النعام ومعالق من الصدف.
            

ق-     من الاختراعات الهامة في نهاية العصر الحجري الحديث، والتي لم تظهر في موقع الشاهيناب اللوحات الحجرية المصقولة (Polished palattes) واستخدمت في طحن الألوان وجدت لها بعض الدلائل في موقع الكدادة والكدرو والصور، بالإضافة إلى وجود التماثيل الفخارية وصناعة الحلي الشخصية باستخدام قشر بيض النعام والعظام والكوارتزيت والعقيق الحمر مع تطور في صنع التماثيل الأنوثية ودلائل الاعتقاد بالحياة الاخري (After Life) والتراتبية في المجتمع.
وتنطبق هذه المميزات علي نموذج الموقع الأثري للعصر الحجري الحديث بصورة عامة وليست بالضرورة أن توجد كلها، خاصة أن بعض الأدوات ذات محدودية جغرافية مثل المقور (gouge)، التي لم توجد في مواقع النيل الأبيض والبطانة وشندي، ولاسيما أن بعض الصناعات انحصرت في مواقع معينة مما يعني هناك تطور في سمات محلية لكل موقع تختلف عن المواقع الأخرى .
أنواع زخارف الفخار المشهورة في العصر الحجري الحديث.



الخطوط المموجة

Wavy line
النقاط المموجة

Dotted wavy line
الخطوط المموجة بعظام سمك القرور

Wavy line and Cat fish spine
الخط الغائر المستقيم

Incised straight line
النقاط المستقيمة في خطوط

Dotted straight line
الخطوط المتعرجة

Zigzag straight line
الخطوط المنحية والمتعرجة

Zigzag Incised curved line
النقاط المستقيمة في خطوط متعرجة

Zigzag dotted straight line
الطبعات

Mat Impressions
الطبعات المثلثة

Triangles Impressions
النقاط

Dots
النقاط المنحية المستمرة

Dotted curve continuous
النقاط المستقيمة المستمرة

Dotted straight continuous
النقاط المفردة المستمرة

Dotted single continuous
النقاط الغائرة

Incised dots
النقاط والمثلثات

Triangles and dots
النقاط الكبيرة والمتراكمة

Large dots Complex
النقاط القصيرة على شكل شرطة

Dots short dashes
النقاط المنحية الجارفة

Rocker curve dots
الخطوط الجارفة المنحية

Rocker curve line
الخطوط الجارفة المتعرجة ومستقيمة

Rocker straight zigzag line
الخطوط الطولية

Parallels line
الخطوط العميقة الطولية

Parallels groove line
زخرفة السطح المتموج

Ripples
حزمة من الخطوط

Bands
زخرفة المشط

Comb
زخرفة على شكل زوايا

Vees
الطبعات الجارفة

Rocker Stamp
زخرفة سنون الذئب

Wolf teeth
الزخرفة الهندسية 

Geometric
السطح الأحمر ذو الحافة السوداء

Red black toped ware
الزخرفة المتعددة الأشكال

Varia






الانتشار الجغرافي لمواقع العصر الحجري الحديث
تعبر حفريات آركل هي الأساس الذي بني عليه تحديد مواقع العصر الحجري في السودان، ونسبة للانتشار الجغرافي الواسع لمواقع هذا العصر مع الاختلاف في البنية الثقافيه فعليه سنحاول عرضها حسب الاقاليم الجغرافية في السودان وللتعرف على اختلاف وتشابه مواقع العصر الحجري الحديث في انحاء السودان المختلفة.
إقليم الخرطوم :(Khartown Region)
يعتبر وسط السودان (الخرطوم ) من أهم المناطق التي شهدت نشاط بشري كثيف في العصر الحجري الحديث ، لاسيما أن الأعمال الآثارية فيها بدأت منذ وقت مبكر وتوالت حول محيطها وأصبحت مركزية لدراسات ما قبل التاريخ في السودان وأهم المواقع الأثرية:
موقع الشهيناب:- (نموذج لمواقع العصر الحجري الحديث في وسط السودان).
يقع علي الضفة الغربية لنهر النيل علي بعد 50 كلم شمال أم درمان ويمتد حوالي 200 مترا علي طول الحافة المحاطة بسهل رسوبي ، وقد اجريت فيه الحفريات الاثارية علي يد آركل في العام 1949م ويعود للألف الخامس ق.م،  أظهرت المحتويات الثقافية في الموقع التنوع الكبير للمخلفات الحيوانية التي اشتملت علي القواقع وعظام الأسماك والطيور إلي جانب مخلفات الثديات( mammals) التي مثلت 32 نوعاً منها (28) من الأنواع المتوحشة وثلاثة فقط من الحيوانات المستأنسة كمؤشر لاستئناس الانسان للحيوانات الأليفة كما تؤكد أن سكان الشهيناب قد عاشوا في فترة لاحقه لسكان موقع الخرطوم القديمة والأنواع الثلاثة المكتشفة هي:-
1-     الماعز القزمي (Dwarf  goats ) وهي وجدت ممثلة ببعض العظام أهمها القرون وعظام الفك والأسنان .
2-     الضان أو الماعز ذات القرون المعكوفة (Twisted horned Goat or Sheep) ووجدت ممثلة ببقايا عظام القرون .
3-     وجدت بالموقع بقايا قرن واحد يعتقد أنها قرن ضان .
يعتقد اركل أن هذه الحيوانات ليست لها علاقة بالحيوانات المحلية وربما جاءت هذه الحيوانات إلي وادي النيل من مناطق بعيدة خصوصاً إن الماعز القزمي عرفت في مواقع العصر الحجري الحديث في الجزائر (شمال أفريقيا ) وربما وصلت إلي وادي النيل عن طريق الصحراء .
لم يتم العثور علي بقايا نباتات مستأنسة وقد وجدت بعض الأدوات مثل سنارات السمك والحراب العظمية (Bone har bone ) بإضافة إلي العديد من الأدوات الحجرية مثل الشفرات (Lunates ) والمكاشط (Flakes) وأدوات الطحن (Grinder stone) وقد افترض آركل أن أدوات الطحن كانت تستخدم في طحن المغرة الحمراء (Co-occure) والصفراء إضافة إلي وجود نوع من الأدوات المشظاه والمصقولة ورؤوس السهام الهلالية (Crescents) ورؤوس الصولجانات، وأن أكثر الأدوات الحجرية التي ميزت موقع الشهيناب هي أداة المقور (Gouge) والتي اعتبرها آركل أنها كانت تستخدم في تصنيع المراكب، وهناك بعض الدارسات اللاحقة التي أشارت إلي أن أداة المقور هذه استخدمت في الزراعة، ولكن الأرجح أنها استخدمت في تصنيع المراكب وقد أطلق اركل علي ثقافة الشاهيناب ثقافة المقور (Gouge culture) وهذه الأداة وجدت في موقع الفيوم في مصر، حيث وجد معها بعض الأدوات المتمثلة في الأزميل الذي كان يستخدم في تقطيع عظام الحيوانات الكبيرة  ووجدت بعض أدوات الزينة من زمام الشفاة (Lip-Plug) وخرز وأقراص لعمل الحلى، واعتقد آركل أن سكان الشهيناب كانوا يلقوا بموتاهم في النهر وذلك لأنه لم يجد مدافن، ولكن الحفريات اللاحقه في الموقع للباحثة هالاند عثرت على مدافن في الموقع .
نماذج من أداة المقور (Gouge)
فخار الشهيناب:-
توصل آركل إلي أن الفخار المزخرف بخطوط منقطة مموجة (Dotted wavy line) هو احد أنواع الفخار المميز لثقافة الخرطوم القديمة (Early Khartoum) والذي عثر عليه في الطبقات السفلى من موقع الشهيناب، وبناءً على هذا إستنتج آركل أن مستوطنة الشهيناب قد سكنتها في الفترة المبكرة مجموعة تنتمي للأفق الثقافي المعروف من موقع الخرطوم القديمة (العصر الحجري الوسيط )، ومن ثم سكنتها مجموعة تنتمي إلي العصر الحجري الحديث . وقد اتسم فخار الشاهيناب بتعدد الزخارف والأشكال التي صنعت منها أواني ذات أسطح لامعة من السلطانيات بنية اللون والأواني السوداء أو البنية ذات الحواف السوداء ، واغلب الزخارف هي الخطوط المموجة والتي أسماها آركل سلسلة سمك القرور وهناك زخارف علي شكل خطوط متعرجة بها طلاء لامع وألوان سوداء من الداخل والخارج كما وجدت الأواني السوداء والحمراء مزينه ذات أحجام وأشكال مختلفة واغلبها أواني دائرية الشكل وبعضها ذو حافة ضيقة وبعضها شكل قارورات لها حواف واسعة وهناك نوع من الأواني سمي بكاليسيفورم (Caliciform )  ويعتقد أنها مرتبطة بطقوس دينية وتعددت تلك الزخارف بين الزخارف علي شكل شريط والمحززة والمنقطة والتعرجات المثلثية وقد أصبحت مميزات هذى الفخار نموذج لفخار العصر الحجري الحديث في السودان .
نموذج تطور الزخرفة في الفخار في موقع الشهيناب

*بعد أعمال آركل ازدادت المسوحات والتقنيات الآثارية في منطقة وسط الخرطوم وكشفت عن تراكم هائل للمواقع الأثرية التي وضحت استمرار الاستيطان البشري في المنطقة في فترة العصر الحجري القديم (ثقافة الخرطوم المبكرة ) وحتى العصر الحجري الحديث منها:-
1| مواقع الضفة اليسري لنهر النيل :-
كشفت الأعمال الاثارية عن عدد من مواقع العصر الحجري الحديث في الضفة اليسري لنهر النيل بالقرب من موقع الشاهيناب ومنها : (أرجع التواريخ الرايديوكربونية لكل المواقع في محاضرة التسلسل الزمني للعصر الحجري الحديث).
1-     موقع النوفلاب 1981م: يقع قرب مجري النيل على بعد 23 كلم شمال ام درمان ويقع في منطقة حصوية وجدت به عدد من الأدوات الحجرية من المكاشط والشفرات والمقاور واوات الطحن والفخار الشبيه بفخار الشاهيناب وبعض عظام الحيوانات المستأنسة.
2-     موقع سلانج 1981م : يقع علي الضفة الغربية للنيل علي بعد 25,5 كلم شمال ام درمان ووجدت به بقايا عظام الحيوانات المستأنسة وشقف الفخار الشبيه بموقع الشاهيناب وهو اكبر حجماً من موقع النوفلاب واعتبره الباحث أنور عبدا لماجد موقع موسمي .
3-     جبل أم مرحي 1953: يقع علي الضفة الغربية للنيل بحوالي 33 كلم شمال امدرمان، وصفه كروفوت بأنه موقع استيطان للعصر الحجري الحديث من خلال انتشار شقف الفخار المميزة لثقافة الشاهيناب علي السطح.

2|مواقع الضفة اليمني لنهر النيل:
1-     موقع الجيلي 1970-1983م: يقع علي الضفة الشرقية لنهر النيل علي بعد  47 كلم شمال الخرطوم وهو عبارة عن تل رملي بالقرب من خط التحدي الخرطوم - عطبره ، اجريت فيه الحفريات علي يد إيزابيلا كانيفا (Caneva) وقد كشفت أن الموقع يعود للعصر الحجري الحديث من خلال شف الفخار الشبيه بالشاهيناب ويتكون من موقع استيطان بجانب مدافن .
2-     موقع الكدرو (1) 1972م-1978م : يقع علي الضفة الشرقية للنيل علي بعد 18 كلم شمال التقاء النيل الأبيض بالأزرق ويعتبر اكبر مواقع العصر الحجري الحديث إذ يحتوي على مدافن بجانب الموقع الاستيطاني  وقد كشفت الحفريات بواسطة كريزي زانياك (Crzyzaniak) أن المخلفات الأثرية في شمال الموقع توضح استيطان بشري والتي وجدت بها العظام والأدوات الحجرية وأكد الباحثين كريزي زانياك أن مدافن موقع الكدرو توضح التراتبية الطبقية لمجتمع العصر الحجري الحديث والطقوس الجنائزية ومؤشرات للطقوس الدينية واستمرارية موقع الاستيطان للمدافن والفخار الذي أعتبره كريزي زانياك يعود لمرحلة العصر الحجري الحديث المبكرة ووجد بالموقع المقاور وحجارة الرحى وعظام الأبقار المستأنسة . ويعتبر موقع الكدرو من المواقع المهمة في تحديد النمط الاقتصادي للعصر الحجري الحديث بظهور استئناس الأبقار وخصوصية الدفن للمجموعات البشرية حسب النوع والجنس والعمر .
موقع الكدرو (2) يقع حوالي 600 متر جنوب شرق الكدرو (1) وقد تم مسح الموقع واختبارة من قبل الباحثة هالاند 1987م  وفي العام 1989م عمل فيه كريزي زانياك حفرياته التي أسفرت عن وجود مدافن غنية بها فخار يعود لفترة العصر الحجري الحديث المبكر.
1-     موقع الزاكياب 1982م-1987م:ـ
يقع شمال الخرطوم على بعد 17كلم وعلى بعد 3 كلم من مجرى النيل الحالي أجريت التنقيبات فيه على يد الباحث على التجاني وعملت فيه هالاند وكشف عن أدوات حجرية وفخار وعظام الحيوانات . يعتقد أن موقع الزاكياب موقع موسمي استقله إنسان العصر الحجري الحديث في الصيف (Dry Season) حيث وجدت بع عظام حيوانات مستأنسة وسنارات مصنوعة من القواقع.
2-     موقع أم ضريوه (1) : يقع علي بعد 7 كلم من مجري النيل الحالي ، أجريت الحفريات فيه علي يد علي التجاني 1984م وكشف تلال ينتشر علي سطحها شقف الفخار والأدوات الحجرية المماثلة لموقع الشهيناب.
3-     موقع أم ضريوة (2) يبعد حوالي 3 كلم جنوب شرق أم ضريوة (1) وقد وجدت به الباحثة هالاند قطع فخار العصر الحجري الحديث منتشرة على السطح.
4-      
3|مواقع الضفة الغربية للنيل الأبيض :- 2000 م
   كشف مشروع الصالحة الآثاري عن انتشار مكثف لشقف الفخار التي تعود للعصر الحجري الوسيط والعصر الحجري الحديث ومخلفات الأشجار المتحجرة والقواقع التي ترجع للهولوسين المبكر والأوسط مما وضح بوجود مستوطنات قد زامنت ثقافة نوع الخرطوم (Khartoum Variants ) وتميزت بالأدوات الحجرية في موقعي العشرة والصالحة وبقايا ورش تصنيع الأدوات الحجرية .
مواقع العصر الحجري الحديث في اقليم الخرطوم والنيل الأزرق.
             






مواقع النيل الأبيض
كشفت أعمال البعثة المشتركة بقيادة الباحثة المشهورة هالاند عن انتشار لمستوطنات العصر الحجري الحديث في منطقة النيل الأبيض من الخرطوم حتى كوستي، أشهرها موقع ربك الذي يبعد 235 جنوب الخرطوم والذي يحتوي على الفخار ذو الخطوط المستقيمة  وبقايا العظام الحيوانية  وأدوات المكاشط والشفرات مع غياب أداة القاوج  (المقور) وقد كشفت الحفريات في هذا الموقع عن وجود بعض المواد التي تعود للعصر الحجري القديم بجانب العصر الحجري الحديث وأرخ إلي (3245 + 135ق.م) وعلي بعد 50 كلم شمال موقع ربك تم الكشف عن موقع جبل تومات الذي يحتوي مستوطنة للعصر الحجري الحديث غطيت بحجارة الرحى وفخار وبعض الأدوات الحجرية. وبالقرب من جبل مويه بحوالي 22 كلم غرب مدينة سنار كشفت الحفريات التي قام بها هنري عن أواني ذات رقبة طويلة وحواف غير سميكة، ظهرت عليها زخرفة الطبعات وأدوات حجرية تشبه ثقافة نوع الخرطوم وبعض عظام البقر المستأنس الذي يعود لحوالي 6000 سنه مضت وأرخ الموقع (4200+80) سنة مضت، وهناك عدد من المواقع ظهرت فيها المواقع المماثلة لثقافة نوع الخرطوم من قوز كبرو وقوز بخيت  وودشنان والبشارقة غرب وبعض المواقع ظهرت فيها المواد المزدوجة بين العصر الحجري الوسيط والحديث مثل موقع الكلاكله التريعة وموقع الشقيلاب وتريعة البجة (أ.ب.ج) والمسرة والسليكاب والتي وجدت بها عدد من زخارف العصر الحجري الحديث، ذات النقاط المنتظمة والمتعرجة وبقايا عظام لهياكل بشرية، وموقع السليكاب وحلة الشيخ حامد التي وجدت بها تراكمات هائلة لمخلفات ثقافة الشهيناب من الشفرات والأدوات الهلالية والشظايا المختلفة الأشكال وأدوات الطحن ويعتبر الموقعان من مواقع العصر الحجري الحديث النموذجية وهناك موقعي الدروه والدروه شمال والتي عثر فيها علي أشكال فخارية علي هيئة إنسان تشير إلي التماثيل الأنثوية والفخار المتعدد الأنواع من زخرفة النقاط والفؤوس الحجرية المصقولة وقد أرخت مواقع النيل الأبيض الأخيرة هذه إلي الفترة من العصر الحجري الوسيط حتى الفترة الثانية من العصر الحجري الحديث.

مواقع العصر الحجري الحديث على النيل الأبيض.



                   مواقع النيل الأزرق
كشفت أعمال البعثة الأسبانية بقيادة فرنانديز (Frenandez) عن انتشار موسع لمستوطنات العصر الحجري الحديث في الضفة اليمني للنيل الأزرق ومنطقة البطانة الجنوبية، تلك المنطقة التي اجريت فيها بعض المسوحات الاثارية علي يد هالاند وآركل وقد ذكروا موقع الحاج يوسف الذي يقع على بعد 4 كلم شرق النيل الأزرق ونقبت فيه البعثة الأسبانية في العام 1989م والتي عثرت علي شقف الفخار والأدوات الحجرية التي تعود للعصر الحجري الحديث وموقع حطب الذي يمتد في مساحة مرتفعة، انتشرت عليها شظايا الكوارتز وبعض شقف الفخار التي أرجعتها هالاند في العام 1987م للعصر الحجري الحديث، وموقع سوبا الذي تميز بفخار زخرفة الخطوط المموجة والزخرفة الهندسية وزخرفة المشط التي تعود لنهايات العصر الحجري الحديث ويتكون من (تلين) الأول عبارة عن مستوطنه للعصر الحجري الحديث وجدت فيها أعداد كبيرة من حجارة الرحى بجانب الفخار المتعدد الزخارف والثاني وجدت فيه الشقف الفخارية التي تعود إلي العصر الحجري الحديث.
 وقد كشفت البعثات الأثرية عن موقع شيخ الأمين الذي يغطي سطحة كمية من القواقع التي أرخت إلي 4590 + 145 سنه مضت، ووجدت به أنواع كثيرة من زخارف النقاط المموجة والخطوط  المستقيمة والمموجة وهناك موقع ربوب الذي يقع بالقرب من قرية ربوب وفرع وادي ربوب، والذي وجدت به الأدوات الحجرية من الكوارتز وفخار العصر الحجري الوسيط والحديث وأرخ 4670 + 50 سنه مضت ويعتقد فرناندز أن مواقع النيل الأزرق هذه عبارة عن مستوطنات تشير إلي استمرارية ثقافية بين العصر الحجري الوسيط و الحديث من خلال الشقف الفخارية المتعددة الأشكال والزخارف، بجانب الأدوات الحجرية المتعددة من الفؤوس الحجرية وبعض قطع المقاور والمسننات الصغيرة وذلك عندما كشف عن انتشار عدد من المواقع مثل موقع بئر الأحامدة وموقع ودالأمين والجريف غرب وموقع جبل قيلي .


مواقع غرب السودان
في السنوات الأخيرة من القرن العشرين ازدادت وتيرة العمل الاثاري في السودان خصوصاً حول الأودية وفي الصحراء غرب النيل حيث كشفت أعمال البعثة الألمانية من معهد كولون بقيادة كوبر في وادي هور عن انتشار مكثف لمواقع العصر الحجري الحديث علي ضفتي وادي هور تميزت بالزخارف المتعددة والأدوات الحجرية المشظية والمدببة  وتمثلت في مواقع أم الطيور – لقية عمران  - لقية الأربعين وبئر النطرون وقد عمل الباحث عباس سيد احمد على مقارنة هذه المواقع بمواقع البطانة مما كشف عن وجود تباين ثقافي لانتشار ثقافة العصر الحجري الحديث في السودان.
وحول وادي القعب كشفت جامعة الخرطوم عن بقايا بحيرات قديمة وشقف فخارية تعود للهولوسين الأوسط مع الفخار المميز للعصر الحجري الحديث وقد بلغ حجم مواقع العصر الحجري الحديث في هذه المنطقة قرابة الكيلومتر حول مواقع برك قديمة، لاسيما إن أعمال الباحث سيمث (Smith 1989) قد كشفت عن عدد من المواقع حول وادي المقدم لنهايات العصر الحجري الحديث .

مواقع البطانة
تعتبر المنطقة بين النيل الأزرق ونهر عطبرة ونهر النيل من المناطق التي اتجهت إليها أعمال البحث الأثري للكشف عن امتدات العصر الحجري الحديث ولسد الفجوات الزمنية والثقافية لمواقع الفترات المتأخرة من ما قبل التاريخ في النيل الأوسط، وقد كشفت تلك الأعمال عن مواقع متجانسة ومختلفة ثقافياً تعود للعصر الحجري الحديث منها:
موقع شق الدود :-  اكتشف موقع شق الدود عن طريق بعثة جامعة همبولدت أثناء مسوحاتها في منطقة البطانة الغربية في بداية الستينات من القرن الماضي وهو يقع علي بعد 3 كلم جنوب شرق موقع النقعة المروي وأجريت الحفريات فيه بواسطة البعثة المشتركة بين جامعة الخرطوم وجامعة ميثودث الأمريكية 1982م وقد كشفت الحفريات عن موقعين من الفترات المتأخرة لما قبل التاريخ، موقع شق الدود أ- ب،  حيث أشارت إلي وجود أربعة مراحل زمنية في موقع الكهف شق الدود (أ) تمتد من منتصف الألف السادس إلي نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، أقدمها بدايات العصر الحجري الوسيط 5500-4800 ق.م ثم العصر الحجري الوسيط المتأخر (4800-4600 ق.م ) والعصر الحجري الحديث والمرحلة الرابعة لا يوجد لها مثيل علي النيل وتمتد من 2700-2000ق.م . وفي موقع شق الدود(ب) وضحت الحفريات عن كميات كبيرة من شقف الفخار المتعددة الزخارف ودرجة الصنع مابين الفخار الصلب والناعم والفخار القابل للكسر، والأدوات الحجرية الدقيقة والتي أظهرت أعمال الطرق والكشط والتلميع وأغلبها شظايا وشفرات .
 ويعتبر موقع شق الدود من أكبر مواقع العصر الحجري الحديث في العمق الطبقي الذى وصل ثلاث أمتار لذلك يعتبر نموذجاً لمستوطنات العصر الحجري الحديث خارج النيل والتي اعتمدت على صيد حيوانات السافنا وجمع الحبوب البرية وقد كتبا عنه الباحثان السودانيان عباس سيد احمد ويوسف مختار العديد من المقالات الشارحة لطبيعة النم الاستيطاني للعصر الحجري الحديث خارج النيل.
إضافة إلى أن أعمال وبندروف وماركس (Wendorf and Marks 1984) حول منطقة البطانة الشرقية كشفت عن انتشار مكثف لمواقع العصر الحجري الحديث في منطقة خشم القربة والتي اعتبرروها كمعسكرات لصيادين الأسماك والحيوانات البرمائية وتميزت اغلبها بالمواقع السطحية، كما دلت أعمال كريم صدر (Sadar 1980) عن ثلاث مجموعات استيطانية للعصر الحجري الحديث شرق نهر عطبرة اختلفت من ناحية حجم المواقع والمادة الثقافية أطلق عليها مجموعة مكرم ومجموعة كسلا ومجموعة القاش وتمثل مستوطنات منذ بدايات العصر الحجري الحديث وحتى نهاياته حيث وجدت بها نماذج الفخار الأحمر ذو الحافة السوداء (Black toped red ware) الذي يشير إلى التواصل والاستمرارية الثقافية لتلك المستوطنات مع مثيلاتها في شمال السودان ( ثقافة المجموعة أ – حضارة كرمة ).
وتعتبر منطقة نهر عطبرة من المواقع التي شهدت استيطان للعصر الحجري القديم حول وادي الهودي وأبوعدار وقد أمتد استيطان العصر الحجري الحديث ليشمل المنطقة حول الوديان وعلي ضفتي النهر حتى موقع قوز رجب الذي يعتبر مستوطنة للعصر الحجري الحديث ، لاسيما أن أعمال كريم صدر والبعثة الإيطالية حول الصحراء الشرقية كشفت عن تردد أستيطان بشري حتى نهايات العصر الحجري الحديث في المنطقة الشرقية وأرخت من (7000 – 5000 ق.م).
الفخار الأحمر ذو الحافة السوداء


مواقع منطقة شندى
مواقع منطقة شندى
أثمرت أعمال البعثة الفرنسية من العام 1977 – 1986 م بقيادة جاك رينولد وجيوس (Reinold- Geus)   عن العثور على ثلاثة مواقع إلى الشمال من منطقة شندى على الضفة اليمنى من النيل بحوالى 180 كلم شمال الخرطوم من خلال المسح الاثارى والتنقيب أهمها موقع الكدادة الذي يعود تاريخه إلى النصف الأول من الألف الرابع قبل الميلاد وهو عبارة عن تل بالقرب من النهر يحتوى على شقف فخارية وأدوات حجرية علي السطح وقد كشفت التنقيبات عن تطور ملحوظ في تقنية  فخار العصر الحجري  الحديث ، علاوة علي أن المدافن في هذا الموقع قد كشفت عن التنظيم الداخلي للأثاث الجنائزي والتراتبية في مجتمع العصر الحجري الحديث بدفن محتويات القبر مع المتوفى وتخصيص دفن الاطفال داخل الجرار ووضع أدواتهم معهم والتي تكونت من الأواني الفخارية الصغيرة ومعالق من القواقع بجانب صناعة التماثيل الأنثوية وعدد كبير من أدوات الزينة من أداة الشفة والخرز والأساور والمغرة لتلوين الأجساد وقد كشف ذلك المحتوي الثقافي بتطور موقع الكدادة من موقع الكدرو، ويعتبر نموذج لظهور الإيديولوجية الفكرية والتنظيم الاجتماعي لإنسان العصر الحجري الحديث .
كما كشفت تلك الأعمال عن موقعي العشرة والغابة بالقرب من الكدادة وقد أشارت إلي وجود حقبتين من العصر الحجري الحديث في منطقة شندي تمتد  الأولى من (4450 - 378 ق.م) والثانية (3650 – 3350 ق.م) .
وهناك كشفت أعمال جامعة شندي في العام 2001م بقيادة صلاح عمر الصادق عن موقع قلعة شنان الذي يقع غرب مدينة شندي علي الضفة اليمني لنهر النيل ويتكون من ثلاثة تلال كبيرة (الكوم أ – ب - ج) انتشرت علي سطحها الأشكال المتعددة لفخار العصر الحجري الحديث والأدوات الحجرية والعظام وقد كشفت الحفريات حفريات 2010 – 2012م عدد مقابر العصر الحجري الحديث التي وضحت تباين في الدفن ومحتويات المدافن من أثاث جنائزي ومؤشرات لظهور تنوع في الدفن وفقاً للاختلاف الطبقي والثروة مع وضعيات خاصة لدفن الأطفال دون عمر الساسة داخل جرار وما فوق في مقابر منفصلة ذات أثاث جنائزي كبير، وقد كشفت حفريات جامعة الخرطوم في العام 2005م بقيادة اذهري صادق عن موقع الصور حوالي 1كلم إلي الشمال من مدينة مروي القديمة وهو عبارة عن تل صغير الحجم ووضحت الحفريات فيه أنه مستوطنة لنهايات العصر الحجري الحديث تماثل موقع الكدادة من ناحية دفن الأطفال داخل الجرار في الموقع الاستيطاني وتعدد أنماط الفخار والأدوات الحجرية وصناعة التماثيل الأنثوية وظهور عظام الحيوانات غير المستأنسة.
نموذج للقبر المذدوج في موقع قلعة شنان
                              نماذج لزخرفة فخار موقع الكدادة
دفن الأطفال داخل الجرار في موقع الكدادة  
خريطة تبين مواقع العصر الحجري الحديث في البطانة ومنطقة شندي



المواقع بين الشلال الرابع والثالث (قطاع دنقلا)
كشفت الحفريات الاثارية عن أنتشار لمواقع العصر الحجري الحديث بين كريمه و دنقلا بواسطة جامعة جنيفا بعضها وجد بالقرب من مدافن حضارة كرمة، ويبدو من خلال محتويات الموقع أنها مستوطنات رعوية موسمية تميزت بشقف فخار العصر الحجري الحديث والأدوات الحجرية وحجارة الرحى وعظام الحيوانات التي أظهرت بعضها عظام حيوانات مستأنسة وبقايا مباني مثلثة الشكل كما وجدت اعدد كثيرة من مواقع العصر الحجري الحديث جنوب كرمه علي طول مجري النيل القديم أهمها مواقع كدركة الذي نقبه جاك رينولد (Reinold 1986) والذي يقع علي ضفة وادي الخوي، كما كشف أعمال ولسباي (Welsby 2000 ) عن عدد من المواقع السطحية حول موقع كدركة ووصف شكلها بأنها عبارة عن مرتفعات تختلف عن التلال الموجودة في سوط السودان وقد أشار إلي نوع الاستيطان الدائم في تلك المنطقة والذي يعود لما بعد العصر الحجري الحديث وبعضها وجد تحت مدافن كرمة كما كشفت مسوحات جامعة كلفورنيا عن عدد من المواقع الأثرية من حنك والخندق إضافة إلي المواقع التي سجلتها البعثة الأمريكية (CPE) حول منطقة كورتي وكرمكول ووادي الملك وقد كشفت مجاميع الأدوات الحجرية والفخار عن تشابه لثقافة الخرطوم الميثوليثية والنيوليثية.
وقد سميت مواقع كرمكول بثقافة الخرطوم المبكرة كما كشفت الحفريات الإنقاذية لسد مروي عن مواقع تعود للعصر الحجري الحديث حول الملتقى شبيه بمواقع دنقلا العجوز التي كشفتها أعمال كريزي زانياك عام 1967م والتي قسمت إلى مجموعتين وفقاً للمحتوى الثقافي ومظاهر المواقع الطبوغرافية وتعددت المحتويات الثقافية بين أدوات الرحى والفؤوس الحجرية والشظايا وصناعات الأدوات ذات الظهر ولمبات زيت كما أن هناك مواقع الفترات المتأخرة من العصر الحجري الحديث في منطقة الكرو وأمري والكربكان ومنطقة أبوحمد،  وكشف مشروع المحس الآثاري عن أعداد هائلة من مواقع العصر الحجري الحديث التي تختلف من ناحية الحجم والمحتوى الآثاري ومثيله لثقافة نوع الخرطوم حول جزيرة أدردوان ودلقو على الضفة الشرقية والغربية للنيل واشتهرت مواقع العصر الحجري الحديث في شمال السودان بوجود رسومات الحيوانات على الصخر (Rock Drawing) وتنوعت هذه المواقع في طبقاتها مع مواقع وسط السودان حيث 45% منها يماثل موقع الجيلي و(72-58%) يماثل النفولاب وحوالي 50% يعود لثقافة الشهيناب .
وقد توسعت دراسات العصر الحجري الحديث في منطقة الشلال الثالث حول جزيرة أردوان ومنطقة الملتقى، وقد عثرت الدراسات الآثارية على عدد من المواقع الأثرية، التي احتوت على كميات كبيرة من شقف الفخار، ويندر العثور على أواني مكتملة وغلبت على صناعة الفخار الصناعة اليدوية (Hand made pottery) وتميزت بالأواني الفخارية السوداء والحمراء ذات الفم المفتوح والمتوسطة الحجم، وتركزت الصناعة الحجرية على أدوات صغيرة ومشذبة من الكوارتز والراويلايت والجرانيت والصخور الرملية تكثر بها أدوات (Row Material) وأدوات الرحى والمكاشط والشظايا والأدوات الهلالية وقد تميزت صناعة الفؤوس الحجرية بثلاث ملاحظات:-
1- Polished grinte  axes with cutting edge and polishing visible on the whole surface.
2- Nile pebble axe made on Quartze and Retouched in one side.
3- Quartze axes. Trimmed on the whole surface.
وهناك تشابه في الأدوات الحجرية بين مواقع الشلال الثالث وموقع كدركة وموقع الكدرو.
مواقع الشلال الثالث والرابع


العصر الحجري الحديث في النوبة السفلى (ثقافة نوع الخرطم)
أطلق دارسي فترات ما قبل التاريخ على تلك المكتشفات التي وجدت حول الشلال الثاني في منطقة وادي حلفا ثقافة نوع الخرطوم (The Khartoum Variant) من خلال التشابه في الأدوات الحجري الدقيقة وقد وجد امتداد واسع لهذه الثقافة جنوب الشلال الثاني حتى جزيرة صاي ومنها:-
ثقافة عبكة
        عثر على انتشار لمواقع العصر الحجري الوسيط والحديث جنوب وجنوب غرب عبكة محازية لنهر النيل أرخت المواقع التي تعود للعصر الحجري الوسيط منها إلي (7350 – 6300 B.C) ومواقع العصر الحجري الحديث (4000 B.C) وقد أفادت الدراسات بتماثل التواريخ الأخيرة مع ثقافة العصر الحجري الحديث في النوبة السفلى، وقد بلغت حوالي (12) موقع، وقد عثر الباحث مايرس (Myers 1958) على مواقع بلغت طبقاتها ما بين 4 – 5 من طبقات العصر الحجري الحديث، حيث أطلق على تلك المواقع ثقافة عبكة نسبة لتفردها ببعض المميزات التقنية.
وقد تميز فخار ثقافة عبكة بثلاث مميزات صناعية يحتوي النوع الأول على فخار الخرطوم المبكرة ذو الخطوط المموجة والنوع الثاني صنع من الرمال الصفراء وسطحه ملمع وعليه زخرفة التموج التي تعمل بالأعشاب ، ويتماثل النوع الثالث من فخار عبكة من ناحية السطح الملمس مع فخار المجموعة (أ) وهو الفخار ذو السطح الخارجي الأحمر والحافة السوداء اللامعة، وتميز فخار ثقافة عبكة بأشكاله التي وجدت من سلطانيان نصف دائرية ذات جدران رقيقة وفي بعض الأحيان تسلب أسطح هذه الأواني باللون الأحمر.
ووصفت صناعة عبكة الحجرية بمحلية التقنية، ويبدو أنها امتداد لصناعة قدان، التي ظهرت في العصر الحجري القديم الأعلى (المتأخر) وهي عبارة عن مكاشط أعيد كشطها وشفرات صغيرة وشظايا وصناعة النصال. (Backed Blade).
يعتقد ويندورف أن صناعة عبكة هذه تطورت محلياً وانحصرت في منطقة النوبة السفلى بالقرب من الدبة في قطاع دنقلا، ويعتقد شيني بأنها امتداد لصناعة قدان القديمة، ويبدو أن فخارها يشابه فخار المجموعة (أ) النوبية، ولذلك يعتقد بعض الدارسين أن المجموعة (أ) هي مجموعة ثقافية تابعة لثقافة عبكة في النوبة السفلى بل هي متأخرة من عبكة في المنطقة، كما امتدادات واسعة لثقافة عبكة حول جزيرة دبروسة.
وعثر مايرس على بقايا مخلفات أكواخ يعتقد في أن عبكة مجموعات قطنت ضفاف النيل، وهي أشبه بالمجموعات الموسمية، وقد أشار نوردستروم إلي أن البعثة الأمريكية (CPE) قد كشفت عن مواقع مماثلة للمجموعة (أ) أطلق عليها ما قبل المجموعة (أ) وتمثل امتداد لثقافة عبكة من خلال بقايا القواقع ومخلفات الحيوانات والرسوم الصخرية وعظام الأسماك، خصوصاً أن مايرس وجد كل ذلك في بقايا مخلفات ثقافة عبكة وقد وضحت دراسات شيني المرتكز الاقتصادي لثقافة عبكة الذي يعتمد على الأسماك في المقام الأول، وقد لعب الجمع والصيد جانب ثانوي لمجتمع عبكة.
زخارف ثقافة نوع الخرطوم في شمال السودان



العصر الحجري الحديث في وادي حلفا
تعتبر منطقة وادي حلفا التي تمتد من جنوب الشلال الأول وحتى الشلال الثاني هي منطقة انتشار واسع لما قبل التاريخ وقد كشفت أعمال البعثة الأمريكية (CPE) عن أعداد هائلة من مواقع للعصر الحجري الحديث أطلق عليها ويندورف ثقافة الخرطوم بوادي حلفا من خلال تشابه الفخار من ناحية معالجة سطح الإناء التي تماثل فخار الشاهيناب فقط الاختلاف في نوع الصلصال، بينما يرى نوردستروم وجود اختلافات هامة بينهما خصوصاً في الصناعات العظمية والحجرية حيث اختفت الأزاميل العظمية ورؤوس الصولجانات والخرز المميز لثقافة الخرطوم وظهر نوع محدب من المكاشط ويقول عنها ويندورف أنها تشبه المكاشط المصرية في واحة الخارجة، ومن الأدوات الشائعة في وادي حلفا المثاقب والأهلة الحجرية وحجارة الرحى وأدوات مصنوعة من حجر الصوان المصري ويرى في ذلك الباحثين أن هناك عملية تبادل ثقافي بين مصر والسودان في ثقافة العصر الحجري الحديث.
وتعتبر هذه المواقع من مستوطنات العصر الحجري الحديث التي خلفتها مجموعات العصر الحجري القديم في النوبة السفلى وأظهرت تجانساً في الموروث الثقافي بين الفترتين وتعتبر ثقافة الشمركية نموذج لتلك الاستمرارية الثقافية.


تطور الصناعة الحجرية في مواقع وادي حلفا



أنماط الإستيطان البشري للعصر الحجري الحديث
أوضحت الأعمال الاثارية في مواقع العصر الحجري الحديث أن هناك تنوع في طبيعة الإستيطان لإنسان تلك المرحلة، مابين المستوطنات كبيرة الحجم وهي المستوطنات الدائمة (Permanent settlement) أي المستقرة، والمستوطنات شبه المستقرة (Semi sedentary) أي إنها متنقلة، ويتوقف هذا التنوع في الإستيطان على المرتكز الاقتصادي وطبوغرافية الموقع وقد اختلفت مواقع هذا العصر من منطقة إلى أخرى من حيث كمية المحتوى الثقافي الذي يعكس الكثافة السكانية وفترة الإقامة في الموقع، مما يوضح أهمية الاستيطان عليه، كما أن طبيعة المجموعة البشرية التي شغلت الموقع ومدى استغلالها للموارد الطبيعية تلعب دوراً بارزاً في تحيد النمط الاستيطاني عليه وتفيد دراسة أنماط الإستيطان البشري في دراسات العصر الحجري الحديث بتحديد تطور المجموعات البشرية واتجاهات تحركاتها عبر الأقاليم. ومن خلال المحتوى الآثاري لمواقع العصر الحجري الحديث يمكننا تحديد أنواع المواقع الأثرية على نمط الاستيطان إلى الآتي:ـ
1-(Occupation) وهي المواقع الأثرية التي ظهرت عليها مخلفات قليلة من العصر الحجري الحديث مما يؤكد وجود مجموعة بشرية قد شغلت الموقع لفترة وجيزة ومن أمثلة هذا ما تم العثور عليه في الشلال الثالث وحول خشم القربة والتي أطلق عليها بعض الدارسين المواقع السطحية نسبة لقلة طبقات الإستيطان فيها.
2- (Occupation and Grave) وهي المواقع الأثرية التي وجدت فيها دلائل استيطان بسيطة مع وجود مدافن لذلك الإستيطان، وهو ما يوضح مجتمع ما قد شغل الموقع وأصبح يدفن موتاه، مما يشير إلى طول فترة الإقامة وربما يرجع قلة المادة الثقافية لبساطة المجتمع أو فقر المحيط البيئي في الموقع وتمثله مواقع النيل الأبيض والشلال الثالث .
3- (Occupation and Rock drawing) وهي المواقع الأثرية التي وجدت في المرتفعات الجبلية والتي كشفت عن استيطان مجموعات بشرية استغلت الظروف المحيط بالمنطقة في السكن وطبوغرافية المنطقة، في تجسيد الرسومات على الصخور والجبال وأكثر هذه المواقع في منطقة الشلال الثاني وثقافة عبكة وموقع جبل قيلي في البطانة وهذه السمة الاستيطانية غلبت على مواقع الفترة المتأخرة من العصر الحجري الحديث والتي تماثل مواقع المجموعة النوبية (أ) .
4- (Habitation) هي المواقع التي سكنتها جماعات بشرية لفترة محدودة غالباً ما تكون موسمية (Seasonal) وخلفت بقايا مادية كانت مستخدمة من أدوات حجرية وفخار وعظام ويتميز هذا النوع من الإستيطان بصغر الحجم ومتوسط المحتوى الثقافي ودائماً ما توجد لمثل هذا النوع مواقع بديلة استغلها الإنسان وفق التقلب الموسمي لوفرة المرتكز الاقتصادي ولها نماذج كثيرة من المواقع في السودان الأوسط مثل موقع الزاكياب والبطانة الشرقية ومواقع النيل الأزرق .
5- (settlement) هي المواقع التي تشير إلى قيام مستوطنات كبيرة الحجم وكثيرة المادة الثقافية وتتنوع مابين الاستيطان الدائم والمستقر وتختلف هذه المستوطنات من ناحية الحجم والعمق الطبقي ووجود المدافن التي تحدد الاستيطان الدائم وتمثلها أغلب مواقع العصر الحجري الحديث في الشاهيناب والكدرو والكدادة والسروراب .
6-(Structure) هي المواقع الأثرية التي تظهر عليها دلالات لبقايا مباني ترجع للعصر الجري الحديث وهي نادرة ووجدت حول مناطق النوبة السفلى وهي تشير إلى إقامة معسكرات صيادين أو قرى زراعية موسمية شيدت أكواخ أو مباني صغيرة من الطين ويتميز هذا النمط من الاستيطان بصغر الحجم وقلة المحتوى الآثاري.
7-(Grave) هي مواقع المدافن وتعتبر نمط استيطاني وذلك لأنه لا يمكن أن يكون إنسان العصر الحجري الحديث قد استغل الموقع في الدفن بدون أن يكون له استيطان في المنطقة حول موقع المدافن، هذا وغالباً ما توجد مدافن العصر الحجري الحديث أما بالقرب من موقع الإستيطان مثال موقع الكدرو وأما داخل موقع الإستيطان كما هو موجود في الكدادة والصور ويشير النمط الاستيطاني الذي يشتمل على مدافن إلى أن الإستيطان الذي شغل الموقع كان استيطاناً دائماً .
8-(Scatters) هي المواقع الأثرية التي يوجد منتشر على سطحها شقف الفخار أو الأدوات الحجرية في مساحة كبيرة دون أن يكون لها عمق طبقي وهي كثيرة ومتنوعة في السودان وغالباً ما توجد في مساحات شاسعة وتعمل النشاطات البشرية والطبيعية على تبعثرها، وتدل على مجموعات بشرية استغلت المنطقة لنشاطات محدودة من الصيد أو الجمع ولربما جماعات موسمية كثيرة التنقل .
9-(Quarry) هي مواقع المحاجر التي تتمثل في المواقع التي تنتشر على سطحها الشظايا والشفرات للأدوات الحجرية التي تشير إلى وجود تصنيع أدوات حجرية في المنطقة، وغالباً ما توجد في أماكن توفر المادة الخام (الصخور) وعلى الجبال أو مستوطنات جماعات الصيادين أو موقع تصنيع الفخار.
إن أنماط الاستيطان البشري تعدد أشكالها وفقاً لمحددات طبيعة النشاط البشري في الموقع وتعكس المخلفات الأثرية  التي توجد في الموقع حجم الإستيطان ونوعه وهي ما توضح التحول في اتجاهات إنسان العصر الحجري الحديث في استغلال الموارد الطبيعية وهجرة المجموعات البشرية من منطقة لأخرى وطبيعة المجتمع في ذلك العصر، وقد ساعد التطور في النمط الاقتصادي على تعدد أشكال الاستيطان البشري وتنوعها، ويظهر ذلك في تحول معسكرات الصيد الصغيرة في منطقة الخرطوم وشمال السودان إلي معسكرات رعوية أكبر حجماً ومن ثم إلي قرى زراعية ذات مساحة أكبر ومادة ثقافية أكثر.

التطور الاقتصادي لإنسان العصر الحجري الحديث في السودان
بما أن فترة العصر الحجري الحديث هي فترة الانتقال من جمع الطعام إلي انتاجه، عليه لابد أن يكون هذا الانتقال قد مر بسلسلة من التطورات والتغير في المرتكز الاقتصادي، ساعد على ذلك توفر الموارد البيئية والتغير في المناخ، ومحاولات الإنسان في التأقلم مع الظروف الجديدة ومحاولة اختراع الأساليب المعيشية، التي تواكب التكيف البيئي الجديد ، لذلك سمي بعصر الانتقال من جمع الطعام إلى إنتاجه (Transition From Food Collection to Food Production )، ولم يصل الإنسان إلى هذه المرحلة فجأة بل تدرجت بنية اقتصاده من البساطة إلى التعقيد عندما زادت الكثافة السكنية وأصبح هناك سلم تطوري في مرتكزات اقتصاد العصر الحجري الحديث على النحو التالي :ـ
1-                    الصيد(Hunter) :
تعتبر هي الحرفة الأولى في تاريخ البشرية والتي بدأت ببداية ظهور الإنسان واستمرت حتى العصور التاريخية ووجدت أدلتها الأثرية في مواقع العصر الحجري الحديث متمثلة في الأدوات الحجرية وعظام الحيوانات غير المستألفة، غير أن تطور هذه العملية، لم يعتمد على تطور الأدوات الحجرية ولكن أعتمد على تغير الظروف الطبيعية ، لم تظهر أدلة واضحة على اختلاف الصيد من العصر الحجري الوسيط إلي الحديث غير التطور في شكل الأدوات الحجرية ولكن قد أختلف الصيد من العصر الحجري القديم إلى الحديث بأن إستقرت مجموعات الصيادين بالقرب من مصادر المياه وأصبحت تترصد الحيوانات عندما تأتي للمياه وأصبح الصيد في مجموعات بشرية مع استمرار الصيد الفردي ويبدو أن التعددية في الأدوات الحجرية والعظمية كانت نتيجة تعددية في أنواع الحيوانات وأحجامها كما أظهرت مستوطنات العصر الحجري الحديث في كل من وسط السودان، وشماله وشرقه وتمثلت تلك الأسلحة في كل من القوس والسهم والرمح المقذوف بجانب الحجارة المقذوفه حيث أقام  الصيادين حفر صغيرة لنصب الشرك بصورة بدائية،.
نلاحظ أن حرفة الصيد لم تقتصر على نطاق جغرافي بعينه، بل إنتشرت على مدى واسع في مواقع العصر الحجري الحديث وقد اختلفت مخلفاتها الحجرية من المادة الخام وتطور شكل الأداة من الأدوات الخام الكبيرة إلى الأدوات الدقيقة وتشير الدراسات إلى أن البيئة النهرية مثل (ثقافة الشهيناب) شكلت ثقافة فريدة عن بيئة السافنا مثل (شق الدود) في الصيد، وهناك بعض المستوطنات التي جمعت بين الصيد في البيئة النهرية والصحراوية وأطلق عليها الدارسين البرمائية مثل مستوطنات نهر عطبرة، عنيبس والدامر وأبودريين، كما لم يقتصر الصيد في الحيوانات النهرية على الأسماك بل وجدت عظام التماسيح والسحالي وفرس النهر، وفي الجانب الآخر تعددت عظام الحيوانات البرية من الحيوانات الكبيرة والصغيرة والطيور وقد استقل إنسان العصر الحجري الحديث صيد القواقع وصدف البحر، وكل ذلك تمثله البقايا العظمية والأدوات المستخدمة في الصيد في المواقع الأثرية الذي طور من حرفة الرعي واستئناس الحيوان.
             
       
2-الجمع (Gather):
تعتبر أولى خطوات تفاعل الإنسان مع البيئة، عندما بدأ يلتقط ثمار الأشجار والنباتات البرية الموجودة من حوله وقد ارتبط جمع الأشجار بنشاطات بشرية من جمع الثمار والجذور والجذوع وكانت تستخدم في الحصول على ذلك عدد من الأدوات تدرجت من الفؤؤس الحجرية التي كانت تستخدم في قطع الأشجار إلى بعض الأدوات الصغيرة، التي تستخدم في قطف الثمار ودلت المكتشفات الأثرية في أغلب المواقع على أن هذا النمط الاقتصادي كان مبكراً منذ العصر  الحجري القديم الأسفل ومعاصراً لنمط الصيد، وقد شكلت الدورات المنتظمة لجمع الحبوب البرية فكرة الزراعة المبكرة، عندما لاحظ الإنسان القديم أن عملية أكل الثمار وطرح بذورها على الأرض تنمو عند هطول الأمطار بالتالي تكونت فكرة استئناس تلك النباتات وتشير الأدلة الأثرية إلى أن القمح والشعير كانت أول الحبوب الدرنية التي زرعها الإنسان، وتؤكد بقايا البذور في قطع الفخار المتحجرة والأدوات الخشبية إلى أن عامل البيئة لعب الدور الكبير في معرفة الإنسان بجمع النباتات الصالحة للاستعمال في الأكل وفي تشكيل الأدوات ونلاحظ ذلك التطور عندما كشفت الحفريات عن مجموعات الصيادين في ثقافة نوع الخرطوم في وادي حلفا شيدت أكواخ مبنية من العود والجلود واستغلت نباتات الإقليم في الجمع وعلى الرغم من كثرة بقايا الأدوات الحجرية التي يظهر تنوعها تطوراً ملحوظاً إلا أن السلوك الذي اتبعه الإنسان في تطوير جمع النبات مازال غامضاً ولا يعرف متى وأين كان أول استخدام أمثل للنبات في السودان ، وتشير الأدلة الأثرية إلى أن حرفة الجمع لم تقتصر على جمع النبات بل كان هناك جمع لبعض الحيوانات والطيور والقواقع واستخدامها في الأكل.
إنتاج الطعام:ـ   (من المسائل التي ما زالت غامضة في السودان)
تطور الإنسان من استهلاك الطعام إلى إنتاجه خلال العصر الحجري الحديث، وكانت هذه بمثابة خطوة مهمة في حياة البشرية إذ أنتقل إثرها الإنسان من الترحال وراء حيوانات الصيد والثمار إلى حياة تتسم بالاستقرار، وأنه عندما أنتج الطعام وفر الأمن والراحة في مناطق سكنه فتمكن من إستئناس النبات والحيوان واستخدام تلك الحيوانات في احتياجاته اليومية واستفاد من النباتات في تشييد مساكنه وبالتالي ظهر نوعين من الاقتصاد، الرعي والزراعة وفسر الباحثين ذلك النمط الاقتصادي الجديد من أدوات السحن والرحى، ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت أدوات الرحى ليست بالدليل على هذا النمط الجديد (الاستئناس) (Domestication) ، وعندما تم الكشف عن عظام الحيوانات المستأنسة وبزور النباتات المستألفة اتجهت الدراسات إلى التعرف على ماهية ذالك النمط الاقتصادي وكيفية تطويره من جذوره الأولى،    فكشف موقع الكدرو عن أدلة لظهور عظام الأبقار المستأنسة، مما جعل الباحثين يعتبرون أن أواسط السودان هي المنطقة الأولى في السودان التي تقدم دلائل للحيوانات والنباتات المستأنسة، وقد ظهرت ثلاثة  حيوانات مستأنسة في مواقع  العصر الحجري الحديث في منطقة الخرطوم وهي الأبقار والماعز والضان والكلب وقد أشار اركل إلى وجود الماعز القزمي (Dwarf goat) في موقع الشاهيناب والذي إفترض أنه أدخل من تبستي بالجزائر عن طريق الصحراء الغربية ولكنه لم يشير إلى وجود أبقار في الشاهيناب وأكدت وجودها الأعمال اللاحقة وتحدثت عن أنها أبقار برية وقد اتسعت دائرة ظهور نمط الرعي في مواقع هذا العصر في إقليم الخرطوم فشملت الشاهيناب ،الكدرو، أم ضريوه، والزاكياب والنوفلاب، والحاج يوسف إضافة إلى إشارات الدراسات في منطقة شمال السودان إلى العثور على عظام الحيوانات المستأنسة ورسوماتها على الصخور في ثقافة عبكة النيوليثية كما كشفت الأعمال الآثارية في كل من منطقة شندي والنيل الأبيض والنيل الأزرق عن دلائل كثيرة لتربية الحيوانات ومؤشرات استخدام الزراعة مثل أدوات الرحى وبذور الحبوب الدرنية في الفخار، لاسيما ما كشفت عنه حفريات موقع الكدادة والشيخ الأمين والمحلاب. ومع ذلك فإن هناك عدة مشاكل علمية تتصل بأصل الاستئناس خلال العصر الحجري الحديث في السودان وقد ربطت ظهور هذه السمة الثقافية في السودان بشمال أفريقيا والصحراء الكبرى، ونجد أن الباحثين قد انقسموا في أصل إنتاج الطعام بشمال شرق أفريقيا إلى قسمين أومدرستين، لكل منها رأيها الخاص حول أصل الحيوانات        والنباتات المستأنسة في تلك المنطقة وهي:
المدرسة الأولى
وهي تعتقد أن منطقة شمال شرق أفريقيا استقبلت معرفة الرعي والزراعة من جنوب غرب آسيا، قبل إنتشارها إلى بقية أجزاء القارة وتم إعتبار نهر النيل وإثيوبيا كطريقين إنتشرت من خلالها تلك المعرفة ويمكن تلخيص أسباب قبول هذه النظرية في الآتي:ـ
1-     ظهور دلائل إنتاج الطعام في مستوطنات جنوب غرب آسيا ، سابق تاريخها للمستوطنات الأفريقية.
2-     إن أقدم الحيوانات والنباتات المستأنسة  هي الضان – الماعز والقمح والمكتشفة في جنوب شرق إفريقيا (خاصة موقع الفيوم والشاهيناب) لم يتم العثور على أسلاف برية محلية لهذه النباتات والحيوانات.
3-     يعتقد أن الزراعة في المناطق الأفريقية المعتدلة سابق تاريخها لأفريقيا المدارية.
4-     لا توجد حتى الآن مستوطنات في أفريقيا بها دلائل لإنتاج الطعام معاصرة أو سابقة للمستوطنات الأولى في نهر النيل.
المدرسة الثانية:ـ
وهي تزعم بوجود استئناس أفريقي محلي للنباتات والحيوانات في المنطقة شبه الاستوائية معاصر لجنوب غرب آسيا وهذه المدرسة لها عدة دلائل تعتمد عليها:ـ
1-     هناك دلائل مدعومة بتواريخ كربونية على وجود فترة استقلال مكثف للنباتات في أفريقيا قبل أو معاصر لاستقلالها في جنوب غرب آسيا.
2-     تشير دراسات علم النبات، على أن النباتات الاستوائية المستأنسة في أفريقيا اليوم وهي الذرة والدخن ، ليس لها أسلاف برية في جنوب غرب آسيا.
3-     هناك دليل هام مدعوم بالتواريخ الكربونية، يشير إلي أن الفخار وأدوات الطحن قد عرفا في الصحراء قبل ظهورهما في شمال أفريقيا .
4- تم العثور على البقر البري ( Bospruming Chicy) بصورة منتشرة في شمال إفريقيا.
خريطة توضح توريخ الاستئناس المبكر في جنوب غرب آسيا

نستنتج من خلاله الأدلة التي طرقتها المدرستين أن إنتاج الطعام في السودان يسير في اتجاهين مختلفين هما:ـ
أ‌-     إما أن يكون أصل هذه النباتات والحيوانات المستأنسة في العصر الحجري الحديث خارجي.
ب‌-إما أن يكون أصلها محلي سواء كان داخل السودان أو في بقية أجزاء أفريقيا.
وفيما يخص الأصل المحلي (أي أن أصل الاستئناس داخلي) لا تسنده أي دلائل ثقافية أو بجيولوجية فالحيوانات المستأنسة المعروفة في وسط السودان والنوبة السفلي (الضان والماعز والبقر ) وهي الحيوانات المستأنسة أساساً في العصر الحجري الحديث في وسط السودان لا يمكن أن يكون تم  استئناسها محلياً، وذلك لأنه لا توجد لها أسلاف برية داخل السودان. وهناك اعتقاد أن هذه الأنواع أدخلت من الشمال أي مصر ومن الصحراء حيث وجدت دلائل تؤكد أنها ظهرت في فترة مبكرة هناك وأن دور جامعي الطعام في السودان هو أنهم فقط تكيفوا معها وهذا ينفي أحد دلائل المدرسة الأولى ، والذي يقول أنه لم يتم العثور على مستوطنات في أفريقيا بها دليل لإنتاج الطعام معاصر أو سابق للمستوطنات الأولى في النيل.
وما زالت الأدلة عن الدور المحلي لعملية استئناس الحيوان في السودان غير واضحة ويبدو ذلك الغموض في أصل الأبقار التي تم استئناسها هل تم تدجينها من النوع البري، حيث أن هنالك معلومات على أن الأبقار البرية قد عاشت وتم اصطيادها في نهر عطبرة في نهاية العصر الحجري القديم  10230ق.م ، وأن الضان والماعز لم يتم استئناسها محلياً في أفريقيا وذلك لأنها لم يظهر لها أشكال برية، ويرى بعض الباحثين أن دخول الحيوانات في العصر الحجري الحديث إلى السودان كان نتيجة تدفق السكان الرعويين من الصحراء خلال الهولوسين المبكر وقد أفترض كزيزي زانياك أن قضية الاستئناس بواسطة جامعي الطعام في السودان ، قد نتجت عن طريق شبكة تبادل، وقد أفترض أن التجارة طويلة المدى باعتبارها شكل من أشكال الاتصال بالمجتمعات البعيدة ويمكن أن تكون آليه دخلت من خلالها الحيوانات المستأنسة (تقنية الرعي في السودان) وفي الجانب الآخر افترضت (إيزابيلا كانيقا) وجود اتصالات بين النيل والمواقع الصحراوية منذ العصر الحجري الوسيط وترى أن هذه الاتصالات قد نشأ عنها إنتقال الحيوانات المستأنسة والنشاط الرعوي في السودان .
ويتضح من خلال تلك الأدلة وجود رأيان حول أصل الحيوانات المستأنسة:ـ
الرأي الأول:ـ
يرى أن هذه الحيوانات قد دخلت من الشمال أي من مصر وهو يفتقد لدعامة هامة هي أنه حتى الآن لم تفسر الدراسات السبب في عدم ظهور الاستئناس بمنطقة النوبة خلال العصر الحجري الوسيط.
الرأي الثاني:ـ
يركز على وجود اتصالات قديمة تسبق العصر الحجري الحديث بين مناطق النيل ، وكان من نتائجه انتشار الرعي إلى وسط السودان.
وتشير الدراسات إلى أن الدعامة الاقتصادية الثانية(الزراعة) أغلب مخلفاتها انحصرت في الطبعات(Impression) التي وجدت على الفخار في مواقع وسط الخرطوم (أم ضريوة- الكدرو- الزاكياب  والكدادة)، ومعظمها للذرة والدخن وقد توصلت (آن ستيلمر) (Ann Stemlar 1990 ) من دراستها في تلك المواقع الأربعة إلى أن الذرة والدخن قد تمت زراعتهما في العصر الحجري الحديث في السودان، ومع ذلك يعتمد تفسيرها في أن هذه الجماعات قد زرعوا الذرة على دليل غير مباشر من خلال عثروها على طبعات تلك الحبوب، ولكن إن العثور على طبعات فقط ليست بالدليل القاطع، فوجود هذه الحبوب شئ وزراعتها شئ آخر .
ويرى البعض من الدارسين أن زراعة النباتات البرية هي مرحلة انتقالية بين جمع النباتات البرية واستئناسها ، وقد أقترح ماجد 1983م عدداً من العوامل التي قادت إلى زراعة النباتات البرية منها:
1- الضغط السكاني على المصادر الغذائية هو أحد العوامل في التحول للزراعة، وقد دلت المخلفات المادية، على الاستقلال الواسع للمصادر النباتية والحيوانية ، خاصة الفترة الأخيرة من ثقافة الخرطوم الباكرة والفترة المبكرة من ثقافة الشاهيناب.
2- الأدوات المرتبط بالزراعة يعتقد أنها استجلبت خلال هذه الفترة واعتبرت كواحده من العوامل السابقة للزراعة. يعتبر موقع الكدرو من أهم مواقع العصر الحجري الحديث التي تظهر الاقتصاد الجديد لوقوعه ضمن الحزام الجغرافي الذي ظهرت فيه الذرة، وقد استخدم سكانه تربية الحيوانات.  وتفترض هالاند أن سكان الكدرو يتفرقون خلال الموسم الصيفي إلي معسكرات صغيره مع قطعانهم. وقد عكست حفريات علي التجاني الماحي في موقع الزاكياب أن كثافة عظام الأسماك والسنارات والرماح العظمية تشير إلي استخدام الاقتصاد النهري بجانب تربية الأبقار والأغنام والماعز ووصف موقع الزاكياب بأنه معسكر صغير لتربية القطعان وصيد الأسماك خلال موسم الصيف، ودعمت تلك الأدلة مخلفات موقع أم ضريوه التي وجدت بها بقايا أثرية دلت علي استخدامها في رعي الماشية خلال موسم الخريف .
وقد افترضت هالاند من خلال حفرياتها في وسط السودان أن الذره قد تم زراعتها وقد استندت إلي الأتي :-
1-     الأحجام الكبيرة لمواقع الاستقرار في الفترة المبكرة من العصر الحجري الحديث والتي تسع لعدد كبير من السكان .
2-     الكميات الكبيرة لأدوات الرحى ، غير أن هذه الأدوات كانت بعضها يستخدم في سحن المغرة الحمراء .
3-     استخدام المقاور الحجرية (gouge) تزعم هالاند أنها استخدمت في حفر التربة. علي الرغم من أن أغلب الباحثين يميلون إلي رأي آركل الذي يزعم في أنها تستخدم في صناعة القوارب.
4 – استعانت هالاند بدليل علمي علي للنبات وهو يقول أن الجر البسيط للتربة من اجل زراعة النبات أي الذرة لا يقود للاستئناس ما لم تستخدم أداة حاصدة (سكين أو منجل) .
ولهذا نجد أن مرتكزات الاقتصاد العامة للعصر الحجري الحديث في السودان تختصر في :-
1-     جمع النبات 2- صيد الأسماك والحيوانات البرية 3- تربية الحيوانات 4- الزراعة
وقد استغلت كل تلك المرتكزات وتباين ظهور مخلفاتها في المواقع الأثرية والتي ظهرت في نوعين من الاقتصاد:-
1-     اقتصاد مختلط يعتمد علي الجمع وإنتاج الطعام وصيد الحيوانات وهو يتركز حول استقلال موارد المياه .
2-     اقتصاد مختلط يعتمد علي جمع وإنتاج الطعام وتربة الحيوانات وجمع النباتات وزراعتها بينما يمثل الصيد أهمية ثانوية في هذا الاقتصاد .

المجتمع وعادات الدفن خلال العصر الحجري الحديث
أكدت محتويات المواقع الأثرية أن فترة العصر الحجري الحديث شهدت نشؤ المجتمعات المبكرة والتي تطورت من المجتمع البسيط إلي المجتمع المعقد التركيب، وقد لعب المرتكز الاقتصادي الدور الأعظم في ذلك فكانت هناك عدد من المجتمعات منها مجتمعات زراعية تعتمد علي زراعة الدخن والذرة وهي مجتمعات مستقرة يمكن أن نصفها بالمجتمع ذو الكثافة السكانية الكبيرة وضخامة حجم الموقع الاستيطاني وتشير الأدلة الأثرية إلي تطور المجتمعات الزراعية من مجتمعات الصيد والجمع كما هو موجود في وسط السودان، ونشأت هناك مجتمعات رعوية دلت عليها مواقع الضفة الشرقية للنيل في إقليم الخرطوم لا يقل مجتمعها أهمية عن المجتمع الزراعي وقد ظهرت بها التراتبية الاجتماعية من خلال مدافنهم والموجودات مع المتوفى حيث ظهرت بعض المواقع أن مجتمعها رعوي وذو إستيطان موسمي مثل الزاكياب وأغلب المواقع الأثرية في منطقة البطانة.
المجتمع الثالث هو المجتمع الزراعي ـ الرعوي وهو المجتمع الذي يستقر في فترة الزراعة في مستوطنة شبه دائمة ويكون متنقل في فترة موسم الرعي وهي تلك المستوطنات التي ظهرت في نهايات العصر الحجري الحديث وظهرت بجانب هذا المجتمع مجتمعات أخرى متطورة أكثر استغلت الرعي والزراعة بجانب تصنيع النحاس وهي تلك المجتمعات التي ظهرت فيها التعددية في العمل بين صناعة الفخار وصهر النحاس والرعي والزراعة وتماثلت ثقافة هذا النوع من المجتمعات مع ثقافة المجموعة النوبية الثالثة وحضارة كرمة .
ونستمد معلوماتنا عن عادات وتقاليد مجتمع العصر الحجري الحديث في السودان من نتائج الحفريات في المواقع الأثرية حيث وجدت مدافن العصر الحجري الحديث في عدد كبير من المواقع مثل الكدرو ،الجيلي ، والكدادة ،الغابة، كدركة ،البرقاء والملتقى في أقليم دنقلا ويمكن وصف نموذجين من تلك المواقع لتحديد عادات الدفن عند مجتمع العصر الحجري الحديث:-
موقع كدركة  (ك-ك18):
يقع هذا الموقع علي تل في حوض وادي الخوي ووجدت به جبانة تعود للعصر الحجري الحديث في الجزء الأعلي من هذا التل وتضم حوالي 124 مقبرة تنتمي إلي نفس الحقبة وتبدو المقابر في صورة حفر مبسطة محفورة في الأرض ثم يتم قفلها بنفس التربة المحفورة ولا توجد أي مظاهر سطحية لهذه المقابر .
وتشير الأبحاث الانثربولوجية التي أجريت علي العظام إلي تساوي نسبة الذكور مع الإناث وعدم التوافق في عدد دفنات الأطفال صغار السن ، فأنهم لم يمثلوا بطريقة كافية في مثل هذه المجموعة السكانية من الراشدين وعدم التوافق في توضيح السن عند الوفاة .
وضعت الجثث داخل المقابر في أوضاع واتجاهات مختلفة يمكن تخليصها في الوضعين المقرفص وشبه المقرفص ويوضع المتوفى علي جانبة الأيمن أو الأيسر والبعض يبدو أنه يرقد علي وضع ظهري ابتداءً من منطقة الحوض وتوضع المواد الجنائزية متفردة أو علي هيئة كوم صغير ومثلت كل أنواع الأدوات التي كانت مستخدمة في الحياة اليومية وقد أشارت الأواني الفخارية إلي وجود مجموعتين من الفخار مما يشير إلي تعاقب زمني لهذه الجبانة .
المتوفى ومن حوله الأثاث الجنائزي في مقبرة موقع كدركة
   موقع الكدرو (1)
ركز كريزي زانياك في التعرف على العادات والتقاليد خلال الألفية الخامسة قبل الميلاد من خلال حفرياته في موقع الكدرو، وقسم المدافن المبكرة للعصر الحجري الحديث في الكدرو إلي أربعة أقسام وفقاً لثراء وفقر الأثاث الجنائزي واعتمد في تحليله على التوزيع الجغرافي للمدافن وعددها وقد قسمها إلي الآتي:-
1-   القسم الأول (يضم 38 مدفن) لم تحتوي المدافن هنا على أثاث جنائزي فقط وجدت هياكل عظمية لأشخاص وأطفال أعمارهم مختلفة.
2-   القسم الثاني (ضم 4 مدافن) احتوت على آنية فخارية واحدة في كل قبر مع هياكل عظمية لأشخاص وأطفال أعمارهم مختلفة.
3-   القسم الثالث (ضم 5 مدافن) احتوت على ثلاثة أواني فخارية في كل قبر وقلادة وخرز من العقيق الأحمر، وبعض الأشياء الخاصة ولمبة زيت ووجدت بها هياكل أطفال.
4-   القسم الرابع (ضم 8 مدافن) وهي مدافن غنية احتوت على فخار ناعم وبعض القداحة الكبيرة ومستلزمات شخصية من الأسلحة وقد احتوت على هياكل عظمية لذكور راشدين.
إقترح زانياك أن المدافن في القسم الرابع وبعض المدافن في القسم الثالث تشير إلي الصفوة في مجتمع العصر الحجري الحديث، ومدافن القسم الأول والثاني تشير إلي الطبقة السفلى من هرم ذلك المجتمع، وأن كمية ونوعية الأثاث الجنائزي تشير إلي التعددية والطبقية لمجتمع العصر الحجري الحديث، والتي لعبت دوراً هاماً في تحديد اتجاه المدفن، وأن هناك بعض الموجودات التي وجدت مع المتوفى ذات خصوصية بالنوع والجنس، وقد أشارت الأسلحة وهيكل القبر إلي وجود الزعامة في مجتمع العصر الحجري الحديث في الكدرو.
وقد أكدت هذه التراتبية الطبقية لمجتمع العصر الحجري الحديث، ما خرجت به نتائج الحفريات في مواقع أخرى مثل موقع الغابة والكدادة والصور وقلعة شنان شمال شندي، حيث أشار جاك رينولد إلي وجود المظاهر الاجتماعية في تحليله لتلك المدافن وخصوصية الدفن حسب النوع والجنس والعمر، إضافة إلي طقوس الدفن وظهور المعتقدات الدينية في العصر الحجري الحديث حيث كشف موقع الكدادة عن وجود دلالئل لتضحية بالبشر في عدد من المقابر ووجد تنظيم للمقابر داخل الجبانة وفصلت مقابر الأطفال عن الراشدين، حيث تعتبر عادة دفن الأطفال داخل أواني فخارية موجودة وظهرت في مواقع الكدادة والصور وقلعة شنان.
ويمكننا استنتاج عدد من السمات العامة لطبيعة الدفن ومحتويات القبر للعصر الحجري الحديث هي :-
1-  لايوجد شكل مميز للقبر من الخارج ووجدت بعض المقابر داخل مكان السكن والبعض يصعب تمييزة الا بحدود الهيكل العظمي للمتوفى.
2-   يوجد الاختلاف في شكل القبر ومحتوياته داخل الجبانة الواحدة وما بين عدد من الجبانات.
3-   يدل التشابه في الممارسات الجنائزية على وجود علاقات بين مستوطنات العصر الحجري الحديث في السودان.
4-   كثرة الأثاث الجنائزي في القبر يدل على ثراء المتوفى، كما تدل الممارسات الجنائزية من تنظيم القبر ومحتوياته إلي وجود مكانة اجتماعية في مجتمع العصر الحجري الحديث، وعلى الرغم من ذلك لا يعتبر دليل قاطع على وجود اعتقاد بحياة ما بعد الموت، نسبة لعدم وجود تناسق في الأواني والأدوات ما بين الأدوات التي وجدت في مكان الاستيطان مع الأدوات التي وجدت مع المتوفى بداخل القبر.
5-   كثرة أو قلة الأثاث الجنائزي في القبر ليست بالدليل القاطع على حجم ثروة صاحب القبر، أو طبيعة المرتكز الاقتصادي، ولكنه مؤشر على طبيعة النشاطات البشرية من صيد وزراعة ورعي، مثل المقور الذي وجد في مقابر الغابة والفأس الحجري الذي وجد في مقابر الكدادة والهراوة التي وجدت في مقابر الجيلي وقلعة شنان والأضحيات الحيوانية التي وجدت في مقابر الكدرو.
6-   وجدت حالات دفن لأطفال داخل أواني فخارية ومقابر منفصلة، كما وجدت مقابر الراشدين منفصلة عنهم ووجدت بعض المواد الموضحة لنوع المتوفى؛ ولكن على الرغم من ذلك لم تتضح العلاقة ما بين الأثاث الجنائزي والعمر والجنس والنوع، نسبة لقلة النماذج المكتشفة وانحصارها على مواقع بعينها.
7-   هناك اهتمام بفصل مقابر الأطفال عن الراشدين، واختلطت المقابر الغنية بالفقيرة.
8-   يختلف وضع المتوفى داخل القبر في المجتمع الواحد ومن مجتمع إلي آخر.
9-  تميزت مقابر كل موقع بسمة أو أكثر تميزها عن بقية الجبانات وكانت الجبانات المتأخرة زمنياً مختلفة عن المبكرة بعض الشئ وبها سمات شبيه بمقابر مجموعات العصر البرونزي (المجموعات النوبية وحضارة كرمة).
                                نهايات العصر الحجري الحديث
        تعتبر نهايات العصر الحجري الحديث من أهم القضايا التي شغلت الباحثين في وصف التسلسل الثقافي للسودان القديم، حيث تلاشت تلك المستوطنات البشرية في وسط السودان في الفترة ما بين (2250 – 1000 ق.م) وقد كشفت الدراسات الآثارية أن مواقع العصر الحجري الحديث المتأخرة، لم تعد موجودة في العام (2000 ق.م) وذلك بسبب طارئ حدث، حول الاستيطان البشري إلي شمال السودان، ومن الأحرى أن تكون المنطقة التي ظهرت فيها المجموعات النوبية الأولى والثالثة وحضارة كرمة، حيث يشير التماثل الثقافي في الفخار وبعض الأدوات الحجرية إلي الاستمرارية الثقافية بين إنسان العصر الحجري الحديث في شمال السودان وإنسان المجموعات النوبية.
وتعتبر منطقة وسط السودان معضلة في هذا ، إذ أنه منذ 2000 ق.م وحتى قيام دولة مروي حوالي 1000 ق.م هناك انقطاع استيطاني لحوالي أكثر من 1250 سنة، في السجل الأثري والثقافي للمنطقة، على الرغم من ظهور بعض الثقافات البعيدة مثل ثقافة مجموعة القاش ومكرم والبطانة وهي متأخرة زمنياً، لكن لا يعرف كيف ولماذا لم تتطور حتى أن تعمل على قيام الحضارة المروية، كما لا يعقل أن تكون المجموعات البشرية التي كونت مستوطنات العصر الحجري الحديث في وسط السودان، قد تلاشت بشكل مفاجئ.
ويعتقد بعض الباحثين أن الأسباب البيئية قد حولت الاستيطان من وسط السودان إلي شماله، وهو ما ظهر في المجموعة النوبية الثالثة رعاة الأبقار خصوصاً أن ظهور حضارة مثل كرمة جديرة بجذب بقايا تلك المجموعات السكانية، عندما جفت صحراء البطانة وانحسرت الموارد الطبيعية على النيل.
وتشير بعض الأدلة إلي ظهور مجموعات رعوية في الصحراء الشرقية وصحراء بيوضة، قد سدت الفترة الزمنية بين العصر الحجري الحديث وحضارة كرمة، ولكن المنطقة حول محيط الحضارة المروية ما زالت هناك استفهامات؟؟؟؟؟؟؟ في انقطاع الاستيطان البشري فيها.
وعلى العموم يعتبر تطور العقل البشري في الانتقال من استخدام الحجر إلي استخدام المعادن هو ما جعل النقلة الثقافية من العصر الحجري الحديث إلي العصر البرونزي.

المراجع والمصادر:-
1- أسامة عبد الرحمن النور 2004 م – دراسات في تاريخ السودان القديم- امدرمان.
2- جاك رينولد- ترجمة صلاح الدين محمد أحمد. ممالك على النيل – 1997م.
3- يوسف مختار الأمين. 2001 م دراسات ما قبل التاريخ في وادي النيل (مصر والسودان) ملاحظات حول المنهج والنظرية. أدوماتو.
4- عباس سيد أحمد ويوسف مختار الأمين. 1992 م. مشروع البطانة الأثري – شرق السودان – دراسات في الآثار. جامعة الملك سعود. السعودية.
5- عباس سيد أحمد محمد على. 2003 م. النيل والصحراء تباين بيئي وتكامل حضاري. أدوماتو. السعودية.

المراجع باللغة الانجليزية:

1.     Arkell, A. J. 1949 . Early Khartoum. London.
2.     Arkell, A. J. 1953. Shaheinab. London: Oxford University press.
3.     Baud, M. 2008. ‘The Meroitic Royal City of Muweis: First Steps into an Urban Settlement of Riverine Upper Nubia’, Sudan & Nubia 12, 52-63.
4.    Bonnet, C. 1988. ‘Les fouilles archaeologies de Kerma (Soudan): rapport Preliminaire sur les campagnes de 1986-87 et 1987-88, Cenava, ns XXXVI, 5-20.
5.    Caneva, I. (ed). 1988. ElGeili, The History of a middle Nile Environment 7000 BC – AD1500. British Archaeological Reports International series 424. Oxford. Archaeo press.
6.    Chlodnicki. M. 1984. “Pottery from the Neolithic Settlement at Kadero (Central Sudan)”. In: Krzy

aniak. L. and M. Kobusiewicz. (eds). Origin and Early Development of Food -producing Cultures in North-eastern Africa. Poznan: Poznan Polish Academy of Sciences and Poznan Archaeological Museum. 337-342.

7.    Dzierzykray, R. 1977. “Neolithic skeleton from Kedro, Sudan. Current Anthropology. Vol 18. NIII. Pages 585 – 586.
8.    Edwards, N. 1989. Archaeology and Settlement in Upper Nubia in the 1 st Millennium A.D. Cambridge Monographs in African Archaeology 36. B,A.R . SA 537.
9.    Edwards, D. N. and Fuller, D. (2004) ‘Excavation and Survey in the central Amri-Kirbekan Area, Forth cataracts 2003 – 2004. Godanski Archaeological Museum African Report, Vol.v P.P 77–98.
10.                       Eisa. K. (2002) “Archaeological discoveries along the East Bank of the White Nil”, 1997–2000’, Sudan & Nubia: 64–6.
11.                       Fisher,W.B. Middle East. London. 1950.
12.                       Fernández. V. M. etal 2003. “Archae ological Excavations in Prehistoric Sites of the Blue Nile Area, Central Sudan”. Complutum. Vol. 14 273-344.
13.                       Geus. F. 1981. “Franco-Sudanese Excavations in the Shendi Area (1980)». Nyame Akuma. Bulletin of the Society of African Archaeologists, 18. 37-4.
14.                       Geus, F. 1984. Recuing Sudan’s Ancient Culture. Khartoum: French Unit of the Directorate General of Antiq uities and National Museums of the Sudan.
15.                       Geus. F. 1991. “Burial Customs in the Upper Main Nile: An Overview”. In: Davies.W.V. (ed.): Egypt and Africa, Nubia from Prehistory to Islam. London: British Museum Press. 57-73.
16.                       Grahham, E. The Re-Creative Power of Plant Communities. Chicago. 1955.
17.                       Haaland. R. 1987. Socio-economic Differentiation in the Neolithic Sudan. British Archaeological Reports International Series 350. Oxford: Archaeopress.
18.                       Honegger. M. 2004. “Settlement and Cemeteries of the Mesolithic and Early Neolithic at el-Barga (Kerma Region). Sudan and Nubia. The Sudan Archaeological Research Society, Bulletin 8. 27-32.
19.                       Krzyzaniak, L. (1978) ‘New light on early food-production in the Central Sudan’, Journal of African History 19: 159–72.
20.                       Krzyzaniak. L. 1984. “The Neolithic Habitation at Kadero (Central Sudan)”. In: L. Krzyaniak and Kobusiewicz M. (eds.). Origin and Early Development of Food-Producing Cultures in North-Eastern Africa. Poznan: Poznan. Poznan Polish Academy of Sciences and Poznan Archaeological Museum. 309-315.
21.                       Krzyzaniak. L. 1992b. «The Later Prehistory of the Upper (Main) Nile: Comments on the Current State of the Research». In: Klees F.and Kuper R. (eds): New Light on the Northeast African Past, Köln: Heinrich-Barth Institut. 241-248.
22.                       Mohammed-Ali. A.S. 1982. The Neolithic Period in the Sudan, c. 6000-2500 BC. British Archaeological Reports International Series 139. Oxford: Archaeopress.
23.                       Nordström. H.A. 1972. Neolithic and A-group Sites. The Scandinavian Joint Expedition to Sudanese Nubia. Upsalla: Scandinavian University Books.
24.                       O’Connor. D. 1993. “Chiefs or Kings? Rethinking Early Nubian Politics”. In: Starkey J. and Starkey P. (eds). Nubia: an Ancient African Civilization. Philadelphia: University Museum of the University of Pennsylvania. 4-14.
25.                       Peressinotoo. D et al: 2004: Neolithic nomads at ElMultaga, Upper Nubia, Sudan. Antiquity: 2004, VOL 78;PART299, pages 54-60.
26.                       Reinold. J. 1991. “Néolithique Soudanais: les Coutumes Funéraires». In: Davies. W. V. (ed.): Egypt and Nubia, Nubia from Prehistory to Islam. London. British Library Cataloguing in Publication Data. London. 16-29.
27.                       Reinold. J. 2001. “Kadruka and the Neolithic in the Northern Dongola Reach”. Sudan and Nubia. The Sudan Archaeological Research Society. Bulletin No. 5, 2-10.
28.                       Reinold. J. 2008. La nécropole néolithique d’el-Kadada au Soudan Central - Volume I Les cimetières A et B (NE-36-O/3-V-2 et NE-36-O/3-V-3) du kôm principal. Editions Recherche sur les Civilisations (ERC) ; CULTURESFRANCE (ex ADPF et AFAA).
29.                       Sadig. A.M. 2005. “Es-Sour: a Late Neolithic site near Meroe”. Sudan and Nubia. The Sudan Archaeological Research Society, Bulletin No. 9: 40-46.
30.                       Sadig. A.M. 2008: “Towards study of the social organization and settlement pattern of the Neolithic communities in central Sudan”. Adumatu, A Semi-Annual Archaeological Refereed Journal on the Arab World. Saudi Arabia. Issue No. 18. July 2008.  7-26.
31.                       Sadig, M. A. 2010. The Neolithic of the Middle Nile Region, An Archaeology of central Sudan and Nubia. Kampala.
32.                       Salvatori. S. and Usai. D. 2008. “R12 and the Neolithic of Sudan. New Perspective”. In: Salvatori. S. and Usai. D. (eds). A Neolithic Cemetery in the Northern Dongola Reach. Excavations at Site R12. Oxford: Archaeopress. 147-156.
33.                       Welsby. D. 2000. “South of Kadruka: the Neolithic in the Northern Dongola Reach, Sudan. Recent Research into the Stone Age of Northeastern Africa”. Studies in African Archaeology, 7. Poznan Archaeological Museum. 129-136.