إن
ما قاله عباقرة الرومان وفلاسفة اليونان وعلماء الإسلام عن ذكرى رحيل العظماء
ينطبق اليوم على ذكرى عزيزنا أمجد بشير على خالد. فلم نأتي هنا لنعدد مناقبه أو
نقلد بل لنواري جسده الثرى ولنقف له وقفة وفاء لعظيم يستحق. وتحكمنا قوة أيماننا
بقضاء الله وقدره. (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقصد في الأولاد والأنفس وبشر
الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) صدق الله
العظيم.
في
الرابع من فبراير للعام 2014م هطلت على سمائنا عتمة بسماع رحيل المقيم حجبت عنا
شعاعاً ألفناه وتعودنا عليه.
إن
القلب يكاد يتقطع والقلم يفضل الوقوف والعقل يتوهم الصدق ويكابر لينعي عزيزاً طالت
مكارمه الجميع وكان لمحياه لهفه وللقائه شوق ووحشة فراق عاجل دون اسئذان. وأصبح
غيابه واقعاً وكان وما زال غياب أُفقاً رحباً، واختفاء قمة سامقة، ورحيل شخصية فذة
ونادرة.
أسمح
لي أن أكتب بقلب ملئته أوجاع البكاء وزرف ويزرف دمعاً سخياً بل وبصراخ غير مسموع،
وبعقل زبل في متاهات ذاكرة الحزن وبعيون نضبت من البكاء وبوجه تحول إلي سبخات من السواد
بعد أن كانت طلتك تمنحه طلعة ندية وترسم عليه واحة خضراء.
يا
عزيزي الأقدار لا تمهل ولا تعرف قيمة الأخاء ولو كان لتشاورنا الأمر ! فمن حقك علي
ومن حقي فيك أن أنشر ثمة كليمات عن سيرتك العطرة: نشأ وترعرع الراحل المقيم بمنطقة
ود رملي شمال الخرطوم وتخرج في جامعة شندي – قسم الآثار في العام 2007م وهو أول من
نال ماجستير الآثار في جامعة شندي من خريجي القسم في العام 2013م. التحق بالهيئة
العامة للآثار والمتاحف في العام 2013م ومحاضر متعاون بجامعة النيلين 2013م. شارك
في عدد من المشاريع البحثية عن علم الآثار ممثلاً للهيئة ومشاركاً لزملائه
وأصدقائه (مشروع مويس بمنطقة شندي، مشروع واحة سليمة بالصحراء الغربية، مشروع
كدركة بمنطقة دنقلا ومشروع السبلوقة ومشروع سد دقش ومقرات وأبحاث منطقة نهر عطبرة
وغيرها).
نحن
لن ننساك ولكن عمق الجرح يغري بالتناسي حين تطول الليالي الشتوية وفيها نفتقد
الأحاجي الحكيمة التي كنت تتحفنا بها وتداعبنا لنفرح وعيش لحظات مرحه. والأطروحات
العلمية بعيدة الرؤية التي كنت تدير عقولنا عليها. وحينها تسقط علينا ذكراك عبئاً
وعذاباً وبكاءً أخرس النبرة.
كان
الراحل صديقاً طيب المعشر، أنيس الكلام، أديب المجلس. جمعتنا به الظروف على محبة
صادقة منذ العام 2003م في السنة الأولى بجامعة شندي بصحبة الأماجد مزمل وهيثم
وخالد ومحمد خير. ونشأت بيننا معزة تشعبت أسرياً فسرعان ما كان أخ لم تلده لأحدنا
أم، نبع نرتوي منه حين يشتد الظمأ وشجرة وريفة نستظل بها في أوقات الهجير. وها هو
غيابه يظهر إذ أصبحنا كالقارب الذي فقد شراعه في مسيرة مائية لا مرسى لها. ولكنها
ليست المنايا وإنما هي أقدارنا ونؤمن بها ونواجه مصيرنا بكل رضاء رغم الآلام.
منذ
حينها كنا زملاء ولم نفترق، بل كان غيوراً على أن نواصل مسيرتنا العلمية بجامعة
الخرطوم. ويا حزن الزمان ويا لوعة الأيام ولا زلنا في زهول الصمت الذي انتابنا عند
سماع نبأ رحيله. فمنذ أن رحل لم نجتمع بزملاء مرحلة الدراسات العليا (أحمد علي
وحسن مصطفى والأمين ومحمد البدري) إلا وخلجات قلوبنا يجتاحها ذكراه وتنعكس
التأثيرات على الوجه سريعاً. لا سيما وتكرار الحزن والشعور بالوحشة يزداد عند رؤية
أساتذتنا الذين ألفناهم وهو بيننا (البروفيسور عباس سيد أحمد. أزهري صادق وانتصار
صغيرون ود. أحمد حسين) وأسرته الكريمه.
يا
صديقي ورفيق دربي الأجل لا يعرف الصداقة ومعنى وجودك لدي. ولو يدرك ذلك لطرح علي
تقاسم العمر ولكان إنصافاً مرضياً للطرفين!
نم
هانئاً بسلام عزيزي الغالي فنحن على وصاياك بالنواجس قابضين ولن ننساك فأنت متجسد
فينا بما تركت من بصمات عبقريتك التي نبعت من نسيج مشاعرك الإنسانية.
رحم
الله روحك الطيبة كنت معلماً ومرشداً عندما عملت معك 2013م بجامعة النيلين ومدرساً
في شتى ضروب المعرفة ومتعمقاً في علم الآثار ومثقفاً وأنموذجاً رائعاً للبساطة
والعصامية وعدم الحياد والرضاء بالقدر.
لم
تكن سنين الزمالة والصداقة التي أمضينها سوياً زاداً لي في علم الآثار فحسب؛ بل
كانت دروساً في مسالك الحياة ودهاليزهاً وفي القيم الفضيلة والإخلاص والنبل
والتواضع.
اللهم أرحم عزيزنا أمجد وأنزله منازل الصديقين والشهداء وتقبله قبولاً
حسناً وأرزقنا صحبته مع نبيك وحبيبك المصطفى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم.
No comments:
Post a Comment