Friday, September 27, 2013

مقرر: آثار ما قبل كرمة - لطلاب الفصل الدراسي الأول - قسم الآثار - جامعة النيلين

يحتوي هذا الكتيب عن معلومات عامة للفترة من نهاية العصر الحجري الحديث وحتى ظهور عصر المدنية في الدولة الكوشية القديمة (كرمة) 

محتويات الكتاب
1.   مقدمة عن آثار ما قبل كرمة (العصر النحاسي وبدايات العصر البرونزي).
2.   مفهوم آثار ما قبل كرمة (العصر النحاسي وبدايات العصر البرونزي).
3.   تاريخ اكتشاف آثار ما قبل كرمة (العصر النحاسي وبدايات العصر البرونزي).
4.   المجموعة (أ).
·       الفخار والقياسات الانثربولوجية الطبيعية كمعيار لأصل المجموعة (أ).
·       التسلسل الزمني للمجموعة (أ).
·       الانتشار الجغرافي لمواقع المجموعة (أ).
·       طبيعة مستوطنات المجموعة (أ).
·       الثقافة المادية (الفخار – الصناعات الصغيرة - المساكن).
·       المجتمع والاقتصاد.
·       المقابر والعادات والجنائزية.
·       علاقة المجموعة (أ) مع مصر.
5.   الفترة الفاصلة بين المجموعة الأولى (أ) و المجموعة الثالثة (ج).(معايير رايزنر في تحديد المجموعة (ب) ودراسة سمث حولها.
6.   فترة ما قبل كرمة (4900 – 2600 ق.م).
·       الاكتشاف والتوريخ).
·       أصل ثقافة ما قبل كرمة.
·       الانتشار الجغرافي لمواقع ما قبل كرمة.
·       آثار السكن والمباني لثقافة ما قبل كرمة.
·       فخار فترة ما قبل كرمة.
·       مقابر فترة ما قبل كرمة.
7.   تطورات الألف الثالث ق.م (عصر البرونز في النوبة السفلى) وظهور المجموعة الثالثة (ج).
·       أصل أصحاب المجموعة (ج).
·       المدى الجغرافي.
·       المادة الثقافية.
·       الاقتصاد والمجتمع.
·       المقابر والعادات الجنائزية.
8.   علاقة المجموعة (ج) بمصر.
9.   علاقة المجموعات النوبية ببعض المجموعات الثقافية التي سبقت كرمة.
10.          علاقة آثار ما قبل كرمة بآثار العصر الحجري الحديث – ثقافة عبكة.
11.          نتائج حفريات رايزنر وبونية في كرمة ونشأت المستوطنات الحضرية.
12.          نهايات مجموعات ما قبل كرمة.
13.          المراجع والمصادر.




مقدمة عن آثار ما قبل كرمة (العصر النحاسي وبدايات العصر البرونزي)
من الواضح أن آثار الإنسان الماضي حالياً أصبحت شبه معروفة الحلقات والتطورات ومن المتعارف عليه أن علم الآثار نفسه من العلوم الحديثة ونشأ من خلال عملية مخاض متعسرة مرت بمراحل عديدة تنشط تارة وتفتر تارة أخرى، وكانت محاولات الباحثين الأوائل هي الأساس الذي قامت عليه االمسوحات والحفريات والدراسات في أغلب أنحاء العالم. لذلك لم يكن السودان منفصلاً عن هذا التاريخ الطويل لعلم الآثار، وعليه درج رواد علم الاثار على وضع التسلسل التاريخي للسودان القديم, وفق التطور الثقافي لحياة الإنسان القديم واسلوب معيشته الذي خلفه في المواقع الأثرية ، فوضعت اللبنات الأولى في القرن الماضي من قبل عالم المصريات جورج اندرو رايزنر من خلال حفرياته في السودان الشمالي وانتهج بقية الباحثين تلك الكرنولوجيا مع محاولة سد الفجوات في تدرج المراحل الثقافية.
سميت العصور الزمنية في السودان وفق الصناعات التي كان يمارسها أصحاب كل فترة فسميت العصور الحجرية لسيادة صناعة الحجارة فيها كما سميت عصور المعادن لأن الإنسان في هذه المرحلة اكتشف استخدام المعدن ، ليست هذه التسميات استخدمت في السودان فقط وإنما في العالم اجمع. فنجد إن العصر الذي يلي العصور الحجرية في إفريقيا سمي بعصر النحاس أو البرونز، نسبة للعثور على آثار مصنوعة من معدن النحاس والبرونز صنعتها المجموعات البشرية التي خلفت فترة العصر الحجري الحديث، والتي أرخ لها في آسيا في الفترة من 4000 ق.م _ 1200 ق.م وهي توافق بداية اكتشاف الكتابة (العصور التاريخية)  وتؤكد الدراسات على أن الفينيقين هم من أدخلوا استخدام البرونز من السواحل الشمالية خلال القرن التاسع  قبل الميلاد ، حيث بدأ العصر الكالكوليثي بعد العصر الحجري مباشرة حيث دلت الأثرية التي وجدت في افريقيا على وجود تبادل تجاري خلال هذا العصر بين إفريقيا ومنطقة أسبانيا نسبة للتشابه الواضح بين مقابر العصر البرونزي ومحتوياتها ما بين المغرب وأسبانيا، ويعود أقدم دليل لاستخدام البرونز في أفريقيا إلي عهد الأسرات المبكرة في وادي النيل والذي تمرحل عبر ثلاث مراحل.
1.   العصر البرونزي المبكر من الإلف الرابع حتى الألف الثالث قبل الميلاد.
2.   العصر البرونزي الأوسط من الألف الثالث حتى الألف الأول قبل الميلاد.
3.   العصر البرونزي المتأخر من أواسط الألف الثاني حتى الألف الأول قبل الميلاد.
وتعتبر ثقافة البداري 5500 – 4000 قبل الميلاد في مصر العليا هي أقدم ثقافات هذا العصر في وادي النيل وهناك ثقافات نقادة الثانية (الجرزية) 3500 – 3000 ق.م ووجدت آثار لهذا العصر في كل من فلسطين وبلاد ما بين الرافدين كانت مماثلة زمنياً لما وجد في وادي النيل وتعتبر نهاية العصر البرونزي في مصر بفترة المملكة المصرية الحديثة 1640 – 1069 قبل الميلاد. ويشمل هذا العصر البرونزي في السودان ظهور المجموعات النوبية وحضارة كرمة أي الفترة التي خلفت صناعات العصر الحجري الحديث، وقد استخدم الباحثين تسمية المجموعات النوبية بناء علي المادة الثقافية التي وجدها رايزنر في النوبة السودانية وقسمها الي حروف أبجدية وفقا لاختلاف المحتوى الثقافي من كل فترة وأخرى , وعلي الرغم من اعتماد العنصر البشري في هذه المجموعات علي الصناعات الحجرية والفخارية , الإ انه قد استخدم بعض المعادن ووجدت بقايا صهره في مواقعها الأثرية , كما أشارت بعض الكتابات المصرية وبقايا المدن السكنية الي وجود ورش لتعدين معدن النحاس في زمن تلك المجموعات.

مفهوم آثار ما قبل كرمة (العصر النحاسي وبدايات العصر البرونزي)
بعد الأبحاث الأخيرة في السودان تم التوصل إلي أن فترة كرمة هي أول دولة كوشية في السودان ذات تنظيم مركزي، ولكن لم يصل الإنسان السوداني القديم إلي هذه المرحلة الحضرية بقفزة تطورية ، بل بعد مسيرة من التطورات الثقافية المتعددة يمكننا أن نطلق عليها فترات ما قبل كرمة ، وهي تلك المجموعات البشرية التي شغلت تاريخ السودان القديم بعد نهاية العصر الحجري الحديث وحتى ظهور المرحلة الأولى من عهد كرمة (كرمة القديمة) وقد خلفت هذه المجموعات آثاراً في أنحاء مختلفة في السودان خصوصاً في شماله وشرقه ووسطه كانت آثارها ذات سمات خلطت ما بين سمات العصر الحجري الحديث وسمات عصر المدنية في كرمة من فخار – أدوات حجرية – أدوات معدنية وبداية لبعض المباني والقرى الزراعية وعندما اكتشفوها دارسي الآثار اختلفوا في تعريفها وتفسيرها فمنهم من وصفها بآثار عصور حجرية ومنهم من اعتبرها مجموعات منفصلة ومنهم من اعتبرها تابعة لحضارة كرمة ومنهم من عرفها بأنها مجموعات أجنبية – ومع تزايد اكتشاف آثارها كثيراً فكثيراً فضلوا الدارسين اعتبارها ثقافات خلفت العصر الحجري الحديث وسبقت حضارة كرمة واتخذت ثقافة مميزة لها جمعت ما بين الحقبتين لذلك تستحق أن نسميها نهايات العصر الحجري وفترة النحاسي وبدايات العصر البرونزي في السودان وهذه التسمية بالطبع تمثل آثار فترة ما قبل كرمة.
نلاحظ أن مكتشف هذه الآثار (رايزنر) أطلق عليها المجموعات النوبية وقسمها إلي مجموعات وأصبح هذا المصطلح أكثر استخداماً في الدراسات من بعده ، كما أن هناك من استخدم كلمة أكثر ثقافة وهو العالم (آدمز) الذي أطلق علي هذه المجموعات الأفق (horizon) بدل من مجموعة (group) لأنه يرى أن كلمة مجموعة تحمل دلالة عرقية واضحة وكلمة أفق تعنى مدى زمني ، كما استخدم الباحث (تريقر) مصطلح (Phase) بمعنى حقبة كما نجد أن هناك بعض الدارسين الذين يرون أن محاولات آدمز وتريقر قد زادت الأمر تعقيداً ومن الأفضل أن نتحدث عن آثار هذه المجموعات بصورة تفصيلية إذ يقصدون أن المجموعة (أ) هي مجموعة بشرية من مجموعات العصر الحجري الحديث المتأخرة لقلة العثور على مخلفات معدنية بها والمجموعة (ج) هي مجموعة تتبع لبدايات العصر البرونزي الذي ظهرت آثاره في حضارة كرمة. وما زال هناك الكثير من الجدل والنقاش حول التسمية اللائقة لذلك المردود الثقافي.
كشفت الأبحاث الأخيرة أن هذه المجموعات انتشرت في نطاق جغرافي واسع وعاصرت بعضها البعض واقتبست من ثقافات بعضها البعض الآخر فأولها زمنياً المجموعة (أ) التي قطنت منطقة شمال السودان (النوبة السفلى) وعاصرت فترة ما قبل الأسرات في مصر والأسرات المبكرة المبكرة وفي نفس الوقت كانت منطقة النوبة العليا (جنوب الشلال الثالث) بها ثقافة ما قبل كرمة تلك المجموعة الثقافية التي سبقت قيام حضارة كرمها في أرضها – لهذا تعتبر فترة المجموعة (أ) وثقافة ما قبل كرمة هي فترة العصر النحاسي في السودان – كما تؤكد الأبحاث الأثرية تزامن بعض المجموعات المتبقية من العصر الحجري الحديث لهذا المدى الزمني منها ما يسمى بثقافة عبكة حول الشلال الثاني ومجموعات حول صحراء العتباي في تلال البحر الأحمر ومجموعات نهايات العصر الحجري الحديث في منطقة شندي (الكدادة وقلعة شنان) وأيضاً الطور الأخير في موقع شق الدود ومجموعة موقع النوفلاب التابع للعصر الحجري الحديث في منطقة الخرطوم ومجموعات طوكر والقاش وكسلا ومكرام في شرق السودان – ومن ثم أنتهت هذه المجموعات بظهور العصر البرونزي خلال الألف الثالث عندما ظهرت حضارة كرمة في النوبة العليا والمجموعة (ج) في النوبة السفلى والتي توزعت في عدد من المشايخ منها واوات – ارتجاي – ستجاي ويام وكان لكل منطقة جغرافية وقد شكلت هذه المجموعات مع حضارة كرمة العصر البرونزي في السودان الذي أنتهى بظهور القوة العظمى في مصر المملكة المصرية الحديثة.
ولهذا عندما نتحدث عن آثار فترة ما قبل كرمة (العصر النحاسي وبدايات العصر البرونزي) نجد عدد من الآفاق الثقافية السودانية المختلفة ثقافياً وزمنياً والتي سميت بالمجموعات النوبية عند العديد من الباحثين ووجد هذا الاسم مساحة من الشهرة نسبة للآثار التي كشفتها حملات انقاذ آثار النوبة بمنطقة النوبة شمال السودان في زمن لا يعرف عن السودان تاريخياً غير القليل ولأن الباحثين وجدوا هذه الآثار في منطقة تسمى النوبة لذلك أطلقوا عليها المجموعات النوبية.
 اتجهت الدراسات الاخيرة في السودان الي وضع ثقافات المجموعات النوبية ضمن التطور الثقافي لعصر النحاس والبرونز في افريقيا ، وقسموا هذه المجموعات الي ثلاث حقب مبدئياً ثم اثبتت الدراسات المتأخرة عدم وجود المجموعة الثانية وانما هي مجموعتين من الفترات الثقافية خلفت العصور الحجرية وسبقت حضارة كرمة السودانية، وعندما اذدادت الأبحاث الأثرية أضافة لها ثقافات أخرى منها عبكة – واوات – ارتجاي – ستجاي – مدجاي -يام – البان قريق – مكرام - القاش - طوكر وكسلا. فعندما نتحدث عن المجموعة (أ) نعني بها المجموعة البشرية الأولي التي استوطنت النوبة السفلى خلال العصر النحاسي والمجموعة (ب) نقصد بها الثقافة التي شغلت الفترة الفاصلة فيما بين المجموعة الاولى والثالثة، وثقافة ما قبل كرمة هي المجموعة التي زامنت المجموعة (أ) خلال العصر النحاسي وكانت في منطقة النوبة العليا وعندما نقول المجموعة (ج) الثالثة نعني بها آخر التردد السكاني للمجموعات النوبية وهي بدايات العصر البرونزي في منطقة النوبة السفلى والمتزامنة مع حضارة كرمة في منطقة النوبة العليا.

تاريخ اكتشاف آثار ما قبل كرمة (العصر النحاسي وبدايات العصر البرونزي)
من الأسباب التي قادت لظهور علم الآثار في السودان هي المشاريع الانقاذية مع بعض الاكتشافات المصرية وصيتها ، وأول ما ظهرت دراسات الآثار في السودان كانت من قبل أجانب لا يعرفون السودان لذلك أطلقوا عليه النوبة نسبة الاسم الذي ظهر في الكتابات القديمة ولتسهيل مهمة دراسة آثار منطقة جديدة عليهم اتبعوا منهج علمي في تقسيم السودان القديم إلي مناطق حسب كتابات الباحثين الأوائل وأصبحت تذكر الآثار بأسماء المناطق التي اكتشفت فيها فنجد النوبة السفلى وتعني المنطقة الممتدة من حدود مصر الجنوبية وحتى منطقة الشلال الثالث والمنطقة من الشلال الثالث وحتى الشلال الخامس هي النوبة العليا والمنطقة الممتدة جنوب الشلال الخامس وحتى منطقة الجزيرة بين النيل الأبيض والنيل الأزرق هي السودان الأوسط كما تسمى في بعض الدراسات اقليم النيل الأوسط وداخله تسميات كثيرة منها (جزيرة مروي) بين نهر النيل ونهر عطبرة والنيل الأزرق، وداخلها سهل البطانة وهناك الصحراء الشرقية والصحراء الغربية.
أول ما ظهرت اكتشافات آثار ما قبل كرمة كانت في شمال السودان وتعتبر أقدم الاكتشافات عن آثار فترة ما قبل كرمة في النوبة السفلى هي التي قام بها فلندر بتري (Petry) عندما استخدم مصطلح البان قريف (Pan-Grave) إشارة الى المدافن التي تحتوي علي مواد غير مصرية ووصفها بأنها نوبية وفي هذه الفترة كانت الأبحاث الآثارية في منطقة مصر وعندما يدخل البحث حزام السودان ويجدون آثار غير مصرية يطلقون عليها تسميات بحسبانها آثار غير مصرية ، حيث قام فيجال (Weigall) في العام 1906م بمسح آثاري لبلاد النوبة السفلى وحاول وضع الاطلال والجبانات القديمة في تسلسل زمني ، حيث استخدم نفس المصطلح الذي استخدمه بتري (Pan-Grave) للفصل بين الآثار المصرية وغير المصرية. وفي ذات الوقت اجري الالماني كايسر (Kaiser) حفريات آثارية الي الجنوب من اسوان وكشف العديد من الآثار النوبية _ قسمها إلي مجموعات أبجدية من  (A) و حتى (X) . ولكن تعود معرفتنا بالمجموعات السودانية المبكرة من خلال المسح الآثاري الأول في بلاد النوبة (1907-1911م) من قبل الباحثين جورج آندرو رايزنر (George A. Reisner) الذي عمل لموسم واحد 1907م وواصل فريقه العمل بقيادة سيسيل فيرث حتى العام 1911م, حيث تعرف رايزنر خلال هذا المسح على ثلاث مجموعات من المدافن على حسب نوع الفخار الموجود فيها واعطاها تصنيفه المشهور بالحروف (A,B,C,------X) نسبة للتقليد المتبع في علم الآثار في ذلك الوقت.
جري المسح الآثاري الأول في الجزء المصري من بلاد النوبة ما بين الشلال الأول والمنطقة الممتدة جنوبا بطول (150كلم) تقريبا و قد كشف خلالها رايزنر عدد من الجبانات للمجموعة (A) في العام (1907) ثم واصل فريقه العمل حتى العام (1911م) , وقد اصبحت مصطلحات رايزنر ومنهجه من مسح المواقع أساس العمل الحقلي اللاحق في النوبة السفلى والمناطق الأخرى في السودان ، وقد وضع رايزنر من خلال تلك الجبانات تقسيماً ألفبائياً للمجموعات النوبية من A وحتى X وترك فراغاً بينها للاكتشافات اللاحقة  وهو نفس التقسيم الالفبائي الذي استخدمه كايسر.
وتوالت المسوحات الأثرية بعد رايزنر خصوصاً مسوحات النوبة  الأربع التي نقبت حوالي (3000) قبراً و(540 ) مستوطنة تعود لفترة المجموعة (أ) وعدداً مقدر من المواقع التي تعود للمجموعة (ج) حيث اضافت  تلك المسوحات في العام 1911م عددا من المقابر لفترة المجموعة (أ) في وادي السبوعة،  وخلال الاعوام 1910_1913م كشفت بعثة جامعة اكسفورد بقيادة فيرث عن مواقع هامه للمجموعة (أ) في مناطق فرص وصرص ، وفي العام 1919م اجرت البعثة النمساوية حفرياتها بقيادة جونكر وقد كشفت انتشاراً ثقافياً للمجموعات النوبية في موقع الكبانية.
وخلال الحملة الثانية لانقاذ آثار النوبة (1929-1935م) اثر تعلية خزان اسوان اجري الباحث ج.شنتا ويندروف (Wendorf) حفريات في مواقع عنيبة واكدت تلك النتائج التي توصلت اليها الحملة الأولي ، كما كشفت البعثة الأمريكية  من جامعة هارفارد بقيادة اوديك بيتر ودوز دونهام عن انتشار للمجموعة (أ) في منطقة جمي، كما أجرت بعثة ساف سودربرج 1941م مسحاً آثارياً وكشفت عن عدد من الجبانات حول منطقة بطن الحجر.
 وعندما عزمت الحكومة المصرية علي توسيع بحيرة السد العالي لتغطية المنطقة من اسوان حتي مدينة حلفا السودانية، تبنت حملات التنقيب الأثاري منظمة اليونسكو وقد ساهمت هذه المرة عدد من البعثات التي زادت الكشف عن مواقع المجموعات النوبية ومنها:
1. بعثة الدول الإسكندفاية 1961م التي نقبت مواقع تعود للمجموعة (أ) حول منطقة الشلال الثاني في كل من فرص ,صرص ,دبيرة ,صحابا , عبكة وجمي وقد شارك في حفرياتها آدمز (Adams) و نوردستروم (Nordstroum) ونشرت المادة الخاصة بحقبتي المجموعة (أ) والعصر الحجري الحديث في كتاب نوردستروم 1972م وكشفت عن عدد من الرسوم الصخرية في احد الوديان القريبة من عبكة وتم وصف المباني السكنية التي تعود لفترة المجموعة (ج) والتي وجدت في موقع عنيبة كما تم الكشف عن مستوطنة للمجموعة (أ) في منطقة عافية وشملت ايضاً مسوحات الباحث تريقر 1961م التي سجلت عدد من المواقع كبيرة المساحة بلغت مساحة أحد المواقع حوالي (150×800 متر) .
2. بعثة معهد الدراسات الشرقية بجامعة سيكانول 1962م والتي كشفت عن مواقع قسطل واهم مواقع المجموعة (أ) التي احتوت علي مدافن تتميز بالصفوة ونشرت التقارير الأولي لها في العام 1974م والتقارير المفصلة في 1986م.  وهناك تنقيبات بعثة اكلي – ب –كوكس في موقع عمارة الذي يعود للمجموعة (ج) ومنذ ذلك الوقت اخذت الدراسات الآثارية مساراً جاداً في تحليل وتفسير المادة الثقافية للمجموعات النوبية وهوية تلك الثقافات -  نذكر منها دراسات آدمز 1977- 2002م وتريقر 1967 م وادوارد 1989 – 2004م وشارلس بونيه 1992م.
أما آثار فترة ما قبل كرمة كشفت عنها أعمال البعثة السويسرية حول منطقة دنقلا وقد ذكر هذا الاسم لأول مرة من قبل شارلس بونية (Bonnet) في العام 1986م ونشر أعماله في العام 1988م وتحدث عن ظهور فترة ثقافية تسمى ما قبل كرمة في منطقة النوبة العليا متزامنة مع ثقافة المجموعة (أ) في النوبة السفلى، ومن ثم استخدم هذا المصطلح في أبحاث هونقر وماريا كوستنزاني وديفد ادوارد وديرك ولسباي وعدد من الأبحاث اللاحقة باعتبارها فترة قائمة بذاتها وهي التي عملت على قيام كرمة، وفي الغضون كانت بعض البعثات العاملة في شمال السودان والبعثة السويسرية في منطقة دنقلا والبعثة الفرنسية في منطقة وادي الخوي والبعثة الفرنسية في منطقة صاي تكشف الكثير عن آثار لفترة ما قبل كرمة والمجموعة (ج) أسفل آثار حضارة كرمة، ووجدت العديد من المواقع حول حوض كرمة شرق النيل وغربه ، كما كشفت بعض الأبحاث عن الامتداد للعديد من آثار ما قبل كرمة في وسط السودان وكانت أبحاث الباحث كريم صدر حول الصحراء الشرقية قد كشفت عن العديد من الثقافات التي ترجع لفترة ما قبل كرمة وهناك بعض الاكتشافات في مواقع العصر الحجري الحديث المتأخر الشبيه بآثار ما قبل كرمة كما كانت هناك العديد من الآثار لهذه الفترة في شرق السودان التي كشفتها أعمال البعثة الايطالية بقيادة فاتوفيتش (Fattovitch 1982) منها مجموعات مكرم وطوكر والقاش وعدد من الثقافات على نهر عطبرة ومنطقة خشم القربة.
وفي ثمانينات القرن المنصرم نادت أعمال الباحث ديفيد أوكونر (O’conar) عن وجود مجموعات ارتجاي وستجاي وواوات وكوش متوزعة آثارها في منطقة السودان القديم وكانت حملات انقاذ سد مروي حول الشلال الرابع قد كشفت ثقافات كثيرة لهذه الفترة من آثار للمجموعة (أ) والمجموعة (ج) وفترة ما قبل كرمة.
وخلاصة تلك الأعمال الآثاية التي استمرت لقرابة قرن من الزمان كانت هي آثار ما قبل كرمة.
خارطة رقم (1) خريطة السودان الآثارية


المجموعة (أ)
الفخار والقياسات الانثربولوجية الطبيعية كمعيار لأصل المجموعة (أ)
صعب أمر تحديد هوية أصحاب المجموعة (أ) في بداية الأمر، وقد تمثل هذه المجموعة في رأي مكتشفها رايزنر أول مجموعة بشرية تستوطن النوبة السفلى وأنها تمثل هجرة للمستوطنين الشماليين الى النوبة التي كانت مهجورة ولم تسكن من قبل ، واستقرت هذه المجموعة في المنطقة إلى الجنوب من الشلال الأول وذلك لما وجده من مقابر في موقع خور باهان وما بها من فخار مصري كما أن تريقر يعتبر أن المواقع الشمالية تمثل توسع للسكان المصريين والجنوبية تمثل استمرار لسكان العصر الحجري الحديث في السودان وذلك للاختلاف في آثار كل اقليم جغرافي عن الآخر، وقد تم التحقق من وجود هذه المجموعة في الأبحاث التالية رغم أن العديد من أفكار رايزنر قد جانبها الأخطاء خصوصاً في ما يتعلق بأصل هذه المجموعة ، كما أن البعض من تلك الدراسات خلصت إلي أن هناك صفات مشتركة  مابين هذه المجموعة وفترة ما قبل الأسرات في مصر، وعلى الرغم من ذلك نجد أن الدلائل الأثرية التي وفرتها حملات السد العالي أثبتت أن المجتمع والثقافة خلال فترة المجموعة (A) كان ذو سمات نوبية (سودانية) خالصة وله علاقة بالمجتمع والثقافة السابقة له في العصر الحجري الحديث (ثقافة عبكه) حيث تؤكد ذلك أبحاث شاينر 1968م ، فيما تتحدث كتابات نوردستروم 1972م عن تشابه الأدوات الحجرية للمجموعة (أ) مع الأدوات الحجرية لثقافة عبكة مع تماثل الفخار لفخار العصر الحجري الحديث في منطقة الخرطوم، عندما قام بدراسة وتحليل فخار المجموعة (أ) الذي خرج من موقع جزيرة دبروسة وقسمه إلي أربع مراحل زمنية وفي الحال يؤكد ديفيد ادوارد 2004 م عن أن المجموعة (أ) تشارك العصر الحجري الحديث في عدد من الثقافات مثل صناعة التماثيل الطينية والخرز ووجود مقابر الحيوانات مع المقابر البشرية وأنماط الزينة.
جرت الدراسات الآنثربولوجية الأولى لهذه المجموعة عن طريق سمث (Smith 1910) وتولدت (Toldt 1919) وباتروي (Barawi 1935) وقد خلصت هذه البحوث الآثرية إلي أن هناك مجموعة بشرية نوبية الأصل ظهرت في الألف الرابع قبل الميلاد في شمال السودان بصفات مميزة عن بقية الثقافات في وادي النيل , وقد خلصت أعمال اليوث سمث الآنثربولوجية عن أصل أصحاب المجموعة (أ) في الآتي:-
1-  تمثل المجموعة (أ) مجتمعاً عاش في شمالي إفريقيا وهو من العنصر القوقازي الأبيض وعليه لا بد أن تكون آثار هذا المجتمع متطورة.
2-  يرى سمث أن المجموعة (ب) يغلب عليها العنصر الزنجي، وهذا عند رايزنر يدل على وجود عناصر إفريقية في المخلفات مع قلة العناصر الشمالية، وهذا ما جعل رايزنر يعتقد أن المجموعة (ب) أيضاً قد جاءت من الشمال. وخلصت في نهاية الأمر إلي أن ما قصد به المجموعة (ب) هي مقابر المجموعة (أ) المبكرة والتي كانت فقيرة مقارنة بوصيفاتها.
3-  يرى سمث أن العناصر الزنجية في المجموعة (ج) قد قلت كثيراً قياساً بالمجموعة (ب)، ويرى رايزنر أن التطور من الناحية الفنية والصناعية في مخلفات المجموعة (ج) هو دليل على اذدياد العناصر المصرية وقدوم هجرات جديدة من الشمال.
وفي المقابل قامت البعثة الاسكندنافية  بإجراء دراسات آنثربولوجية على العظام البشرية التي وجدت في مدافن المجموعة (أ) عن طريق الباحث فاقنلسن (Vagn Nielsen 1970) وقد عمل على المقارنة بين أصحاب المجموعة (أ) والمجموعة (ج) وأثبتت أن هناك اختلافات كبيرة. وقد ركزت هذه الدراسات على الطول والنوع والعمر ودراسة الأسنان والأمراض والأوبئة التي ظهرت آثارها على أجساد الموتى، حيث وجدت بعض الجثث تشير إلي أن أصحابها ماتوا متأثرين بضربات في الرأس أدت إلي قطع بعض الأطراف ووجد هيكل لرجل وعليه ضربة عميقة في الرأس من الأمام ومن المحتمل أنها ضربة بفأس من النحاس المخلوط بالبرونز الأخضر مما عكس الموت عن طريق العنف ولم يتم العثور على دليل للتضحية البشرية. وقد وصف باتروي (Batrawi)    الهياكل بأنها تبلغ (169,9) سم للرجل و (155,5) سم للمرأة.
ويعتقد آدمز أن معظم التطورات الثقافة التي حدثت في أواسط المجموع (أ) نتجت عن مؤثرات مصرية ولكن هذه المؤثرات لم تأتي في شكل هجرات بشرية وإنما كانت نتيجة الاتصال بين هذه المجموعة والحضارة المصرية والذي ظهر في الفخار والأدوات ذات الأصول المصرية التي وجدت في مدافن المجموعة (أ) ويبدو أن الاستنتاج الذي يقول أن مبدعي هذه الثقافات عبارة عن مهاجرين مصريين وفدوا من مصر إلى أطراف السودان الشمالية هو مجرد فرضية لا دعم لها في السجل الأثري.
تؤيد أغلب الدراسات أن العلاقات الثقافية بين المجموعة (A) ومثيلاتها في السودان من المجموعة (B) التي ادعاها رايزيز وما قبل كرمة (Pre Kerma) والمجموعة (C) هي علاقات تطورية. وفي هذا السياق تجنب آدمز في كتابة النوبة بوابة أفريقيا (Nubia Corridor to Africa ) الشمولية العرقية لكلمة المجموعة (Group) واستبدلها بمصطلح ثقافي أكثر اتساعاً وهو مصطلح (أفق) (Horizon) واضعاً المجموعة (أ و ب) في مصطلح واحد هو الأفق (أ) (A-Horizon)
واتضح مدى شمولية كلمة مجموعة في تقسيم رايزيز للمجموعات النوبية وأصولها حسب موروثها الثقافي في تطوره وانحطاطه من خلال النتائج التي توصل إليها عالم الترشيح اليوت.

التسلسل الزمني للمجموعة (أ)
لم تكن هناك معرفة بطرق التوريخ المطلق في الفترة التي نقب فيها رايزنر مواقع المجموعة (أ) ولذلك أرخها بالبضائع المصرية والمخلفات المحلية الأخرى عن طريق التوريخ النسبي الي فترة ما قبل الأسرات وبداية الأسرة الأولى من خلال الأواني الفخارية المصرية المستوردة في مقابر المجموعة (أ) خصوصاً تلك التي وجدت في المنطقة القريبة من مصر واستنتج ان المجموعة (أ) معاصرة للأسرة الأولى والثانية والي حد ما الأسرة الثالثة وأرخ موقع خور باهان لفترة العمرة وجزره في مصر (3700 – 3500 ق.م) مع ذلك يرى تريقر(1965 – 1969م) انه لا يوجد موقع آخر مطابق لخور باهان وعليه أن موقع خور باهان يمثل مرحلة قائمة بذاتها ، وفي جزيرة دبروسه وجدت ثقافة منفصلة يماثل فخارها فخار فترة العصر الحجري الحديث الموجود في عبكة والشهيناب أكثر من تماثله لفخار موقع خور باهان، وقد ربط الباحثين بين ثقافة المجموعة (أ) وتلك المقتنيات التي عثر عليها كايسر في ثقافة نقادة بمصر.
لم تعثر البعثة الأسكندفانية علي أي أواني مصرية تؤرخ الي ما بعد الأسرة الأولي وقد رفض كل من بروس تريقر ونور ستروم وهاري سميث تواريخ رايزنر، واجمعوا علي تاريخ البضائع المصرية التي وجدت في مقابر المجموعة (أ) وفقاً للتواريخ المحددة لها في مصر  وبذلك ارخت المجموعة (أ) بتاريخ معاصر لتاريخ الثقافة الجرزية المتأخرة او نهاية فترة ما قبل الأسرات ، وأرخت البعثة الأسكندفانية بعض مخلفات المجموعة (أ) الي حوالي (4458) سنة مضت.
حيث قام تريقر بتوريخ المجموعة (أ) إلي ثلاث فترات ثقافية وكذلك يرى آدمز أن المجموعة (أ) قد مرت بثلاث مراحل: (وهي التقسيمات التي وضعها نورستروم 1972 م):
1. المرحلة المبكرة (3700 - 3250 ق.م) وهي تقابل فترة نقادة الثانية ويتفق مع آدمز نور ستروم في أن ثقافة المجموعة (أ) في هذه المرحلة المبكرة لم تكن متجانسة وقد وجدت منها شكلان الأول: غلب عليه الأثر المصري لثقافة نقادة الأولى والثانية، إحدى ثقافات ما قبل الأسرات في مصر، وانحصرت مواقع هذا الشكل الأول في الجزء الشمالي من النوبة السفلى من كبانية – دكة وسيالة. والثاني: غلب عليه الأثر المحلي وانتشرت مواقعه حول الشلال الثاني.
2. المرحلة المتوسطة (3250 – 3150 ق.م) وهي الفترة التي عاصرت نقادة الثالثة واواسط الأسرة الأولى في مصر وظهرت مستوطناتها في دكة وسيالة وقسطل وحول شلال دال.
3.المرحلة المتأخرة :(3200 – 3100 ق.م) وتعاصر فترة الاسرة الأولى والثانية المصرية ويرى بعض الباحثين أن هذه الفترة المتأخرة تمتد من (3150 – 2800 ق.م) ووجدت مواقعها متمثلة في مواقع استيطانية في سيالة وجريف حسين وجنوباً ما بين قسطل وجمي.
خارطة رقم (2) تبين مواقع المجموعة (أ) باختلاف مراحلها الزمنية



الإنتشار الجغرافي لمواقع المجموعة (أ)
انتشرت المجموعة (أ) في نطاق جغرافي واسع في شمال السودان واختلفت مواقعها باختلاف فتراتها الزمانية. وجدت مواقع المجموعة (أ) في كل من النوبة السفلى والنوبة العليا من منطقة الكبانية في الشمال على بعد 10كلم شمال الشلال الأول حتى الشلال الثاني  حول منطقة صرص جنوباً ، وتتركز هذه المواقع معظمها في منطقة النوبة السفلى حول مجاري الخيران والأودية وقد تم العثور علي جبانتين في كل من ادي حلفا وصولب علي بعد 60 ميلاً جنوب الشلال الثاني ، وتوالت الإكتشافات للانتشار الجغرافي لمواقع المجموعة (أ) سنوياً حيث تم العثور علي بعض آثارها الى الجنوب من كرمة وفي منطقة الشلال الثالث ودنقلا، عبري، دلقو، بطن الحجر واهم المواقع صرص غرب (11-M-7)  وصرص شرق (11-L-14) و(11-M-8) وفي فرس وبلانة وفركة وعمارة وابوسمبل وجزيرة دبروسة وعافية والريجة, كما يحتمل ضياع بعض المواقع التي غرقت في النوبة السفلى بعد قيام السد العالي ، وقد كشفت أعمال البعثة الاسكندنافية عن عدد من المواقع أعطتها أرقام من الشمال إلي الجنوب وكانت مواقع الجبانات هي (298 – 292 – 332 – 401 – و277) والمواقع الاستيطانية هي (316 – 303 – 340 – 414 و430) وكان أهم تلك المواقع هو الموقع 165 في جمي لأنه قد حوى 600 مقبرة نقبت ونشرت عن طريق (Bates and Dunham 1927) .
وقد تركزت مواقع المجموعة (أ) في فترتها المبكرة حول الشلال الأول والفترة المتوسطة في منطقة الشلال الثاني جنوباً حول منطقة بطن الحجر وفرس والفترة النهائية تركزت مواقعها حول الوديان الغربية للنوبة السفلى – وادي لقية ووادي شو 2500 قبل الميلاد وقد كانت المقتنيات التي وجدت حول محيط منطقة عبكة وثقافة نوع الخرطوم هي من أميز الدلائل الأثرية على توسع ثقافة المجموعة (أ) جنوباً واختلافها عن العنصر المصري وعلاقتها بفترة ما قبل كرمة في النوبة العليا.
اضافة الي ذلك اشار آدكل الي عثوره علي فخار للمجموعة (أ) بالقرب من كبري أمدرمان القديم والجزيرة اسلانج وجبل ام مرحي و بالقرب من كسلا وقوز رجب , وكشفت بعض الحفريات على دلائل انتشار للمجموعة (أ) بالصحراء الغربية وشمال وادي هور وكذلك في الصحراء الشرقية والأجزاء الغربية من منطقة حلايب، ويلاحظ من خلال ذلك التوسع الجغرافي تعدد مواقع هذه المجموعة، حيث بلغت عدد المواقع حتى تاريخ 1965م (120) موقعاً وقدر عدد سكانها بحوالي (8000) نسمة.
خارطة رقم (3) توضح الانتشار الجغرافي لمواقع المجموعة (أ)


طبيعة مستوطنات المجموعة (أ)
   تعتبر دراسة النمط الاستيطاني فيما يعني نوع الاستيطان وطبيعته هي من أولويات أهداف علم الآثار، وذلك لأن التعرف على نوع المستوطنة هو سبيل في الوصول إلي طبيعة النشاط البشري الذي أثر على نوع المستوطنة وطبيعتها، وقد درجت دراسات نوردستروم 1972م على تقسيم المواقع الأثرية للمجوعة (أ) إلي أربع أنواع من السكن :
1-  استيطان بدون مباني دائمة: وتم تمييز هذا النوع من خلال مخلفات النشاط البشري التي وجدت على السطح مثل شقف الفخار – وقد تمثلت طبقات الموقع من عدد من المخلفات مثل بقايا مواقد الطبخ ويبدو أنها كانت عبارة عن أكواخ وقد غطت مواقع هذا النوع منطقة النوبة السفلى وبطن الحجر ووصفها رايزنر 1910 م بأنها عبارة عن معسكرات وقد كشفت أعمال البعثة الاسكندنافية عن بقايا حفر تدل على أنها كانت أكواخ دائرية (huts) وجدت في موقع صرص وأخرى أشبه بالراكوبة وجدت في موقع فرص.
2-  استيطان ضم ساسات لمنازل من الصخور ربطت في بعض الأحيان بمونة (mortar) وقد وجد هذا النوع في موقع عافية الذي سجله سمث 1962م وعندما تم تنقيب هذا الموقع كشف عن وجود عدد من الغرف المعقدة التركيب وجدت كل ستة لها بوابة واحدة وبلطت أرضية هذه الغرف بالطين والحصى ولم يتم العثور على مخلفات عرش ووجدت داخلها عدد من الحفر يعتقد في أنها استخدمت في التخزين، وعلى الرغم من أن موقع عافية يعتبر ذو أهمية قصوى في كشف التطور في النمط الاستيطاني لأصحاب المجموعة (أ) إلا أن دراسات تريقر 1965م قد كشفت عن عدد من المواقع الشبيه بهذا النوع من السكن المركب ، حيث تم العثور في مناطق صرص على أشكال لغرف صغيرة بنيت من الصخر والطين في عهد المجموعة (أ) وقد استخدمها لاحقاً أصحاب المجموعة (ج).
3-  وجد نوع من السكن في الملاجي الجبلية في منطقة النوبة السفلى حيث تم العثور في موقع سيالة على بقايا استيطان بشري في الصخور وحوله كميات من الرسم الصخري وأيضاً حول منطقة وادي حلفا وجدت بقايا فخار لفترة ما قبل الأسرات في مصر. وقد وجد مثل هذا النوع من النمط الاستيطاني حول منطقة عبكة وقد وجدت فيه آثار ثقافة نوع الخرطوم وعبكة والمجموعة (أ).
4-  يظهر هذا النوع من النمط الاستيطاني من خلال حفر التخزين التي بلغت حوالي 578 مخزن ، وجدت في خور دايوب على الضفة الشرقية لنهر النيل في النوبة السفلى ولم توجد مخلفات استيطانية واضحة عدا الفخار الذي وجد في حفر التخزين.

 
                              
الثقافة المادية للمجموعة (أ)
الفخار:-  وصفت المجموعة (أ) في كرنولوجيا تاريخ السودان القديم بفخارها المميز ذو اللونين الأحمر والأسود ، وقد وضح فخارها هذا مدى ارتباطها بالثقافات السودانية وخصوصية صناعات سكانها اذ احتوت مقابرهم علي كمية من الأواني الفخارية التي تمثلت في الجرار الكبيرة التي تستخدم لحفظ السوائل والجرار الكبيرة المستديرة ذات السطح الأحمر اللون وبها قاعدة والقداح عميقة التجويف وقد صنع بالطريقة اليدوية(Hand made pottery) وكانت الصناعة جيدة ومتينة وقد وجدت اعداد مقدرة من تلك الأواني في المساكن والبعض الأخر في المدافن ، وبصفة عامة يمكن وصف فخار المجموعة (أ) علي حسب مراحل تطورها الثقافي وهي المراحل الزمنية لصناعة الفخار التي توصل لها نوردستروم من دراسته لفخار جبانة موقع جزيرة دبروسة:-
1-  فخار المرحلة المبكرة غلب عليه الطابع المعدني ، وتميز بالصقل والزخرفة الهندسية وهو فخار أحمر من الخارج وأسود من الداخل والحواف وهو النوع الذي لا يوجد له مثيل في فخار مصر وتوصلت دراسات جونكر إليأن أكثر ما يميز هذا النوع هو الطلاء الأسود الداخلي وخفة الوزن وهو شبيه بفخار كرمة والبان قريف ومتطور من فخار عبكة ، حيث أنه ما زالت شكل العلاقة غير واضحة بين فخار المجموعة (أ) المبكرة الموجود حول سيالة ودكة واقليم اسوان وفخار تلك المواقع التي وجدت إلي الجنوب. كما وجد جنوب الشلال الأول في الجبانة رقم (17) موقع خور باهان وهو على نوعين:  الأول :الفخار ذو الحافة السوداء والذي يماثل فخار نقادة الأولى في مصر.
                 الثاني :اواني بنية وسوداء عليها زخرفة محززة باللون الأبيض.
2- فخار المرحلة المتوسطة : هي الجرار البنية ذات الحدوه والشفة السوداء والأسطح اللامعة.
3- فخار المرحلة المتأخرة : تميز بزخارفه الحمراء وذو الحافة السوداء والفخار المصنوع من الطين الأصفر الذي يماثل فخار نقادة الأولى والثانية وهناك فخار قشر بيض النعام والأحمر المتموج وفخار ذو الزخرفة على شكل المسلات الذي وجد في المقابر وهناك فخار ذكره ويليامس بأنه ذو أصل سوري.
تنقسم الزخرفة في فخار المجموعة (أ) الي نوعين:
1- زخرفة مطبوعة ويستعمل فيها اللون الأحمر الغامق على الأسطح البيجية.
2- زخرفة هندسية وهي أشكال غير منتظمة على الأسطح السوداء ملئت بالجير الأبيض والزخرفة المنقوشة بخطوط متعرجة وهي زخرفة شبيه بزخرفة فخار العصر الحجري الحديث في عبكة وفخار البان قريف.
نماذج لألوان وزخارف وأشكال المجموعة (أ)           أنواع زخارف الفخار

الصناعات الصغيرة :-
وجدت كميات كبيرة من صناعات المجموعة (أ) التي تعددت من ناحية المادة الخام وكيفية صناعتها ، حيث وجدت حوالي (2600) اداة حجرية في جبانة قسطل وانحصرت الصناعات الحجرية في اللوحات الحجرية لطحن الألوان واللوحات الحجرية من صخور المالاجيت ولم يتم العثور على لوحات من صخر الأردواز جنوب سيالة ووجدت المثاقب والأدوات المسننة والأدوات الهلالية والمطارق وأدوات الطحن والهاون كما وجدت لوحات من صخر الكوارتز مع مخارز من النحاس وجدت في مقابر النساء وزمام الشفاه (Lip-plug) ورؤوس الفؤوس الحجرية ومباخر حجرية من الحجر الرملي النوبي والصلصال وقد نقشت على سطحها الخارجي ،وقد غلبت على الصناعة الحجرية في ثقافة المجموعة (أ) حجارة الرحى والمطارق والنصال والشظايا وقد أظهرت تلك الأدوات درجات من الكشط والتشظية والتلميع وفي موقع سيالة وجدت رؤوس السهام في المدافن مع مطارق يدوية من الذهب وقد وجدت المصنوعات النحاسية بكثرة متمثلة في الفؤوس اليدوية والأزاميل وإبر (needle) ومثقاب (Awl) ونصال على شكل سكاكين  والأساور والخناجر والعقود وأشكال لعقرب وكلب وفي جبانة قسطل وجدت الخواتم وجرار الكحل وأدوات الزراعة مصنوعة من النحاس مما يدل على معرفة تامة بصهر النحاس في هذه الفترة وفي موقع كبانية وفرص وجدت صنانير صيد السمك من النحاس.
كما عثر علي الحلي والمجوهرات والعقود من خرز العقيق الأحمر والقاشاني ، بجانب ذلك صنعت دلايات من الحجر وتمائم من القاشاني وأصباغ المالكيت.
اضافة الى أن البعثة الأسكندفانية عثرت على دميتين صغيرتين (ثماثيل أنثوية) من الطين المحروق احدهما لفتاة صغيرة والأخرى لإمرأة في مقبرة سيدة ضمن مدافن المجموعة (أ) وتماثيل صغيرة لأبقار لها قرون ونموذج لقارب من الطين، وكشفت تلك الأعمال الى أن أصحاب هذه المجموعة قد مارسوا نوعاً من الفن وهو الرسوم الصخرية لأنواع من الحيوانات على الصخور والجبال التي وجدت منتشرة علي الجانب الشرقي والغربي للنيل في منطقة وادي حلفا وحتي الشلال الثالث في دلقو وقد صورت رسومات لابقار وزراف وأفيال وأفراس النهر بالإضافة لصور الصيادين وهم يقومون بالصيد وصور لبقر محمول على مراكب عبر النهر ومن أهم تلك الرسوم الصخرية (نقش جبل الشيخ سليمان) الذي يصور معركة حدثت في النيل بين النوبيين والمصريين في عهد الملك جر ثالث ملوك الأسرة الأولى في مصر وقد صور النوبيين كقتلى ملقيين في الماء بعد أن احتل المصريين مدينتين من مدنهم واسروا ملكهم الذي قيدت يداه بما يشبه القوس اشارة الى أرض الأقواس (تاسيتي) وهو الاسم الذي كانت تشتهر به منطقة النوبة ويعتقد بعض الباحثين ان هذا النص يشير الى نهاية المجموعة (أ)  بينما يرى آخرون أمثال بروس وليامس (Bruce Williams) أن هذا النص يعني انتصار النوبيين وليست نهايتها ، ويشير بعض الدارسين إلي أن هذا النص مبكر منذ عهد ما قبل الأسرات.
نقش جبل الشيخ سليمان
وتشير الأدلة الأثرية إلي وجود بعض الرسومات التي تدل على نوع وسائل النقل في عهد المجموعة (أ) حيث وجدت رسومات القوارب على بعض الأواني الفخارية المصرية الأصل وقد كشفت الرسومات الصخرية عن استغلال أصحاب المجموعة (أ) لوسائل النقل البري (الحيوانات) ووسائل النقل النهري (المراكب).
المساكن :-  يعتبر ظهور العمارة المحلية السكنية لدى أصحاب المجموعة (أ) نقلة كبرى في بلاد النوبة، إذ لأول مرة تظهر المنازل المشيدة بمواد متينة ، إذ كانت مستوطنات المجموعة (أ) ذات طبيعة موسمية وربما كان السكان ينتقلون من منطقة إلى أخرى ثم يعودون للإقامة في مستوطناتهم السابقة وبعضها معسكرات للصيد ، وفي الغالب العام هي عبارة عن أكواخ من الحشائش وأوراق النخيل والعشب وقد وصف تريقر موقعاً سكنياً فوق رابية للمرحلة المبكرة من المجموعة (أ) بأنه لم تكن هناك آثار واضحة لأسوار بل وجدت (16) كوخاً من الركام المتبعثر ويعتقد في ذلك ان مساكنهم كانت من حظائر مثبتة على أعمدة ، وهناك نوع من المحميات التي زينت برسومات وصور وجدت في كل من سيالة و سرة غرب كما كشفت البعثة الاسكندنافية (1961م) في موقع عافية عن مساكن بها العديد من الغرف المبنية من الواح حجرية وأرضيات من الطين والحصى وهي غرف مستطيلة الشكل ولها ابواب خارجية بنيت من الحجارة وملئت فراغات الحجارة بالطين والرمل والاركان الخارجية مستديرة ، كما كشفت في مواقع الريحة عن بقايا منازل دائرية مبنية من الواح حجرية خشنة ،ويعتبر أقدم نموذج للمساكن الحجرية واكثر انواع منازلهم الأكواخ التي بنيت باعمدة وغطيت باعشاب.
وقد رأى آدمز الى ان هناك اربع مميزات ثقافية للمجموعة (أ) تميزها عن سابقاتها في العصر الحجري الحديث وهي :
1-  زراعة المحاصيل.
2-  بداية المعمار المنزلي .
3-  صناعة الفخار الأحمر والأسود المميز .
4-  ممارسة وضع الاثاث الجنائزي مع الميت .

                                  المجتمع والاقتصاد خلال المجموعة (أ)
كشفت الأبحاث الأثرية أن مجتمع المجموعة (أ) في النوبة السفلى كان مجتمعاً يتكون من عدد من الأسر أو عدد من القبائل التي مارست ثقافة واحدة في منطقة أكثر اتساعاً وصل مرحلة من التباين خلال المرحلة المتوسطة الأخيرة ، وقد كشفت محتويات المقابر عن مجتمع نوبي يعتمد في اقتصاده على الصيد ،الرعي ،الزراعة كما كانت له علاقات خارجية ربما كانت مصدر تجارة وظهرت في هذا المجتمع طبقة الحرفيين وصناع الخزف ، إضافة إلى انه ظهرت في بعض المقابر أن هناك مكانه اجتماعية (status) وحالات صفوة والتي أشارت إليها المقابر الغنية في موقع قسطل حيث أشار سمث إلي أن المقابر الكبيرة وذات الأثاث الجنائزي الكبير ليست بالضرورة أن تدل على قائد سياسي ولربما يكون وسيط تجاري ناجح حيث قسم تريقر مقابر الجبانة (L) إلي ثلاثة أنواع منها المقابر الملكية ومقابر النبلاء والمقابر الفقيرة حيث وجدت في المقابر الملكية دلائل على وجود قطع من الذهب والمباخر التي بلغت (30) مبخر وفي أحدها نقش لملك نوبي يرتدي ملابس حتى الركبة (آزار) وبلغت فيها الأواني الفخارية حوالي (1000) آنية والأدوات الحجرية حوالي (100) أداة وبعض الضحايا البشرية والحيوانية ووضع القرابين والتماثيل مع الميت ويرى ويليامس في هذا أن وجود مقابر بهذا النوع في موقع قسطل تدل على وجود ثقافة مركبة لها اتصالات خارجية حيث يعتقد أن أول مقبرة ملكية في ابيدوس بمصر استمدت ثقافتها من جبانة قسطل.
وجدت أدلة الاقتصاد الذي يعتمد على الصيد والرعي بكثرة في مواقع المجموعة (أ) وتتلخص في الأدوات الحجرية علي شكل أدوات صيد ومواقد الطبخ وعظام الحيوانات والأسماك كما وجدت في مقابرهم كساءات جلدية وذكرت الأبقار والضان كغنائم في نص مصري من الأسرة الرابعة (حجر باليرمو) يشير إلى حملة مصرية على النوبة في عهد الملك سنفرو ، ويعتقد بعض الباحثين أن هذا النص لا يتعلق بالمجموعة (أ) بالإضافة إلى ذلك لم يتم العثور إلا على القليل من عظام الحيوانات المستأنثه ، ولا يعرف حتى الآن كيف ساهمت المجموعة (أ) في الاقتصاد النوبي آنذاك. ويعتقد بعض الدارسين انهم مارسوا صيد النعام والمحار النيلي وان البيئة النوبية لن تسمح لهم باستئناس الأبقار ولربما كانوا يرعون الضان والماعز.
وقد كشفت حفريات حفريات (1961 – 1962 م) في خور دايود في نهايات وادي العلاقي على بقايا مركز تجاري تمثلت في 578 حفر تخزين مع بقايا استيطان بشري ، وقد وجد الفخار المصري في هذه المخازن وفي الجانب الآخر وجد حصن في منطقة دكة واقترحت الدراسات مؤخراً أنه لربما تكون مناطق الممالك المصرية كدروع لحماية حدودها.
أما دلائل ممارسة الزراعة فهي الأخرى قليلة وتكمن في البذور المتفحمة التي عثر عليها في موقع عافية لنبات القمح والشعير وبعض النباتات البقولية مع عدم العثور على أدوات زراعة معروفة. ويبدو من خلال دراسات نوردستروم أن أصحاب المجموعة (أ) قد استغلوا النباتات والحيوانات في صنع غذائهم ومثلت الفقاريات والأسماك والطيور اقتصاد ثانوي ولم توجد أدلة على الطبخ ويبدو أن الخمر كان يستورد من مصر لأنه لم يوجد دليل على أفران محليه، وتمثلت بقايا الزراعة في حبوب القمح والشعير في موقع عافية وقد أرخ بيتاك (Bietak and Engelmayer 1963) عظام الحيوانات – ويبدو من خلال الدراسات أن أصحاب هذه المجموعة قد استخدموا الحيوانات والحبوب والخضروات ضمن اقتصادهم.
إضافة إلى أن أراضي منطقة النوبة محدودة وتنحسر في شريط ضيق على النيل بالتالي لا تساعد على ممارسة الزراعة والشاهد انهم استخدموا صناعة الفخار وصهر النحاس والتبادل التجاري مع مصر، وقد مثلت ثقافة عبكة ونوع الخرطوم الدليل الواضح على علاقة اقتصاد المجموعة (أ) بالمجموعات الأخرى.
رسومات لحيوانات برية دليل على استخدامها في الاقتصاد     بعض صناعات التماثيل الأنثوية


المقابر والعادات الجنائزية
أظهرت جبانات المجموعة (أ) اختلاف كبير من ناحية الأثاث الجنائزي ، فبعضها يحتوى على عدد قليل من المقابر وأخرى كبيرة الحجم وكثيرة عدد المقابر ، وهناك جبانات غنية من حيث الأثاث الجنائزي وأخرى فقيرة نوعا ما ، ومن أكثر الجبانات ثراءً الجبانة (L) التي كشفت عنها بعثة جامعة شيكاغو في قسطل وهي تتكون من ثلاثة وثلاثين قبراً لم يوجد لها مثيل في مواقع المجموعة (أ) ومعظم قبورها تتكون من حفرة كبيرة قطع بداخلها قبر جانبي في شكل غرفة تحتية واستخدمت ألواح خشبية لسقف هذه الغرف وهي شبيه بمقابر الفترة المتأخرة من الأسرات المصرية الموجودة في أبيدوس من ناحية الحجم ، وقد احتوت علي العديد من الأواني الفخارية والحجرية والحلي والمجوهرات من بينها عقود من خرز العقيق الأحمر والقاشاني والبلور وقليل من الحلي الذهبية والأسلحة وقد ضمت بعض المقتنيات المصرية واناء برونزي من أصل سوري أو فلسطيني وبعض الأدوات المصنوعة من الصدف تشبه إلي حد بعيد مصنوعات ثقافة الشاهيناب التي تعود للعصر الحجري الحديث، ووصفت مقابرها بأنها ملكية نسبة لان موجوداتها تدل على ثقافة مركبة ذات علاقات خارجية واسعة وربطت بنص جبل الشيخ سليمان ويري بعض الباحثين أمثال بروس وليامز أن هذه الدلائل تشير ألي ظهور الصفوة والملكية في النوبة قبل مصر ولكن قوبل رأيه بالنقد من قبل آدامز الذي اعترض على أنه لا يمكن أن تكون المباخر المنقوشة دليل على ظهور الملكية في النوبة قبل مصر، وقد اعترف أوكونر بأهمية جبانة قسطل، ولكنه يرى أن المدفونين فيها ليست بالملوك بل حكام لمشيخة متطورة حكمت كل النوبة السفلى ويضيف أوكونر أن التطور الطبيعي للنظم السياسية يقتضي أن تسبق الملكية مرحلة أبسط منها . كما أشارت دراسات   (Earle 1997). إلي أنها عبارة عن مشايخ ذات نطاق جغرافي محدود تقريباً 100 كلم.
نماذج من فخار المجموعة (أ) في جبانة قسطل
أما عن الجبانة رقم(137) جنوبي السيالة ، يعتقد فيرث أنها تعود لزعيم نوبي أو ملك وأسرته لكبر حجم القبور وكبر حجم محتواها من الأثاث الجنائزي.
وجدت مقابر المجموعة (أ) أكثر انتشاراً بين الشلال الأول والثاني على ضفتي النيل ،ووجد بشكل عام كل قبر يدفن فيه ميت واحد حيث وجدت بعض المدافن التي أعيد فيها الدفن في فترات لاحقه بوضع الجثة الجديدة فوق القديمة ،وقد خصصت الفئات العمرية والنوع بمدافن خاصة حيث دفن البالغون مع بعضهم والأطفال مع الرجال والنساء، وقد أشار نوردستروم إلي أن هناك تفريق جنسي في أحد الجبانات حيث لم يدفن الرجال مع النساء وهو ما عكس ظاهرة كعادة في النظام الديني أو الاجتماعي للمجموعة (أ).
كانت أغلب المقابر تتجه من الشمال إلى الجنوب ،وتختلف الحفرة في حجمها وشكلها وعمقها وهناك نوعان رئيسيان من المدافن:-
-       النوع الأول:- حفرة بيضاوية بسيطة شبه دائرية بعمق يصل إلى (80 سم) محاطة بالصخور علي جوانبها.
-       النوع الثاني :- قبر ذو غرفة جانبية لا يزيد عمقه عن المتر والنصف وهو أقل شيوعاً أما الأشكال الخارجية لهذه المدافن فهي في أغلب الأحيان تليه (Mound – Kom) وتندر القابر المبنية بأطواف من الحجر الرملي في شكل دائري وبعضها مستيطلة الشكل بها أربعة غرف يعتقد أنها مقابر لأسر ، وهي في الغالب بسيطة متكونه من المبنى الخارجي (Sub Structure). أما العادات الجنائزية داخل القبر فقد تميزت بعدد من  السمات كالآتي:-
1-   وضع الميت في شكل مكرفس، يتجه رأسه إلي الجنوب أو الجنوب الغربي وفي بعض الحالات ناحية الشرق أو الجنوب الشرقي ودفن الأطفال الرضع داخل أواني فخارية.
2-   غطي الميت بحظيرة أو جلد حيوان أو كتان، وكانت الحظائر تصنع من القش والحشائش وأوراق وألياف النخيل.
3-   أشتمل الأثاث الجنائزي علي أشياء شخصية وأدوات مستخدمة في الحياة اليومية ،حيث كان الجسد يزين بسلاسل من الصدف أو أساور من الخرز المصنوع من الصدف والقاشاني والعظام والحجارة الكريمة، كما تم العثور علي سلاسل من البرونز وأخرى من الذهب وريش نعام وطواقي ناعمة من القش.
4-   تم العثور علي المغرة الحمراء وأنواع مختلفة من اللوحات الحجرية والختم المصنوعة من العاج والعظام ومن الأشياء النادرة التماثيل البشرية المصنوعة من الفخار أو الحجر.
5-   وجد الفخار النوبي المحلي بكثرة مع الفخار المصري وادوات الطحن المستوردة.
6-   وجدت أنواع من الأدوات في شكل أسلحة منها شفرات الفؤوس ،الأزاميل ، رؤوس الهراوات المصنوعة من الحجر والنحاس وأغلبها مصرية الصنع والفؤوس النحاسية وبيض النعام المثقوب .
7-   هناك مؤشرات لإستخدام الضحايا الحيوانية، حيث وجدت مقابر للحيوانات داخل جبانة المجموعة (أ) وهي التي اعتبرها رايزنر مقابر المجموعة (ب)، وأخيراً تم التأكد من تصنيفها للمجموعة (أ).
بصورة عامة هناك ثلاثة مميزات هامة لمدافن المجموعة (أ) وهي :-
1- الاهتمام المتزايد بالحياة الأخرى.
2- تركيز الثروة في شكل بضائع تدل علي الرفاهية.
3- وجود علاقات تجارية مع مصر.

                                  أنواع مقابر المجموعة (أ)


علاقة المجموعة (أ) مع مصر
        أشارت المصنوعات المصرية إلى أن ثقافة ( نقادة وجرزه ) كانتا ذات اتصال مباشر بثقافة المجموعة(أ) وتتحدث الأبحاث عن أن المجموعة (أ) كانت تمثل دور الوسيط التجاري بين السودان ومصر والبحر الأحمر حيث وجدت الجرار المصرية الكبيرة التي استخدمت في التخزين وبعض المصنوعات من الخرز والتمائم وأصباغ الملاخيت التي تدل على علاقة تجارية في تلك الفترة عن طريق النيل أو البحر الأبيض المتوسط ، ويقترح بعض الباحثين أن التطور الذي شهدته مجموعات نهايات العصر الحجري الحديث والمجموعة (أ) كان بسبب التجارة طويلة المدى مع مصر، كما وجد فخار المجموعة (أ) في مناطق أرمنت والكاب بمصر العليا ولكنه وجد بأعداد قليله . وأشارت صور المراكب في صخور النوبة السفلي على وجود حملات تجارية بين البلدين في عصر المجموعة (أ) والتي ذكرتها رواية خرخوف، حيث كانت المنطقة جنوب الشلال الثاني غنية بالمواد الخام التي تحتاج إليها مصر في فترة ما قبل الأسرات لذلك قد يحتمل أم سكان المجموعة (أ) كانوا حراس للقوافل التجارية وكانت تتبادل المواد الخام مع مصر بمواد النبيذ – الزيت – الجبن وأدوات التجميل ويرى بعض الباحثين أن فترة المجموعة (أ) المتوسطة والنهائية كان فيها خور داؤد يمثل مكان لتبادل وأعادة توزيع البضائع لأنه مدخل لوادي العلاقي ويدل تنوع البضائع على وجود حدود تجارية وفوارق اجتماعية اقتصادية حيث كان الجزء الشمالي من المجموعة (أ) كان يعتمد على التجارة فيما يعتمد الجزء الجنوبي على الرعي والزراعة ويضيف نقش جبل الشيخ سليمان إلى أن المصريين قد ارتادوا بلاد النوبة منذ زمن الأسرة الأولى الملك جر (3100 ق.م) ، ويرمز إلى وجود علاقات عدائيه تمثلت في هجمات حربيه من المصريين تجاه النوبة ، على الرغم من رأى بعض الباحثين المتناقض لذلك ويبدو أن العلاقات المصرية في أواخر المجموعة (أ) قد سادتها بعض العدائيات حيث وجد لوح تذكاري في هيراكوبوليس المصري غرب النيل صور عليه الملك المصري تسجيلاً لانتصاره على أهل الجنوب (تاستى) وصور الرجل الذي يرمز لأهل الجنوب بلحية ، ويعتبر رسم الرجل الملتحي من أقدم الرسوم التي تمثل منطقة النوبة في الوثائق المصرية. وزمنياً تغيرت العلاقة في المرحلة الكلاسيكية من عهد المجموعة (أ) التي عاصرت نقادة الثالثة وأصبحت العلاقات أشبه بالمبادلة التجارية.
أما في نهايات المجموعة (أ) وموازاة للفترة التي فصلت بينها وبين المجموعة (ج) سجلت الآثار المصرية تدهوراً في الاقتصاد مما جعل بقايا المجموعة (أ) تسبب إزعاجا لحدود مصر الجنوبية في نهايات المملكة المصرية القديمة . كما أن اختفاء المجموعة (أ) حوالي 3000 ق.م ما زال يمثل غموض في تاريخ السودان القديم.
مع ذلك تم الكشف عن مخلفات في موقع بوهين تدل على أن مستوطنة صغيرة من المجموعة (أ) ظلت تعيش مع المصريين في منطقة بوهين، التي قامت في زمن الأسرة الرابعة والخامسة، حيث تم العثور على نماذج لفخار المجموعة (أ) مما أشار إلي استمرار ثقافة المجموعة (أ) وعلاقتها بمصر حتى زمن الأسرة الخامسة.
ذكرت مصر في التاريخ القديم باسم (كمت) والسودان باسم (نحسو) وقد أكدت أوراق البردي عن رحلات نظمها المصريون تجاه النوبة بعضها حملات حربية والبعض الآخر حملات تجارية مثال رحلات وني وحرخوف، ويعتبر موقعي بوهين وكوبان عبارة عن مستوطنات مسورة بتحصينات دفاعية من الطين اللبن وعثر فيها على الفخار الأحمر اللون بقايا الجدران من الطين اللبن والحجارة وقطع خام النحاس ومن أشهر الأواني الفخارية المصرية في مواقع النوبة السفلى والتي تؤكد العلاقة بين الثقافتين هي سلطانية ميدوم  للأسرة الرابعة والخامسة (2613 – 2345 ق.م) وهي قطعة فخارية عليها نقش الملك كاكاي (نفر اير كارع) ثالث ملوك الأسرة الخامسة  وعثر ايضاً على ثلاثة أفران استخدمت في تعدين النحاس، وذلك ما يؤكد التزامن الثقافي للمجموعات النوبية بعهد الأسرات المبكرة في مصر.
ويري آدمز أن ما تتحدث عنه نصوص الآثار المصرية ليست بالواقع في آثار النوبة ويرجع ذلك لترفيع المصريين    والمبالغة في سرد التاريخ كما أن المكتشفين الأوائل كانوا يجهلون أرض النوبة قليلة الشهرة ويبدو انه لم تنقطع علاقات المصريين بأرض النوبة خلال عصر المجموعة الثالثة ومثلت ذلك الرحلات التجارية كما ظهر النوبيون كجنود في الجيش المصري وكشفت بقايا القماش والمجوهرات عن علاقة  تجارية مع مصر ولربما توسعت إلى شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والصحراء الغربية لما وجد من تنوع في الثقافة المادية للمجموعة (ج) وعلى الرغم من تلك العلاقات التي كانت مزدهره بين الطرفين إلا أنها لم تؤثر على الإرث الثقافي النوبي المحلى.


الفترة الفاصلة بين المجموعة الأولى (أ) و المجموعة الثالثة (ج).(معايير رايزنر في تحديد
                                  المجموعة (ب) ودراسة سمث حولها                                              
أكدت معظم الدراسات إلي أن المجموعة (أ) قد اختفت عن الوجود في زمن تشير بقاياها الأثرية إلي أنه زمن نهوض ثقافي واستقرار اقتصادي لذلك رجح بعض الدارسين أمثال تريقر (Trigger) أن نهايتها كانت لأسباب حربية حيث تم العثور على مخطوطة من العاج تعود للملك عحا (Aha) من الأسرة الأولى تصور تدخل عسكري في منطقة (ستجاي) كما يشير نقش جبل الشيخ سليمان إلي هزيمة رجل نوبي في عهد الملك جر (Djer)، وفي الوقت نفسه يعتقد بعض الباحثين أمثال أمري وكيروان أن الغزو العسكري على المجموعة (أ) كان في عهد الأسرة الثانية ، أما الباحثين بروس ووليامس يقولون أن نقش جبل الشيخ سليمان قد فسر خطأ وأنه يصور انتصار لرجل نوبي ، وتصبح أسباب التغير المناخي وتوحيد مصر في العام 3200 ق.م هي ما أثرت على تجارة المجموعة (أ) وبالتالي صعب على سكانها التكيف مع الوضع الجديد.
 تعود معرفتنا عن الفترة المتأخرة من المجموعة (أ) من تلك المدافن الفقيرة التي عثر عليها رايزنر داخل جبانات المجموعة (أ) في الجبانة رقم (L) في قسطل واعتقد أنها طور ثقافي نوبي جديد وأطلق عليها المجموعة الثانية (ب) واعتمد في ذلك على التحليل المقارن، ويتحدث فيرث عن مميزات هذه المجموعة في ندرة الأواني الفخارية والعدد القليل الذي وجد منها هو ردئ الصنع ويختلف عن الفخار المصري ووجد طراز من الطوب السميك وان القبور التي نسبت للمجموعة (أ) خالية من الأثاث الجنائزي بينما ثلاثون منها اشتملت على بقايا حيوانية وبعضها ينتمي للمجموعة (أ) والأخر للمجموعة (ج).
سار اغلب الدارسين على نهج رايزنر ليسدوا الفراغ الثقافي بين المجموعة (أ) و (ج) وتشير الآثار المصرية إلى تدهور في المناخ النوبي ومركزية السلطة خلال تلك الفترة وأن الحملات المصرية قد اجتاحت الأراضي النوبية  دون أن تجد أي معارضة، كما تشير دلائل المناخ إلى تردي اقتصادي مما جعل النوبيين يهاجمون الحدود المصرية للنوبة السفلي، وقد جمعت الدراسات الاثارية في السودان أخيراً مثال دراسة سمث على أن هذا الطور الثقافي هو المجموعة الفقيرة من أصحاب المجموعة (أ) وأنهم ينحدرون من نفس العنصر البشري مع ظهور اهتمامهم الأكثر بالجنوب، وذلك عندما قام هذا الباحث (سمث) بدراسات انثربولوجية على العظام التي أكدت عدم الاختلاف في العنصر البشري الذي شكل هذه الثقافة بين المجموعة الأولى وتلك المدافن الفقيرة، حيث يعتقد أن المقابر التي أطلق عليها رايزنر مقابر المجموعة (ب) هي مقابر من الفترة المبكرة للمجموعة (أ) أو مقابر الفترة المتأخرة منها. كما يرى جونكر وآدمز بأن الاختلاف بين نوعي المدافن ليست سوى اختلاف ذي طابع اجتماعي –اقتصادي وتعاقب زمني حيث يرى آدمز عدم وجود فراغ استيطاني بين المجموعة (أ) و(ج) وذلك لوجود العديد من مواقع الأثرية في السودان التي توازي آثارها آثار المجموعة (أ) ولكنها متفرقة وبعض الدراسات ترى أن هذه المدافن هي عناصر من المجموعة (ج) الثالثة عاشت في ظروف سيئة. كما يرى نوردستروم أن هناك ثلاث احتمالات في اختفاء المجموعة (أ) الأول: حدوث هجرة لسكانها شمالاً وذابوا في المجموعات المصرية أو استقروا على الحدود وتركوا منطقتهم والثاني: حدثت هجرة تجاه الجنوب واندمجوا مع المجموعة (ج) والثالث: تحول سكان المجموعة (أ) إلي رعاة وبالتالي أصبحوا متجولين في الصحراء والوديان وتركوا مواقعهم القديمة.
وبشكل عام دحضت الآراء التي تنادي بوجود مجموعة ثقافية فاصلة بين المجموعة (أ) و (ج) وما هو إلا اضمحلال اقتصادي سببه المناخ والهجمات العدائية من مصر وظهور تطور ثقافي جديد إلى الجنوب من الأول أكثر تطورا واكبر حجما.




فترة ما قبل كرمة (4900 – 2600 ق.م)
الاكتشاف والتوريخ:
أجمعت الأبحاث الآثارية على أن منطقة السودان شهدت بذوق الثقافات والحضارات المبكرة في إفريقيا ، وكانت الدراسات في بداياتها تشير إلي الفترة التي سبقت كرمة بأنها فترة المجموعات النوبية ، وعندما توسعت الدراسات وتشعبت مناهجها تم التوصل إلي أن العصر النحاسي الذي خلف العصر الحجري الحديث ظهر في السودان بصورتين الأولى: هي المجموعة (أ) وكانت في منطقة النوبة السفلى والثانية: هي الثقافة التي أصطلح عليها بفترة ما قبل كرمة في منطقة النوبة العليا وهي الفترة التي عاصرت المجموعة (أ) خلال العصر النهائي وأستوطنت في منطقة كرمة وشمالها ، وقد تم الكشف عنها في العام 1986م من قبل شارلس بونية ونشر عنها في العام (Bonnet 1988) ومنذ ذلك التاريخ استخدم مصطلح ما قبل كرمة ليسد الفراغ الزمني ما بين بدايات الألف الرابع قبل الميلاد وحتى قيام حضارة كرمة في الألف الثاني قبل الميلاد ، وكتب عنها شارلس بونية وهونقر (Honegger) من خلال العثور على آثارها في الطبقات السفلى في موقع كرمة وعدد من المواقع من حولها.
وخلال موسم التنقيب السادس للبعثة الفرنسية تم الكشف عن مواقع أخرى لهذه الثقافة في منطقة جزيرة صاي وكتب عنها فرانسيس جيوس (Geus 1998) وجاك رينولد (Reinold 2001) في موقع كدركة وفي جزيرة أردوان وكتب عنها ديفيد ادوارد وعلى عثمان (Edwards and Osman 2000) كما ذكرتها أعمال نوردستروم.
وتم التوصل إلي أن هناك فخار للمجموعة (أ) شبيه بفخار ما قبل كرمة حول الشلال الثاني كشفته أعمال الباحث كاتو (Catto 2000).
واكتملت المعرفة بآثار ما قبل كرمة وتوزيع مواقعها جغرافياً حول اقليم من خلال أعمال البعثات الفرنسية ، كما كشفت أبحاث جمعية الآثار السودانية أثناء عملها الانقاذي في المشاريع المهددة بقيام سد مروي عن العديد من مواقع ما قبل كرمة حول الشلال الرابع وفي الوديان الغربية وأسفرت مسوحات بعض البعثات عن وجود آثار لفترة ما قبل كرمة حول وادي الخوي والصحراء الشرقية ومنطقة سد مروي.
تم تقسيم فترة ما قبل كرمة إلي ثلاث مراحل تطورية:
1-  المرحلة المبكرة: وهي الفترة التي ظهرت مع نهايات العصر الحجري الحديث خلال الفترة من (4700 – 4300 ق.م) وتزامنت هذه المرحلة مع مواقع المجموعة (أ) الموجودة في شمال السودان ومواقع العصر الحجري الحديث المتأخر في وسط السودان وأكثر ما ميز هذه المرحلة المبكرة طبيعة صناعة الفخار خصوصاً الفخار ذو الحافة السوداء.
2-  المرحلة المتوسطة: أرخ لها (3000 ق.م) وهي المرحلة المتطورة من المرحلة السابقة وجدت مواقعها حول منطقة كرمة نفسها في الجبانات وفي طبقات الاستيطان السفلى ، كما وجدت لها مواقع في جزيرة صاي وجزيرة أردوان.
3-  المرحلة المتأخرة: أرخت للفترة من (2900 – 2600 ق.م) ووجدت آثارها في كل من كرمة – فرص – صاي وواحة لقية وهي الفترة التي عملت مجموعاتها على نشؤ حضارة كرمة مع نهايات العصر النحاسي وبدايات العصر البرونزي وزامنت المجموعة (ج) الموجودة في النوبة السفلى.
إضافة إلي ذلك فقد ذكرت أعمال هونقر عدد من التواريخ الراديوكربونية لفترة ما قبل كرمة من خلال حفرياته في مدينة كرمة القديمة والجبانة الشرقية وحوالي أربعة مواقع شرقها وهي أربعة تواريخ تندرج في الأتي:
(Site 21 ETH )  4085       50  BP

(Site 22    LY)  4345        85  BP

(Site  1)            4365         55 BP  ____  4400         55 BP


أصل ثقافة ما قبل كرمة:
تؤكد معظم الدراسات أن أفق ثقافي شغل منطقة كرمة خلال منتصف الألف الرابع و امتدت مواقعه الأثرية في منطقة كرمة القديمة بالقرب من الشلال الثالث وحتى منطقة الشلال الثاني ، وتوسعت تلك المستوطنات جنوباً حول الشلال الرابع (منطقة سد مروي) مشكلة فترة زمنية ذات ثقافة مختلفة عن وصيفاتها في السودان القديم، وأن هذا الأفق قد غطى منطقة النوبة العليا في زمن مواز للمجموعة (أ) في النوبة السفلى ، ولهذا حاولت معظم الدراسات التعرف على هوية من شكلوا هذه الثقافة ومن أين جاءوا ؟
فيعتقد شارلس بونية وهونقر والكثير من الدارسين أن ثقافة ما قبل كرمة مستمدة من فترة العصر الحجري الحديث بمنطقة كرمة ولها علاقة وطيدة بمستوطنة موقع كدركة التابعة للعصر الحجري الحديث  ، وعليه أن فترة ما قبل كرمة هي ثقافة كونتها مجموعات العصر الحجري الحديث المتأخر في شمال السودان ، خصوصاً أن الأبحاث حول وادي الخوي قد كشفت عن ما يقارب (30) جبانة وعدد من مواقع الاستيطان حول نفس المنطقة التي وجدت بها مواقع للعصر الحجري الحديث وهذا ما يؤكد محلية هذه الثقافة.
وفي ذلك يتحدث الدارسون عن أن التطور والتعقيد الاجتماعي الذي أشارت إليه مقابر العصر الحجري الحديث في منطقة دنقلا والذي أرخ (3800 – 3000 ق. م) هو السبب المباشر في ظهور ثقافة ما قبل كرمة (3500 – 2500 ق.م ). وذلك بأن مجموعات العصر الحجري الحديث في منطقة دنقلا شهدت تطوراً ثقافياً وتنظيماً اجتماعياً ساعد على ظهور العصر النحاسي في النوبة العليا (ثقافة ما قبل كرمة) والذي بدوره ساعد على ظهور العصر البرونزي (حضارة كرمة) ، مما يعني أن هذا التطور الثقافي هو محلي من ناحية الثقافة والاستيطان على الرغم من التذبذبات المناخية التي طرأت على المنطقة في غضون تلك السنوات.

الانتشار الجغرافي لمواقع ما قبل كرمة:
كشفت الحفريات الآثارية عن عدد من المواقع الأثرية لفترة ما قبل كرمة من أهمها:
1-  الجبانة الرقية لموقع كرمة: عبارة عن حفر تخزين وآثار استيطان وجدت في طبقات أسفل مقابر فترة كرمة وعلى وجه الدقة وجدت حوالي 4 كلم شرق مجرى النيل في منطقة كرمة ، وكانت الآثار عبارة عن حفر تخزين وجدت معها بقايا منشآت خشبية على شكل أعمدة في شكل دائري تراوح قطر حفر الأعمدة ما بين (10 – 15) سم. كما وجدت حفر أكبر حجماً وأقل عدداً تراوح قطرها ما بين (20 – 40) سم ويرجح أنها كانت حفر (مطامير) داخل أكواخ وحولها وجدت آثار لمواقد النار مع الكثير من عظام الحيوانات وقطع الفخار والأدوات الحجرية ، وقد دلت هذه الآثار على وجود استيطان في هذا الموقع لفترة ما قبل كرمة. وتم الكشف عن عدد كبير من مواقع هذه الفترة موزعة بطريقة منتظمة ، حيث تم العثور على بقايا مباني في عدد من المواقع ، ويبدو أن هذه المباني كانت متجانسة فيما بينها ، كما توزعت حفر التخزين حول المساكن ووجدت حفر صغيرة يعتقد في أنها كانت آبار داخل المنزل ، وكشفت الدراسات أن هذه الأكواخ أعيد بنائها على ثلاث مرات وهذا دليل على طول فترة الاستيطان المستمر في الموقع ‘ وركز الدارسين على مستويات حفر الأعمدة كدليل على اختلاف زمن الاستيطان في الموقع الواحد.
وأثبتت الدراسات أن مواقع ما قبل كرمة الموجودة حول محيط كرمة شهدت مراحل من التطور والتعقيد في الاستيطان حتى الفترة (2400 ق.م) كانت سبب مباشر في ظهور حضارة كرمة ، حيث كان انحراف مجرى النهر عنه قليلاً هو السبب المأخوذ به في اختفاء هذا الموقع واستخدم في عهد كرمة جبانة للدفن.
2-  مواقع شرق كرمة: كشفت حفريات كرمة التي ما زالت مستمرة في منطقة كرمة عن العديد من مواقع فترة ما قبل كرمة شرق موقع كرمة نفسه ، وكانت عبارة عن بقايا قرى صغيرة الحجم وجدت في الطبقات السفلى لحضارة كرمة ، تتكون آثارها من حفر التخزين وقطع الفخار والرماد الذي يدل على وجود مواقد للنار ، أشهر هذه المواقع الموقعين (21) و (27) وتم توريخ هذه المواقع للفترة (2900 – 2500 ق.م ).
3-  مواقع اقليم دنقلا: تعتبر منطقة دنقلا ومحيطها من أكثر المواقع التي شهدت نهايات العصر الحجري الحديث والتطورات الثقافية التي شهدها السودان في هذه الفترة ، ويعتبر موقع كدركة خير دليل على ذلك ، فعندما أجرت الجمعية السودانية للبحث العلمي مسوحاتها الآثارية في هذه المنطقة كشفت عن ما يقارب (10) موقع أثري يعود لفترة ما قبل كرمة ، كان أكثر ما يميزها انتشار قطع الفخار على السطح وهو فخار شبيه بفخار كرمة ، مع عدد من الصناعات الحجرية الشبيه بصناعات العصر الحجري الحديث المتأخر. وتنوعت هذه المواقع في وضعيتها الجغرافية وحجمها وهي عبارة عن قرى زراعية – رعوية انتشرت حول ضفاف النيل وحول وادي الخوي مكونة نسيج ثقافي لفترة ما قبل كرمة في النوبة العليا وتمثل العصر النحاسي في النوبة العليا ، تماثلت هذه المواقع مع وصيفاتها في منطقة كرمة في العديد من الجوانب الثقافية مثل حفر التخزين وبقايا الأكواخ وصناعة الفخار ويبدو أن التطور الذي حدث لها كان سبب مباشر في ظهور العصر البرونزي في النوبة العليا ممثلاً في حضارة كرمة.
4-  مواقع الشلال الثالث: شهدت منطقة الشلال الثالث عدداً من المسوحات الأثرية في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم من ضمنها أعمال جامعة الخرطوم وكامبيرج (Edwards and Osman 2000) كانت نتيجتها الكشف عن العديد من مواقع ما قبل التاريخ ، من ضمنها (8) مواقع أثرية تعود لفترة ما قبل كرمة ، وجدت فيها آثار متنوعة دلت على أن هذه المواقع كانت أغلبها مواقع استيطان وهي موقع وادي فرجة – حيراب  - مشكيلة – شرق سمت وتاجاب. وأهمها موقع أردوان وهو عبارة عن جزيرة تعتبر ثاني أكبر جزيرة على النيل ، كشفت المسوحات فيها عن عدد من الكومات والمعالم الصخرية في أحدها وجدت حفر أعمدة كانت دليل على أن هذه الحفر مستخدمة مكان للتخزين ، كما تم العثور على فأس من النحاس مع بعض الأواني الفخارية التي وجدت موضوعة بالقرب من صخور يبدو أنها دلالة طقسية ، تماثل مواقع ما قبل كرمة في هذه الجزيرة مواقع العصر الحجري الحديث في كثير من الجوانب مثل الفخار والصناعات الحجرية ووضعية المواقع الجغرافية ، وانفردت ببعض سمات العصر النحاسي في النوبة العليا ولها صلات مع مواقع ما قبل كرمة في دنقلا.
5-  مواقع جزيرة صاي: أجرت البعثة الفرنسية عدد من المسوحات الأثرية والتنقيبات كشفت عن مواقع أثرية وجدت بها حفر تخزين وجدت داخلها العديد من الأواني الفخارية ، تم توريخ هذه المواقع (2700 ق.م) تتفاوت هذه الحفر في أحجامها بعضها عميقة لربما استخدمت في تخزين القمح ويبدو أن هذه الحفر كانت تسقف بأغصان من الأشجار وذلك لأنه وجدت حفر لأعمدة من حول حفر التخزين.
تعددت مواقع ما قبل كرمة في جزيرة صاي وحوت مخلفات لحيوانات قارضة وأدوات حجرية وشقف فخار حيث تم العثور في أحد الحفر على إناء فخاري مخروطي الشكل مع أختام صنعت من الطين وبجانب ذلك وجد بعض الفخار المصري ، وبهذا تصبح هناك مستوطنات لفترة ما قبل كرمة تميزت بالمزج ما بين مرتكزي الاقتصاد الزراعي والرعوي.
خارطة رقم (4) توضح أهم مواقع ثقافة ما قبل كرمة في النوبة العليا

      آثار السكن والمباني لثقافة ما قبل كرمة
تم الكشف عن نماذج كثيرة من آثار السكن لثقافة ما قبل كرمة تنوعت ما بين المباني والمنشآت والأدوات يمكن حصرها في سمات عامة لآثار ما قبل كرمة على النحو التالي:
 حفر التخزين: تم العثور على عدد كبير من الحفر الكبيرة والصغيرة في عدد من المواقع الأثرية وهي عبارة عن حفر دائرية الشكل ذلت تجويف عميق (مطامير) بعضها وجدت بداخلها جرار فخارية وهي دليل علة وجود اقتصاد يعتمد على الزراعة.
نموذج لحفر التخزين في مواقع فترة ما قبل كرمة شرق موقع كرمة
 الأكواخ: تم الكشف عن عدد كبير من حفر لأعمدة متراصفة في شكل كروي بعض الحفر كبيرة نوعاً ما والبعض الآخر صغيرة وهي عبارة عن مكان وضع الأخشاب وأغصان الأشجار التي شيدت بها أكواخ للسكن حيث بلغ عدد الأكواخ في موقع فترة ما قبل كرمة في الجبانة الشرقية حوالي (50) كوخ ، بلغ قطر الكوخ ما بين (4 – 5) متر وبعضها كبير الحجم وهذا يدل على أنه شيد كسكن لأشخاص مهمين أو مكان اجتماعات . وأثبتت الدراسات أن تلك الأكواخ كانت تشيد من الأغصان والحصير في شكل مخروطي شبيه بما هو موجود عند بعض القبائل حالياً في جنوب وشرق السودان.
الحفريات التي كشفت حفر الأكواخ وكثافتها في الجبانة الشرقية
1-  المباني المستطيلة: تم الكشف في بعض المواقع عن العديد من المباني السكنية ، حيث وجد مبنيين ذات أشكال مستطيلة الأول يتجه شرق – غرب والثاني شمال – جنوب وبالقرب من المبنيين وجد مبنى آخر لربما أعيد بنائه ثلاث مرات ، وتبلغ مساحة المباني الثلاث حوالي (6 x 4) متر ويبدو أنها مبنية بأعمدة خشبية ولربما كانت هذه المباني ذات وظيفة دينية أو ادارية. ومثل هذا النوع من المباني ظهرت خلال الفترة المتأخرة من ما قبل كرمة وهي شبيه ببعض القرى السكنية التي ظهرت خلال المجموعة (أ) في عنيبة.
2-  التحصينات: هذا النوع من المنشآت هو عبارة عن رصيف من الخشب والأغصان ، يوضع في سياج ليضم الأكواخ السكنية في داخله لو بوابة رئيسية أو بوابتين ، حيث وجد هذا النموذج في الجبانة الشرقية في الجزء الشمالي من الموقع ، وقد تم العثور على عدد كبير من حفر الأعمدة التي شغلت مساحة حوالي (1000) متر مربع ، بعضها في شكل دائري والبعض الآخر على شكل كروي وبينهما ممر واسع يبلغ (8) أمتار وهو عبارة عن مدخل لهذه المستوطنة ، وأثبتت عمليات الرسم الآثاري للأدلة الأثرية أن هذه المستوطنة كانت محاطة بحصن ، حيث وجدت العديد من القرى الزراعية شيدت على هذا الطراز في عدد من المواقع حول اقليم دنقلا وجزيرة صاي.
3-  السياجات: هي عبارة عن صفوف من أغصان الأشجار شبيه بالتحصينات ، بعضها استخدم كفواصل للمساكن الداخلية والبعض الآخر من حول المباني على شكل تحصينات وتوصل الباحث هونقر إلي أن بنائها عدة مرات مؤشر على أنها ذات وظيفة دفاعية ووجد منها نموذج خارج المنطقة السكنية بعرض (20) متر وطوله (25 – 30) متر وهو لربما كان حظيرة للحيوانات ، ووجد من هذا النوع نماذج فيما بينها وهو بالطبع هذا النوع من السياجات مع حفر التخزين دليل على وجود اقتصاد مختلط يعتمد على الزراعة والرعي.
4-  الأفران والمواقد: تم العثور على كميات من بقايا الرماد والعظام المحروقة داخل مباني دائرية عليها آثار الحريق في العديد من المواقع الأثرية ، ودائماً ما توجد هذه المباني بالقرب من حفر الأعمدة وفي بعض الأحيان توجد في وسط الكوخ وبعضها كبيرة الحجم وبها بقايا شقف فخار كثيرة مما يدل على وجود نشاط حرفي من انتاج الفخار ولربما انتاج الخمور أو القطران أو نشاطات حرفية صناعية بجانب الرعي والزراعة.
نموذج لهيكل الموقع السكني لفترة ما قبل كرمة في اقليم دنقلا
فخار فترة ما قبل كرمة
اتفقت الدراسات على أن فخار العصر النحاسي في المجموعة (أ) وفترة ما قبل كرمة ذو سمات تميزه خلطت ما بين سمات فخار العصر الحجري الحديث وفخار العصر البرونزي (المجموعة ج وكرمة) ، حيث وجد أغلب فخار فترة ما قبل كرمة في المقابر  وفي طبقات الموقع السكني بالمدينة القديمة وهو شبيه بفخار المجموعة (أ). تكمن هذه السمات في أن أشكال فخار ما قبل كرمة صنعت منه الصحون والسلطانيات الجمراء اللون ذات الحافة السوداء كذلك يشبه فخار المجموعة (أ) في الزخرفة المتموجة مع الصقل الجيد وهناك تشابه بين فخار الفترتين في صناعة فخار قشر بيض النعام الذي وجد لونه بيجي عليه خطوط حمراء.
كذلك وجدت في فخار ما قبل كرمة بعض السمات الشبيه بفخار حضارة كرمة مثل اللون الأحمر والفخار الناعم والفخار ذو الحافة السوداء حيث يعتبر فخار كرمة هو تطور لفخار فترة ما قبل كرمة ، فقط يتميز فخار ما قبل كرمة بأنه سهل الكسر بناء على مادة صنعه ودرجة الحرارة المنخفضة التي حرق بها ، وزخرف بالزخرفة المتموجة السطح (Rippled) وهي الأكثر ظهوراً وبعض الفخار الملون وسطحه منعم ومزين بصقل السطح بأحزمة من زخارف المشط (Comb) ، كذلك تميز فخار الفترة المتأخرة من ما قبل كرمة بأنه يحتوي على كثير من عناصر فخار كرمة وأكثرها ظهوراً زخرفة الطبعات الأفقية والأشكال الهندسية التي تعمل بواسطة العظام ووجد هذا النوع في عدد من المواقع الأثرية منها كرمة – صاي وصرص. ووجد تماثل واضح لفخار ما قبل كرمة مابي نكل اقليم وآخر وكانت هناك سمات مشتركة مع فخار المجموعة (أ) كدليل على التبادل التجاري ، كما شرح فخار فترة ما قبل كرمة تنوع الاقتصاد ومدى تطور المجتمع وظهور الحرف.
نماذج لفخار فترة ما قبل كرمة

مقابر فترة ما قبل كرمة
كانت المقابر أقل آثار فترة ما قبل كرمة ظهوراً وجد بعضها في المواقع السكنية والبعض الآخر حول منطقة كرمة والشلال الرابع ، حيث تم العثور على قبرين في الجبانة الشرقية لكرمة ووجد المتوفى على وضعية القرفصاء على الجانب الأيمن والرأس جهة الشرق ووجد الأثاث الجنائزي يتكون من لوح من الكوارتز ودبوس نحاس ومخرز من النحاس مربوط مع يد خشبية ومادة الملاجيت التي وجدت أسفل أدوات رحى ومشط وحجر مصقول وصحن من الحجر الرملي النوبي وهاون من عاج الفيل ، وتم توريخ هذه المقبرة إلي (3000 ق.م) وفي الجانب الآخر وجدت عدد من المقابر أسفل مقابر فترة كرمة الوسطى ، كما تم العثور على عدد من المقابر في موقع كدركة حيث وجد قبر يتكون من الخارج من كوم من الحصى وبداخله المتوفى يرقد على شكل منحني على الجانب الأيمن في اتجاه شرق – غرب ووجد معه أثاث جنائزي يتكون من فأس مصقول وملاعق من العاج وقطع فخار شبيه بفخار المجموعة (أ).
وبصورة عامة إن مقابر فترة ما قبل كرمة شبيه بمقابر المجموعة (أ) من ناحية شكل القبر ومحتوياته ويمكن حصر عادات الدفن عند أصحاب فترة ما قبل كرمة في الآتي:-
1-  ليست هناك شكل منتظم للبناء الفوقي للقبر.
2-  القبر من الداخل عبارة عن حفرة دائرية أو بيضاوية ذات عمق قرابة المتر يوضع فيها المتوفى ومن حوله الأثاث الجنائزي.
3-  يدفن المتوفى داخل القبر على الشكل القرفصائي في الغالب العام والجانبي نادراً.
4-  كثرة الأثاث الجنائزي يدل على وجود اعتقاد بحياة ما بعد الموت كما أن تنوعه يدل على وجود تنوع في النشاطات البشرية ولربم فوارق طبقية.


                  
تطورات الألف الثالث ق.م (عصر البرونز في النوبة السفلى) وظهور المجموعة الثالثة (ج)
    من المتفق عليه أن ما خلف العصر النحاسي في إفريقيا هو العصر البرونزي وهي عبارة عن تطورات من السابق ويمثل هذا الأفق الزمني في السودان ثقافة المجموعة (ج) وحضارة كرمة إذ تمركزت المجموعة (ج) في شمال السودان (النوبة السفلى) وكرمة جنوب الشلال الثالث (النوبة العليا). حيث تؤكد الأدلة المادية أن الجزء الشمالي من السودان قد شهد إذدهار ثقافي عندما أنحل النظام الملكي في مصر خلال الإلف الثالثه قبل الميلاد، نتيجة عودة السكان وتوفر الموارد البيئية ، أطلق على هذا الطور الثقافي المجموعة(ج) أي المجموعة الثالثة من المجموعات النوبية التي حددها رايزنر، حيث نظر إليها على أنها نوع من النهضة إثر الفقر الثقافي للمقابر التي أسماها المجموعة  (ب) وقد غطت هذه المجموعة حيزاً زمنياً طويلاً يمتد من الأسرة المصرية السادسة (2660-2200 ق.م) حتى الأسرة المصرية الثامنة (1290-1552 ق.م) وقد أرخت مقارنة على بعض الأواني الشبيهة بنظائرها المصرية والبضائع المستوردة وافترض رايزانر أنها تشكل حلقة لاحقه من تطور ثقافة الأطراف الشمالية للسودان القديم، وأثبتت الدراسات اللاحقة خصوصية ثقافتها بين المجموعات البشرية التي شغلت السودان القديم متكون من عدد من المشايخ منها واوات – ارتجاي وستجاي وهي تلك المناطق التي ذكرتها نقوشات الملك مر ينرع رابع ملوك الأسرة الخامسة حيث ذكر أنه التقى بزعماء تلك المشايخ، كما حددت المصادر المصرية مواقع تلك القبائل بأن واوات تقع في المنطقة الحدودية بين الحدود المصرية وحتى خور كورسكو وارتجاي تمتد من منطقة عمارا حتى منطقة توشكا في منطقة التقاء الطرق الصحراوية القادمة من مصر وستجاي تقع في المنطقة من توشكا حتى منطقة اشكيت جنوب الشلال الثاني وكانت هذة المشائج بمثابة محطات للقوافل التجارة المصرية ولها علاقات مع مصر وشكلت آثارها أضخم الجبانات في دكة وعنيبة وفرس حيث تؤكد المصادر المصرية أنه خلال فترة الاضمحلال الثانية والمملكة المصرية الوسطى أصبحت واوات تطلق على كل المنطقة الخصبة في النوبة السفلى وكانت في منطقة النوبة العليا مشيخة يام التي ذكرتها رحلات خرخوف عندما ذكر أن بها زعيم يأخذ الجزية أثناء مرور الرحلات التجارية بأرضة.
درست آثار تلك المشايخ بواسطة عدد من الدراسات مثل دراسات ديفيد أوكونر (O’connar) وأثبتت أنها مشايخ استوطنت خلال الألف عملت مع أصحاب المجموعة (ج) على تشكيل ثقافة سودانية لها علاقة مع الممالك المصرية وحضارة كرمة وهي بمثابة منطقة وسطى وبالتالي أصبحت المجموعة (ج) لها مميزات ثقافية تحدد مداها الجغرافي وتميز علاقاتها الخارجية والمحلية بثقافات وادي النيل وتعتبر من الحلقات الثقافية الهامة في التسلسل الثقافي للإنسان السوداني الماضي.
وقد تطورت في ثلاث مراحل تطورية (نتائج دراسات مانفريد بيتاك) (Man Fred Bietak):-
1-  الطور النوبي الأول 2300-1900 ق.م وينقسم إلي فترتين الأولى معاصرة للدولة المصرية القديمة والثانية تعاصر فترة الانتقال الأولى.
2-  الطور النوبي الثاني 1900-1600 ق.م يعاصر المملكة المصرية الوسطى.
3-   الطور النوبي الثالث 1600-1075 ق.م يعاصر فترة الانتقال الثانية.

أصل المجموعة (ج) :-
تعددت أراء الدراسات حول هوية أصحاب هذه المجموعة ، وأصبحت هناك عدد من النظريات فيرى مكتشفها رايزنر انهم عناصر جديدة وفدت عن طريق الهجرة للأطراف الشمالية من السودان ، وعلى الرغم من أن غالبية الباحثين اتفقوا مع رايزنر في أصل هذه المجموعة (ج) بدأ بعضهم يشك في مواضيع خاصة مثل الفخار وأنواع المدافن. وانحصرت في نظريتين لأصل المجموعة (ج)
1-  النظرية التطورية: - وتقول  أن هذه المجموعة تنشق جذورها من الثقافة الأقدم للمجموعة (أ) وأنها شكلت جماعات صغيرة من مستوطنات زراعية ورعوية ويستدل أصحاب هذه النظرية بمعطيات الثقافة المادية ذات الأصل المحلى، والتشابه في المدافن مع تطور في المفاهيم الجنائزية حيث لم ينسب هذا التطور لنفوذ أجنبي وكتبت الباحثة ( ماريا كوستانزادى) عن ذلك الأصل التطوري لأصحاب المجموعة (ج) .
2-  نظرية الهجرة : - وهى أن بعض الباحثين وجدوا عناصر جديده في ثقافة المجموعة (ج) ويفترضون أن هذه الظواهر الجديده جاءت إلى النوبة بفضل هجرة وافدة وفى ذلك يرى (فيرث) أن هذه الهجرة تحركت من الصحراء الشرقية أو نهر عطبرة وطابق سكان هذه المجموعة بالبجة سكان الصحراء الشرقية وافترض أنهم من ادخلوا حليب اللبن ويؤكد( جونكر) الأصل الشرقي لهذه المجموعة الثالثة .
- وينادي كل من (بيتس- إمري وكيروان) بالأصل الغربي لهذه المجموعة، وتحديداً الليبي نسبة العناصر المشتركة بين المجموعة (ج) ومجموعات شمال إفريقيا والتي تظهر في التنورات النسائية وأوضاع الدفن ورسومات الأبقار.
- أشار آركل إلى التشابهات بين المجموعة (ج) وثقافة خور أبوعنجة في أمدرمان ومصنوعات وادي هور في الفخار الأسود المزخرف وأفترض أن هناك سلسلة من الهجرات، إضافة إلى أن بعض الباحثين رأوا أنهم عنصراً قوقازياً من خلال الهياكل البشرية ويؤيدون ذلك بأن أصحاب هذه المجموعة لم تكن صفاتهم الثقافية مصرية، في حين أن سماتهم الوراثية غير أفريقية .
- يتحدث آدمز عن التماثل الثقافي بين المجموعتين والدفن في جبانات واحدة مع التحول في حرفة الرعي بإدخال البقر إلى الأراضي النوبية وانه على الرغم من الأيمان بمحلية هذه المجموعة إلا إن هناك عاملاً خارجياً ساهم في إذدهار الثقافة النوبية وعودة الاستيطان البشرى في النوبة السفلى. وبالتالي يشير إلى إن أصحاب المجموعة (ج) هم قوم غير الذين كونوا ثقافة المجموعة(أ) والعصر الحجري الحديث.

       المدى الجغرافي للمجموعة ( ج)
درجت الدراسات والتقنيات التي أجريت على  مقابر المجموعة ( ج ) فقسمتها إلى الطور النوبي المبكر والأوسط والمتأخر، وجاءت نتائج ذلك من مواقعها الأثرية التي وجدت من كبانية شمالاً وحتى عكشه جنوباً وتم العثور في هذه المساحة الجغرافية على عدد من الجبانات منها الجبانة رقم(78) في (عكشه) والجبانة رقم (101) و(103) في الدكة والجبانة رقم (118) في فركه وفى عينيه وفرص.
تميزت مواقع استيطان الطور الأول بأنها غير دائمة لأن سكان المجموعة (ج) في هذا الوقت كانوا متنقلين ويميز هذه الفترة مواقع وادي السبوعة  - سياله – دكة – فرص وعنيبة.
وتميزت مواقع الطور الثاني بتشييد المنازل من الطوب اللبن حيث شهدت الفترة نمؤ سكاني وكانت مواقع الاستيطان على نوعين مواقع ذات مباني دائرية الشكل وأخرى مستطيلة وبعضها بها خيام وحظائر حيث عثر الأسكندر لانقسدروف على انتشار لبقايا مباني لهذه المجموعة في موقع عينيه. كشف سافار سور برج( البعثة الأسكندنافية المشتركة في النوبة السودانية ) عن عدد من بقايا المنازل في وادي السبوع التي شيدت من الطوب والألواح الحجرية كما وجدت عدد من المنازل المبنية من الصخور على شكل دائري في سيالة مع حوائط كزرايب للحيوانات، وأضافت تنقيبات بعثة إكلى-ب-كوكس مجموعة من المساكن في موقع عمارا.
وفي العام 1907 م اكتشفت بعثة جامعة بنسلفانيا مواقع سكنية في عنيبة وعمارا وجبانات في فرص، وقد نقب الباحث النمساوي جونكر 1920 م عدداً من الجبانات في الكبانية شمال وتلى ذلك حفريات داوس دونهام وأوريك بيتس 1927 م  في جمي وأغلب مواقع المجموعة تقع إلي الشمال من الشلال الثاني وبناءً على الحفريات التي أجريت في كرمة من قبل رايزنر 1916 م والبعثة السويسرية بقيادة شارلس بونيه تم العثور على بعض بقايا المجموعة (ج) حول منطقة كرمة، وقد كشفت حملة انقاذ آثار النوبة الثالثة 1965 عدداً من الجبانات في صرص شرق وصرص غرب  والمنطقة حول بطن الحجر يعتبرها الآثاريون أنها احتوت ثقافة مشابهة لثقافة المجموعة (ج) لكنها ثقافة منفصلة عنها ويعلبرونها صورة معدلة من ثقافة المجموعة (أ) لكنها لم تتمكن من التطور لتلحق بحضارة المجموعة (ج) في الشمال أو حضارة كرمة إلي الجنوب منها. 
وكشفت الدراسات أن الطور النوبي الثالث لثقافة المجموعة (ج) شهد تمكن حضارة كرمة من السيطرة على منطقة النوبة السفلى مما جعل سكان المجموعة (ج) يختلطون بسكان كرمة حيث وجدت مقابر لفترة كرمة الوسطى مع مقابر المجموعة (ج) في كل من أشكيت ومرقسة وعمل أهل كرمة على تعيين حكام من أصحاب المجموعة (ج) على بعض المناطق في النوبة السفلى .
واكتشف انتشار لمواقع هذه المجموعة جنوباً حول موقع كرمة وبعض الدلائل الأثرية لها في النوبة العليا ونهر عطبرة وجنوب الخرطوم ولكنها ثمة مؤشرات وجدت أغلبها في مواقع العصر الحجري الحديث ومواقع كرمة.
خارطة رقم (5) الانتشار الجغرافي لمواقع المجموعة (ج)
المادة الثقافية للمجموعة ( ج )
         تشير كل الأبحاث إلى تطور أصحاب هذه المجموعة في المحتوى الثقافي وقد ظهر في الطور الأول الفخار الأحمر ذو الحافة السوداء المصقول من الداخل والخارج والشبيه بفخار المجموعة (أ) وكانت الأواني الفخارية عريضة وقليلة العمق ومزخرفة بخطوط متوازية أو في شكل مربعات وحوافها مزخرفة بخطوط مموجة أو على شكل مثلثات وظهر الفخار الأسود اللامع برسوم هندسية غائرة، الذي يماثل فخار المملكة المصرية القديمة إبان مرحلتها الأخيرة في مصر، ويبدو وجه الشبه بين فخار هذه المجموعة والمجموعة السابقة كثيراً عدا الاختلاف في جودة التصنيع والزخارف ويشابه فخار كرمه الأحمر ذو الحافة السوداء ( Red black topped Ware ) وبعض الأواني المصرية المستوردة وتميز فخار الطور الثالث بشكل الحافة الكروي وزخرفة الخطوط المموجة مع الزخرفة ذات الطبعات الحمراء والصفراء.
 أميز أشكال فخار المجموعة (ج) هي السلطانيات بمختلف أحجامها والجرار ذات الرقبة والجرار الكبيرة والقلل والبرام والكاسات، وتركزت ألوان الفخار على اللونين الأحمر والأسود واستخدم اللون الأبيض لأغراض الزخرفة، ووجدت بعض الأواني ذات اللون الأحمر من الخارج والأسود اللامع من الداخل واشتهرت هذه المجموعة بفخارها الأسود ذو الزخارف الهندسية المحززة البيضاء، كما وجدت الأواني المصرية المصنوعة بالعجلة في بعض القبور.  
كذلك عثرت البعثات الأثرية على بقايا مصنوعات جلدية في المقابر حيث عثر على كميات كبيرة من جلود الأبقار التي كانت تستعمل كغطاء للميت ووجدت آثار الملابس في شكل مآزر وتنورات وطواقي وصنادل وصنادل وبعض الملابس ملونة بالمغرة الحمراء ومزينة بالخرز حيث وجد أن الرجال يلبسون إزاراً إلى الركبة وصنادل وقبعة من القماش.
ووجدت المصنوعات النحاسية والبرونزية منها القدوم – الفؤوس – الملاقط – المرايا حيث وجد في مقبرة عنيبة حوالي (29) مرايا وكانت توضع مقابلة لرأس المتوفى وبعض المرايا ذات أيدي خشبية وملفوفة بالكتان – ووجدت خناجر من البرونز حيث كانت المرايا أكثر وجوداً في مقابر النساء والأطفال والخناجر في مقابر الرجال. ووجدت حلى مصنوعة من الصدف والعظم والحجر وكانت أدوات الزينة مصنوعة الفضة والنحاس والبرونز والذهب حيث وجدت الأساور والخرز المصنوع من الفيانس وبيض النعام والعقيق الأحمر ووجد حلق الأذن وأصباغ تستعمل في تزيين الشعر والكحل كما وجدت أدلة للمغرة الحمراء والملاجيت وزيوت عطرية ودهون تجميلية.
 وصنعوا أهل المجموعة (ج) التماثيل الطينية البشرية (النسائية) والحيوانية من الفخار حيث ظهرت على التماثيل النسائية نقوشات على الانف والصدر والبطن والفخذ ونقوش متعرجة على الوسط ويصور التمثال في شكل أنثى جالسة حيث يعتقد الدارسين أن هذه النقوشات دليل على مواضع زينة النساء في المجموعة (ج) وأكد ذلك العثور على نقوشات على جسد امرأة في موقع كوبان مما أظهر تطور اجتماعى وأيديولوجى لأصحاب هذه المجموعة.
أشكال من الطين المحروق – صناعات المجموعة (ج)

أما المستوطنات السكنية يصفها تريقر بأنها قرى مفتوحة أو معسكرات بها آثار لأسوار من الحجر وهى شبيه بالاستيطان في قرى دائمة. وقد عثر في عنيبه على نماذج من الخيام الدائرية قطر الواحده (4-5) متر ويتوسط كل كوخ عمود ومكان لإيقاد النار ويحيط بالكوخ سلسله من الأعمدة في سياج  ووجدت بداخلها بقايا لجلود أبقار يعتقد في انها كانت تسقف بها تلك الأكواخ.
كما وجدت في نفس الموقع نماذج لمساكن سفليه بنيت بألواح من الحجر والطين بلغ (17 متر) في الطول واحتوت على سبعه أو ثمانية غرف وفناءات. ووجدت بين كل منزل والآخر مطامير وأعمده لربط الحيوانات.
ويضم موقع عينيه نموذجاً ثالثاً من المنازل وهى غرف صغيرة مستطيله الشكل من الطوب اللبن. وهناك بعض المباني شبيهه بمخازن الغلال المصرية أستخدم فيها الطوب بدلاً من الألواح الحجرية.
أضافه إلى ذلك وجد نوعين من القرى المسورة ( المحصنة ) في وادي السبوع وتتكون هذه القرى من حوالي 100 منزل حوائطها من الصخور الرملية بلغ سمكها متر وارتفاعها مترين وتتخللها أبواب تفتح على النيل وهو طراز شبيه بالمستوى الثاني من منازل عنيبه وتوجد غرف وأبراج مراقبه في السور الخارجي بلغت ( 32) برج ، وتلك التي عثر عليها في موقع عماره محاطة بسور ومنازلها غير منتظمة واستخدمت فيها فواصل كمونة (Mortar)  بين الطوب.
رسم لطبيعة القرى المحصنة في وادي السبوعة يعود لنهايات المجموعة (ج)
      
 الاقتصاد والمجتمع  : -
    تشير محتويات المقابر للمجموعة الثالثة على أن المجتمع كان مجتمعاً متطوراً عرفت فيه عدد من الحرف وبلغ مرحله من التعقيد أكثر من مجتمع المجموعة الأولى ، إذ ظهرت هنا الصفوة والزعامة وهى بمثابة عشائر كان لها حكام وسلطة مركزية وقد وضعت فيه خصوصيات للجنس والنوع والمكانة الاجتماعية وأعتمد اقتصادهم على رعى الأبقار وكانت عندهم كمرتكز اقتصادي يظهر ذلك في أيدولوجيتهم العقائدية من تماثيل الأبقار الفخارية كما وجدت عظام الحيوانات المستأنثة في أغلب المواقع الاستيطانية وأجريت دراسة على العظام التي وجدت في موقع سيالة ووضحت أنها عظام ماعز وخراف وأبقار كما دلت على الرعي رسومات الأبقار على الفخار مثل نقش لرجل يحمل قوس وأمامه قطيع من الأبقار وسم آخر لرجل يذبح حيوان ووجدت بعض الأقراص الطينية التي تستخدم في غزل صوف الحيوانات، حيث لم يجد الباحث ( إمري ) أي مؤشرات لاستخدام الزراعة فقط قليل من الأدلة المتمثلة في أدوات الرحي ومخازن الحبوب وأطلق عليهم رعاة الأبقار وقارن آدمز مدى ارتباط أصحاب المجموعة (ج) في رعى الأبقار بقبائل الشلك في جنوب السودان حيث وجد مماثله واضحة في أن الأبقار تمثل مصدر العيش وذات طقوس عقائديه دنيويه ودينيه وتحدث عن أنهم لم يكونوا ملاكاً للأبقار بل تطلعوا لان يكونوا أصحاب ثروة من البقر وظهر ذلك في  رسومات الأبقار التي وجدت من كبانيه وحتى الشلال الثالث منتشرة على الصخور والجبال. وتشير ورديات حرخوف ووني إلي أن المجتمع في المجموعة (ج) هو مجتمع قبلي، حيث ذكر أسماء لعدد من القبائل منها واوات وإرتجاي وستجاي ويام.
 وقد جاءت دراسات ويليامز وأكونر مستبعده استخدام بعض المصطلحات السابقة من دوله أو مملكة وحبذت استخدام مستوطنة ووصفوها بأنها مشيخات قطنت اقليم دنقلا وعبري والنوبة السفلى، ولا يخفى ما لهؤلاء من نشاطات أخرى مثل الزراعة التي كانت نشاط ثانوي بجانب رعى الأبقار إلا انهم نظروا للماشية باعتبارها رمزاً لثروتهم، كما كان الصيد من المرتكزات الاقتصادية حيث وجدت بعض العظام في مدافنهم وقد كشف تقرير علمي عن توزيع العظام فى مدافن المجموعة الثالثة والذي بلغ 6% أبقار و40% ماعز وضان  و54 % غزال يعود تاريخ هذه المقبرة للعام 1600 ق.م.
     

المقابر والعادات الجنائزية:-
يلاحظ أن هناك تشابه بين مقابر هذه المجموعة والمجموعة الأولى غير أن الاختلاف يظهر في وجود ممرات رأسيه بسيطة ، بيضاويه أو مستطيله بأركان مستدريه في مقابر المجموعة الثالثة وتغير اتجاه وضع المتوفى بصوره أساسيه ويصف فرانسيس جيوس (Francies Geus ( ذلك الاختلاف بأن الفترة الأولى من المجموعة (ج) تحولت الحفرة التي كانت دائرية أو ذات شكل مستطيل أصبحت مستطيله مع ألواح حجرية وهي أقدم القبور التي تشابه مقابر المجموعة الأولى في الممر الجانبي وصغر حجم البناء العلوي ، وخلال الفترة الثانية توسعت الحفرة لتتحول إلي غرفه من الطوب غير المحروق مغطاة بمباني من الحجارة الدائرية التي ملئت بالحصى وبلغ قطرها ما بين (3,2) – (16) متر ، ويوضع المتوفى على جانبه في وضع مكرفس والرأس الي الشرق وتوضع حوله الأواني الفخارية والقرابين وأعتبرها الباحثين مرحله تطور في مقابر المجموعة (ج) حيث دلت الاسلحه التي وجدت في مقابرهم على أنهم عشيرة عاشت فتره من الصراع مع جنوب مصر في  شكل حملات نهب وليست مواجهات منظمه وفي الفترة الثالثة شيد مكان من الطوب غير المحروق لوضع القرابين في الجزء الشمالي للقبر.
وبشكل عام توصف العادات الجنائزية للمجموعة (ج) بأنه كان المتوفى يوضع في شكل مكرفس في حفره بيضاويه من الشرق الي الغرب والرأس في الشرق ويتجه المتوفى الي الشمال ووضعت القرابين من حوله والتي اشتملت على حلي من العقود والأساور وبقايا ملابس من الجلود والأواني الفخارية والعاجية والصدف وعقود من العظام والفينس ومرايا من البرونز والأسلحة البرونزية ، وعادة يوضع الفخار خارج الجزء التحتي من القبر في الشرق أو في الجزء الشمالي الشرقي ووجدت في مقابر الفترة المتأخرة قرون الأبقار وغطي الجسد بغطاء من الجلد وزين بالخرز مع الصندل في بعض الأحيان وتشير الدراسات الي العثور على دفنات على العنقريب والتضحية بالحيوان كما وجدت مقابر خاصة ببعض الحيوانات مثل الكلاب والكباش دفنت بعناية خاصة وفي بعض الحالات مع أصحابها كنوع من التقديس . وقد آثار وجود غرف جنائزية في المجموعة (ج) الكثير من التساؤلات حول هذه السمة الثقافية، ويعتقد الباحثين في أنها غرف جنائزية بنيت أساساً لتوضع بها محتويات المتوفى، تلك التي كانت في السابق تترك بجانب البناء الفوقي، ويعتقد (شتايندورف 1935) بأنها من تأثير مصري وزعم بأنها تقليد لغرف الطقوس المقامة بداخلها اهرامات المملكة المصرية الوسطى واهرامات الهكسوس، ويعتقد جونكر أنها تشبه غرف حضارة كرمة الجنائزية من خلال عادة استخدام الدفن على العنقريب، ودفن قرون الأبقار وجماجمها والتي كانت تلون وتزخرف على شكل نقاط وأشكال هندسية، وقد قسم الباحثين اختلاف عادات الدفن داخل مقابر المجموعة (ج) إلي مراحل تطورية:
1-  كانت عادة الدفن في أبسط صورها إذ كان القبر يتكون من جزئين: بناء فوقي (superstructure) وبناء تحتي (substructure). البناء الفوقي كان عبارة عن شكل دائري مشيد من الحجارة من الخارج والحصباء من الداخل التي ملئت بها هيكل القبر ولا يزيد ارتفاع القبر في هذه المرحلة عن المترين، والبناء التحتي يتكون من حفرة صغيرة لاحتواء المتوفى ولم يكن له اتجاه معين بعضها شرق – غرب والبعض الآخر شمال – جنوب ووضعت الجثة على شكل قرفصائي تام أو شبه تام وذلك بعد أن تلف في كفن من القماش أو من الجلد أو من الحصير، والقاعدة العامة أن كل قبر لشخص واحد ووجدت بعض الحالات النادرة لقبر يحتوي على رجل وامرأة وآخر به امرأة وطفل.
2-  ظهرت في المرحلة الثانية والتي زامنت عهد الأسرة المصرية 12 استمرار في كل العادات السابقة بجانب الزيادة في حجم البناء الفوقي ومتانة البناء، وشهد البناء التحتي تطوراً بتحول الحفرة البسيطة إلي غرفة بنيت في البداية من حجر رملي وطوب لبن ثم ساد الطوب اللبن واتخذت هذه الغرف سقوفاً من النوع المعروف بالسقف المقنطر (Vaulted roof) ووجدت بعض المقابر ذات الألواح الحجرية المنتصبة على الأطراف الخارجية.
 ادخلت في هذه المرحلة عادة الدفن المنبسط على الظهر أو على الجانب مع ملاحظة أن الأطفال كانوا يطرحون على بطونهم، وبنيت غرف مستطيلة الشكل الحقت بالقبور الكبيرة، ووجدت أبعاد هذه الغرف في عنيبة (2,5 – 1,5 m وشيدت على الحائط الشرقي للبناء الفوقي ووجدت لها أبواب ونوافذ مع عدم العثور على بقايا للسقوف.
رسم يوضح أنواع المقابر وتطور الدفن عند المجموعة (ج)
                         


علاقة المجموعة (ج) بمصر:
اتصفت علاقة المجموعة (ج) مع مصر في بداياتها بالعدائية حيث يفسر حجر بالريمو خلا الطور النوبي الأول الذي تزامن مع حكم الملك سنفرو أول ملوك الأسرة الرابعة والذي أرسل حملة على النوبة أسر بها حوالي (700) رجل و(200) ألف رأس من الماشية مع أن بعض الدارسون يشيرون إلي أن هذا العدد فيه نوع من المبالغة واللغو ، كما تشير المصادر المصرية إلي أن المصريون خلال الأسرة الرابعة قاموا ببناء حصن بوهين لاستخراج النحاس وقطع الصخور من جبل العاصر ونقلوها بالنيل عبر توشكا لصناعة التماثيل. انتهى الوجود المصري في منطقة النوبة خلال الأسرة الخامسة عندما هجر موقع بوهين وتظهر النقوش المصرية أنهم استعانوا بأصحاب المجموعة (ج) في قطع الصخور كما جندوهم حيث تشير الأدلة الأثرية أن بنهاية المملكة المصرية القديمة كان الجيش أغلبة من أهل المجموعة (ج) ، حيث تظهر جبانة ابيدوس رسم لرجل نوبي يحمل قوس وبجواره زوجته المصرية ، إضافة إلي ذلك يصور قبر الرحالة خرخوف أدلة على وجود تبادل تجاري وقوافل تجارية بين السودان ومصر في ذلك الزمن حيث يذكر أنه جلب الحيوانات والبخور والعاج والزيوت والأبنوس من بلاد يام وقد سادت العلاقات السلمية حتى حكم الملك ببي الثاني حيث أصبحت عدائية ، أما في الطور النوبي الثالث فكانت مصر تشهد فترة الانتقال الأولى فهنا العلاقات يشيبها الغموض ويبدو أن المجموعة ذادت توسعاً شمالاً وكانت علاقتها أكثر بكرمة التي بدأت تظهر في الجنوب.
وتشير الأدلة الأثرية إلي أن الطور النوبي الثاني من زمن المجموعة (ج) هي الفترة التي قام فيها المصريون بحملات عسكرية تجاه النوبة السفلى حيث قام ملوك المملكة المصرية الوسطى منهم امنمحات الأول ملك الأسرة الثانية عشر وسنوسرت بحملات على أرض واوات وتمكن من استعادة حصن بوهين في العام 1938 قبل الميلاد ، ووضع لوحة الحدود في سمنة. وعليه أصبحت المملكة المصرية الوسطى أكثر سيطرة على بلاد كوش القديمة وأنشأت عدد من الحصون حول الشلال الثاني مثل حصن كوبان لصهر النحاس وحصن أريكا – عنيبة – فرص – سرة ومن ثم توسع سنوسرت الثالث جنوب الشلال الثاني وقام ببناء حصن سمنة وارونارتي لمراقبة التجارة عبر الصحراء وتعدين الذهب حول مناطق وادي العلاقي واستمرت هذه السيطرة المصرية حتى الأسرة الثالثة عشر وبذلك فقدت مصر السيطرة على بلاد النوبة واذدهرت حضارة كرمة وتمددت في مناطق النوبة السفلى وذابت مجموعات المجموعة (ج) في مجموعات كرمة التي قطنت النوبة السفلى ، كما أن بعض الدراسات تشير إلي أنهم توزعوا حول الصحراء الشرقية والغربية وحول الوديان ومارسوا الرعي حتى ظهرت الغزوات المصرية مرة أخرى في فترة المملكة المصرية الحديثة التي أدت لنهاية العصر البرونزي في السودان بنهاية المجموعة (ج) من منطقة النوبة السفلى ومن ثم أنهكت غزواتها حضارة كرمة وامتد زحفها حتى منطقة كركس بالقرب من الشلال الخامس.

علاقة المجموعات النوبية ببعض المجموعات الثقافية التي سبقت كرمة
   تتعارض دراسات الباحثين في تحديد علاقة المجموعات النوبية (أ و ج) مع بعض الثقافات النوبية ومنها ثقافة ما يسمى البان- قريف حيث تحدث شتايندورف عن أن هذه الثقافة تمثل المرحلة المتأخرة من ثقافة المجموعة (ج) وأعتبرها إمري تابعة لكرمة وقد تم اكتشاف هذه الثقافة في العام 1901 م من قبل الباحث فلندر بتري جنوب مصر ومن ثم اكتشف حول الشلال الأول والثاني والصحراء وقصد الباحث باسم البان قريف (Pan-Grave) المقابر ذات الشكل الدائري والمفلطحة وكان يقصد بها المقابر غير المصرية ويتكون القبر في هذه الثقافة من حفرة دائرية فطحاء، يوضع المتوفى على الدفن القرفصائي على جانبه الأيمن ويتجه نحو الغرب، وقد كشف الباحث بيتاك شكلان من الدفن لهذه الثقافة في موقع سيالة (شمال - جنوب وشرق – غرب) وغطي سطح القبر بكومة من الحصى تحيط بها دائرة من الحجارة أو من الطوب اللبن، وقد وجد الأثاث الجنائزي للمتوفي من الفخار والحلى والصدف وبيض النعام وأسلحة من الفؤوس والخناجر البرونزية ذات الأصل المصري ودفن جماجم بعض الحيوانات .
يتميز فخار ثقافة البان-قريف بنوعين: الأول السلطانيات الحمراء أو البنية ذات الحواف السوداء ويماثل فخار المجموعات النوبية (أوج) وكرمة، والثاني سلطانيات ذات أسطح غير مصقولة وزخرفت بخطوط مائلة وبعضها غير مزخرف. وقد وجدت هذه الثقافة بثلاث مناطق رئيسية هي جنوب مصر والنوبة السفلى بالقرب من كوبان ومرقسة وسرة شرق ووجدت مقابرها مختلطة بمقابر المجموعة (ج)  وكرمة في وادي السبوعة وسيالة. ووجدت على أطراف الصحراء الشرقية في مصب وادي العلاقي وقد عثر على فخار البان قريف حول منطقة كسلا ولهذا لم تنحصر هذه الثقافة في اقليم محدد ولذلك اعتبر الباحثين أن شعب البان- قريف هم شعب عسكريين يعملون في خدمة الحكومة المصرية منذ نهاية الدولة الوسطى وحتي بداية الدولة المصرية الحديثة. ويتفق على توريخها بالفترة من (2000 – 1500 ق.م ) ويتحدث كيروان اعتماداً على دراسة الهياكل البشرية عن أن أصحاب ثقافة البان-قريف ينتمون إلي جنس زنجي ويعتقد أنهم هجرة من المنطقة الواقعة إلي الجنوب من كرمة ويتفق معه إمري في فكرة الأصل بينما يعتقد أنهم يمثلون شعب ينتمون إلي حضارة كرمة عملوا في خدمة الأسرة 17 المصرية. وتشير أغلب الدراسات الأخيرة إلي المنطقة الأصلية لأصحاب البان-قريف هي البحر الأحمر وهي المنطقة التي تقطنها حالياً قبائل البجة كما يؤكد ذلك التصوير لمحارب من البان-قريف ولون جسمه باللون الأسود التي عثر عليها في مقبرة جنوب مصر.
ويبدو أن الشبه بين ثقافة البان-قريف والمجموعة (ج) وحضارة كرمة يظهر في الأواني البنية ذات الحواف السوداء، وهناك بعض العناصر المشتركة مثل عادة دفن الأسلحة مع المتوفى، وطبيعة الموقع الأثري من وجود جبانة الدفن بالقرب من موقع السكن، ويغيب فخار كرمة المميز لها في ثقافة البان-قريف، ويظهر الاختلاف بين هذه الثقافات في حجم القبر وشكله، ويبدو أن عادة دفن جماجم الأبقار والماعز والدفن القرفصائي سمة مميزة لثقافات البان-قريف والمجموعة (ج) ويظهر تماثل وتشابه ثقافة البان-جريف مع ثقافة مجموعة مكرام في كسلا التي كشفت عنها حفريات فاتوفيتش 1987 م من خلال زخرف الفخار ومعالجة السطح، خصوصاً الزخرفة على شكل الشبكة (Net-pattern) وزخرفة التخديد (Groov-Carved) وزخرفة اللون الأحمر بالحواف السوداء (Red- slipped Black- Mouthed plain ware) وعلى الرغم من تشابة الثقافتين في شكل الفخار إلا أن ثقافة البان-قريف انفردت بظهور الجرار والأطباق، ويغيب عن مجموعة مكرام تلك الإنماط الفخارية في ثقافة البان-قريف التي تماثل الفخار المصري، وتختلف الثقافتين في التوريخ حيث أرخت البان-قريف ما بين العام 2000  - 1500 ق.م  وأرخت مجموعة مكرام 1350 ق.م،  وقد اقترح الباحث كريم صدر 1987م أن الثقافتين ينتميان لشعب واحد عرف في المصادر المصرية القديمة باسم المدجاي فقط إن البان-قريف مجموعة ذات تأثير كبير بالثقافة المصرية، ويستدل كريم صدر باتساع الرقعة الجغرافية التي تنتشر فيها مجموعات المدجاي في الصحراء الشرقية بين البحر الأحمر ونهر عطبرة وتعدد أنشطتهم الاقتصادية بين الرعي والزراعة والتعدين، ويشير إلي أن الفارق الزمني بين هذه الثقافات يفسر وجود هجرات لقبائل المدجاي النيلية من البان-جريف النيلية إلي الشرق ومنطقة كسلا. كما أكدت بعض الوثائق المصرية مثال مخطوطة (وني) والدراسات الآثارية مثال دراسات (سميذر 1945م وبيتاك 1986م وتريقر 1966م و1983م) بظهور عدد من المجموعات والثقافات النوبية منها الستجاي والمدجاي وواوات وكوش ويام وبولاق وهي عبارة عن مستوطنات شغلت حيزاً زمنياً واسعاً وانتشرت من البحر الأحمر حتي النوبة السفلي وأواسط السودان.
   

           علاقة آثار ما قبل كرمة بآثار العصر الحجري الحديث – ثقافة عبكة
   يبدو واضحاً من خلال التسلسل الزمني للثقافة في السودان  القديم ، أن المجموعات النوبية  قد خلفت أهم فترات العصور الحجرية وهى فترة العصر الحجري الحديث ، والتي أثرت عليها تأثيراً جعل بعض الباحثين يقولون أن المجموعة النوبية الأولي هي امتداد ثقافي وهجرة لمجموعات العصر الحجري الحديث ، إستناداً على التماثل الثقافي الذي أظهرته صناعة الفخار والأدوات الحجرية والتماثيل النسائية ، وإذا ما تمت  مقارنة عدد مواقع المجموعة (أ) بمواقع العصر الحجري الحديث في النوبة السفلي نجد أن مواقع المجموعة (أ) تفوق وصيفاتها ، مما يشر إلى زيادة في عدد السكان وأصبح هناك استقرار أكثر وقد أورد الباحث الراحل أسامه عبد الرحمن النور من خلال التماثل الثقافي بين المجموعة (أ) والعصر الحجري الحديث خصوصاً في أداة الشفة (Lip-plug) والفخار أورد قوله { أن ثقافة المجموعة الأولى شكلت نتاجاً مرتبطاً بثقافة الشهيناب النيوليثية  البعيدة إلى الجنوب وليست هناك اختلاف بين الثقافتين سوى تنوع إقليم وزمني } واستدل على هذا  الرأي بنتائج الدراسات التي جاءت بأنه كلما وجدت مواقع المجموعة (أ) باتجاه الجنوب قلت التأثيرات المصرية  وازدادت أوجه الشبه مع نمط ثقافة السودان الأوسط .  
تم العثور حول منطقة الشلال الثالث و قطاع دنقلا على دلائل بدايات عصر المجموعة الأولى و نهايات العصر الحجري الحديث وهو ثقافة عبكه حيث وجدت عدد من الأواني الفخارية في ثقافة المجموعة (أ) مشتقة من ثقافة عبكه وهي جرار لها سطح خارجي مصقول وحافة سوداء لامعة ، ويري بعض الباحثين أن هناك علاقة ثقافية تطورية  بين ثقافة عبكه وبدايات المجموعة (أ) وماقبل كرمة خصوصاً حول منطقة بطن الحجر حيث بلغت مقابر المجموعة (أ) في هذا الجزء حوالي (3000) قبر وبلغت مقابر العصر الحجري الحديث حوالي (1000) قبر وقد وجدت الأواني البرونزية حول قطاع دنقلا في مقابر فترة ما قبل كرمة وفي واحة اللقية في الغرب، وفي الوجه الآخر يري آخرون أنه على الرغم من تنوع معدات الحياة اليومية في المجموعات النوبية لكنها لم تكن بالمستوي الرفيع مقارنه بالعصر الحجري الحديث.
ويبدو أوجه الشبه تلك تسير في الانحسار بين المجموعة الثالثة والعصر الحجري الحديث، غير أن شقف الفخار ذات اللون الأحمر والحافة السوداء تشير إلي نوع من الاستمرار الثقافي، حيث كشفت الأبحاث الآثارية مؤخراً عن مواقع الفترة المتأخرة للعصر الحجري الحديث في قطاع شندي (موقعي الكدادة وقلعة شنان) وحول الشلال الثالث والتي تظهر تشابه ثقافياً بالمجموعة (ج) في الفخار وصناعة التماثيل النسائية، ويعتبر النمط الاقتصادي الذي تميزت به المجموعة الثالثة وهو رعي الأبقار قد ظهرت أدلته في مواقع العصر الحجري الحديث في وسط السودان وحول نهر عطبرة وخصوصاً في ثقافة عبكة النيوليثية حيث عثر في مواقعها على كميات هائلة من رسومات الأبقار حول الجبال على ضفتي النيل في الشلال الثالث، ويؤيد الباحثين التطور الثقافي الذي لازم المجموعة (ج) وجعل علاقتها أقوى بظهور المستوطنات السكنية من خلال مخلفاتها التي حوت بقايا المنازل الواضحة.  
      


نتائج حفريات كل من رايزنر و بونية في كرمة ونشأت المستوطنات الحضرية
    أشارت الأعمال الآثارية عن ظهور نمط استيطاني فريد يمثل العصر البرونزي من خلال الحفريات في منطقة كرمة الحالية على بعد 25 كلم جنوب الشلال الثالث وتميزت بالجبانات الكبيرة والفخار والمباني التي أكدت بتطور المجتمع وظهور المستوطنات السكنية المستقرة ومركزية الحضارة والتمدن، وقد انتشرت هذه الثقافة في نطاق جغرافي شاسع في جزيرة صاي وفرص ودبيرة وصرص وإلي الجنوب حول النيل الأبيض وكسلا، وتعتبر هي الفترة التي غطت العصر البرونزي في السودان.
تعود أهم الابحاث الآثارية حول ظهور هذه التمدن إلي حفريات رايزنر (1913 – 1916م) التي أجراها على المقابر الكبيرة وحفريات شارلس بونيه التي بدأت منذ العام 1975 وما زالت مستمرة كما قامت الباحثة ماريجيت قراتيان في جزيرة صاي ودراسات سمث 1976م وبوسنر 1958م ودراسة أوكونر 1969م مستخدم الآثار والوثائق التاريخية وقد كشفت تلك الأعمال عن وصول الإنسان في الألف الثالث إلي مرحلة المدنية والحضارة وانتهاء فترة مجموعات م لقبل كرمة وقد صاغت تلك الدراسات ظهور حضارة كرمة في ثلاث مراحل تطورية من خلال الفخار زامنت كرمة القديمة ثقافة المجموعة (أ) ومرحلة كرمة المتوسطة التي تمثلها القبور في الجبانة الشمالية وكرمة الوسطى القبور في الجزء الجنوبي وأجمعت الدراسات على أن تلك البقايا الأثرية تشير إلي ظهور نمط استيطاني يختلف عن سابقاته في النوبة السودانية بظهور المباني الشاهقة وتطور الصناعات التي شملت الفخار والعاج والمعادن وظهور الأضحيات البشرية والحيوانية في المقابر وتعتبر نواة لحضارة كوش السودانية. وإذا ما قورنت نهايات المجموعات النوبية بحضارة كرمة ، خصوصاً المجموعة الثالثة نجد هناك تشابهاً ثقافياً واسعاً ، وهو الأمر الذي ربطه الباحثين بنهاية المجموعات النوبية وفترة ماقبل كرمة، والتي تأثرت بالإذدهار والتطور في الحضارة المصرية وغزواتها علي الأراضي النوبية ، ويظهر ذلك التماثل في المقابر التي كشف بناءها الفوقي تطوراً من كوم في المجموعة (ج) إلي مسلات حجرية في كرمة وإذدياد حجم وعمق الغرف في البناء التحتي من المجموعة (ج) إلي  كومة ، كما ظهر التشابه في الأثاث الجنائزي خصوصاً ظهور دفنات علي العنقريب في المجموعة (ج) والضحايا البشرية والحيوانية ووضع المتوفى والتماثيل النسائية ، ووفقاً للأبحاث التي تم القيام بها مؤخراً في كرمة وكدركه يطلق الباحث ( شارلس بونيه1997) علي العصر النحاسي في النوبة العليا عصر ما قبل كرمة،  تلك المواد الأثرية التي تعرف عليها رايزنر ومن بعده شارلس بونيه تشير إلي العثور على فخار في كرمة شبيه بفخار المجموعة الأولى، وهو نوع يتميز بطينة سوداء ومتين ولون سطحه الخارجي بلون أسود وكثيراً ما تم صقله وشكله العام كروي منحني في الجزء العلوي وعليه تصماميم هندسيه محفورة وفي بعض الحالات زخرفة غائرة وملئت فراغات الخط الغائر بمادة بيضاء اللون، مما يثير الانتباه توزيع زخرفتها، ووصف الباحثين بعض المقابر لكرمة القديمة بنوعين من الأشكال المشيدة فوق القبر أحدهما بشكل دوائر من الحجارة والآخر مرصوص بمسلات توضع حول الحفرة وتتزامن هذه المقابر مع مقابر المجموعة الثالثة ومن المؤكد أنها ثقافة كرمية الأصل، ولا يوجد ما يفرق بين نوعي المقابر ويمكن القول أن تلك المقابر ذات المسلات تتبع لمجموعة سكانية لها تقليد مع كرمة وتنسب إلي المجموعة الثالثة، وأرخت هذه المقابر 2400 ق.م وهو تاريخ مبكر بعض الشئ بالنسبة لتاريخ بدايات المجموعة (ج) في بلاد النوبة السفلى ومن المحتمل أن هذه المقابر ذات المسلات ظهرت أولاً ثم تطورت منها أصناف المقابر الدائرية فيما بعد والتي نسبت إلي كرمة.
وقد كانت نتيجة الحفريات المكثفة في موقع كرمة هي وجود مدينة نوبية كمستوطنة حضارية ، خلفت تلك المجموعات ولربما عملت على نهايتها أو ذابت بقاياها في مجموعاتها ، وقد شغلت كرمة المدي الزمني في النوبة العليا منذ المملكة المصرية القديمة حتي المملكة المصرية الحديثة التي كانت على يدها نهاية كرمة أي استمر هذا الارث الثقافي النوبي في كرمة من 2500 – 1050 ق.م واعتبروها الباحثين الحضارة الكوشية الأولى وأصبحت نواة لقيام المدن النبتية والمروية.
     بعض المقتنيات الأثرية التي وجدت في المجموعات النوبية وكرمة
مقابر كرمة

نهاية مجموعات ما قبل كرمة
لايعرف حتي الآن كيف انتهت ثقافة تلك المجموعات النوبية علي وجه الدقة، وذلك بسبب تركيز الدراسات علي ظهورها وهويتها ، عدا القليل من الدراسات التي ربطت قيامها بنهاية العصر الحجري الحديث ونهايتها بظهور المملكة المصرية الوسطى كقوة ضاربة في مصر والتي وجهت عدداً من الحملات الحربية والتجارية إلي أراضي النوبة السودانية، حيث وصفت الآثار المصرية انتشاراً لمجموعات رعوية بين النوبة السفلي والنوبة العليا كانت تهدد حملات التعدين والتجارة أحياناً وأطلق عليها الباحث ( ديفد اكونر) (O,connar) الدويلات النوبية المبكرة ، كما تشير عوامل تدهور المناخ وانحسار السهول الرعوية والزراعية في النوبة الي نزوح أصحاب تلك المجموعات من النوبة السفلي الي الصحراء الشرقية والصحراء الغربية وبعض الباحثين يؤيدون نزوحهم الي الجنوب حيث إستقروا حول كرمة إستناداً علي مؤشرات المجموعة (ج) التي عثر عليها بالقرب من موقع كرمة، وهناك بعض الدراسات التي تشير إلي انتشار أصحاب المجموعة (ج) إلي الصحراء الشرقية بين تلال البحر الأحمر ونهر عطبرة ومنطقة دنقلا حيث تم العثور على عدد من المخلفات الأثرية التي تشابه فخار المجموعة (ج) واعتبروها الباحثين عبارة عن مجموعات رعوية استقطبتها السهول الواسعة لرعي الماشية، بعد أن أصبح مناخ النوبة السفلى أقل حظاً، ولكن إن ظهور أدلة المجموعة (ج) حول مركز حضارة كرمة هو أقرب دليل لتجمع بقايا تلك المجموعات النوبية حول كرمة ولربما كانوا ذو تأثير كبير في نشؤ تلك الحضارة.

     المراجع والمصادر:
1.   أحمد محمد علي الحاكم، شارلس بونيه، ترجمة صلاح الدين محمد أحمد. 1997م. كرمة مملكة النوبة تراث أفريقيا من عهد الفراعنة.
2.   أسامه عبد الرحمن النور  2004م – دراسات في تاريخ السودان القديم- امدرمان.
3.   دفع الله،  سامية بشير. 1999. تاريخ الحضارات السودانية القديمة منذ أقدم العصور وحتى قيام مملكة نبتة.
4.    شارلس بونيه- صلاح الدين محمد أحمد- السودان ممالك علي النيل 1997م.
5.    فرانسيس جيوز- ترجمة أسامه عبد الرحمن النور- مدافن المجموعة الثالثة (ج) .
1.    
2.    Adams- 1977 – Nubia Corridor to Africa.
3.    Bates, O. - Dunham, D. 1927 “Excavations at Gammai.” In E. A. Hooton and N. I. Bates, eds., Varia Africana IV. Harvard African Studies, Vol VIII. Peabody Museum of Harvard University, Cambridge (Mass.). 1-121.
4.    Bonnet, C.1988 Les fouilles archéologiques de Kerma (Soudan), Rapport préliminaire sur les campagnes de 1986-1987 et de 1987-1988.
5.    Edwards N-D-2004-The Nubian Past An Archaeology of the Sudan – London.
6.    Emery, W. B. - Kirwan, L. P. 1935 The Excavations and Survey between Wadi es-Sebua and Adindan 1929-1931. Mission Archéologique de Nubie 1929-1934. Cairo.
7.    Fattovich R. 1991 “Evidence of Possible Administrative Devices in the Gash Delta (Kassala) 3rd-2nd Millennia B.C.” Archéologie du Nil Moyen 5: 65-74.
-         1993 “The Origin of the Kingdom of Kush: Views from the African Hinterland,” Archéologie du Nil Moyen 7: 69-74.
8.    Firth, C. M. 1912 The Archaeological Survey of Nubia. Report for 1908-1909. Vols. 1-2. Survey Department. Cairo Ninth International Conference of Nubian Studies Museum of Fine Arts and Northeastern University, Boston August 20-26, 1998 142.
-          1915 The Archaeological Survey of Nubia. Report for 1909-1910. Survey Department. Cairo.
-          1927 The Archaeological Survey of Nubia. Report for 1910-1911. Survey of Egypt. Cairo.
9.    Gatto, M. C. 1998 “A-Groups: a complex society of Lower Nubia (Egypt, Sudan).” In L. Krzyzaniak, ed., Late Prehistoric and Protohistoric social groups in Northeastern Africa: Forlì – XIII International Congress of Prehistoric and Protohistoric Sciences. 515-519.
10.                       Geus, F. 1975-1976 Rapport Annuel d’Activité. Service des Antiquités du Soudan, Section Française de Recherche Archéologique, Khartoum
-         1977 “Abudiya (Soudan).” Bulletin de Liaison du Groupe International d’Étude de la Céramique Egyptienne, III, Le Caire: 17.
11.                       Honegger, M. 1995 “Kerma: note sur la reprise des fouilles de l’agglomération pré-Kerma.” In Genava, n.s. 43: 58-59.
12.                       1997 “Kerma: l’agglomération Pré-Kerma.” In Genava, n.s. 45: 113-118 Ninth International Conference of Nubian Studies Museum of Fine Arts and Northeastern University, BostonAugust 20-26, 1998 93
13.                       Nordstrom. H.A.. 1962 “Excavations and Surveys in Faras, Argin and Gezira Dabarosa.” Kush X: 34-61.
-         1972. Neolithic and A Croup sites. The Scandinavian Joint Expedition . Apsalla.
-         1996 “The Nubian A-Group: Ranking funerary remains.” Norwegian Archaeological Review 29, No. 1: 17-39.
14.                       O’connar, D. 1991 “Early States along the Nubian Nile.” In Davies, W.V., ed., Egypt and Africa: Nubia from Prehistory to Islam. London: 145-165.
-          1993 Ancient Nubia: Egypt’s rival in Africa. The University Museum, University of Pennsylvania, Philadelphia Ninth International Conference of Nubian Studies Museum of Fine Arts and Northeastern University, Boston August 20-26, 1998 143.
15.                       Reisner, G.A. 1910 The Archaeological Survey of Nubia. Report for 1907-1908. Vol. I: Archaeological Report. Survey Department. Cairo.
16.                       Sadr K., 1987 “The Territorial Expansion of the Pan Grave Culture.” Archéologie du Nil Moyen 2: 265-92.
17.                       Smith, H.S. ET Giddy, L.L. 1985 “Nubia and Dakhla Oasis in the Late Third Millennium B.C.: The present balance of textual and archaeological evidence.” In F. Geus et F. Thill, éds. Mélanges Offerts à Jean Vercoutter: 317-330.
18.                       Williams, B. B. 1986 The A-Group royal cemetery at Qustul: Cemetery L. (Excavations between Abu Simbel and the Sudan Frontier, Part 1.) The University of Chicago, Oriental Institute Nubian Expedition, Vol III. Chicago Ninth International Conference of Nubian Studies Museum of Fine Arts and Northeastern University, Boston August 20-26, 1998 144.

2 comments:

  1. الطلاب الاعزاء - من المفضل أن يقوم كل طالب بتلخيص نقاط عامة بناء على ما سجله من خلال المحاضرة وما يجده في المكتبة من تلك المراجع المرفقة ليشكل ملخص متكامل عن المقرر

    ReplyDelete
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته د. احمد بالتوفيق ان شاء الله وارجو التواصل للضرورة اختكم د.صفاء من مصر وهذا هو الاكونت والايميل الخاص بى
    Safaelsheik@art.svu.edu.eg
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100010729150571

    ReplyDelete